الأنظمة الاجتماعية المسيطرة على طبيعة السلوك المادي للإنسان، لا تنفصل عن المشاعر والذكريات والقيم الروحية، وهذا الارتباط الوثيق يستلزم تكوين علاقة منطقية شاملة تقوم على تفسير الثنائيات المتجذرة في بنية المجتمع، مِثل : (الجوهر والمظهر). (المضمون والشكل) .(المفهوم والمنطوق) . (الرمز والإشارة) .
والإنسانُ في زحمة الحياة اليومية يتعامل اليا مع هذه الثنائيات جُملةً وتفصيلًا، باعتبارها قِيَمًا وجودية مُعاشة، ولَيس باعتبارها تراكيب واقعيه فكرية ضمن منهج فلسفي عقلاني يقوم على التَّعليل ( السبب والنتيجة ).
وهنا يتَّضح الفرق بين الإنسان الخاضع لأعراف المجتمع الاستهلاكي، والفيلسوف الذي يبني قوانين المنطق الاجتماعي.
وهذا الفرق يُشبِه الفَرْقَ بين الرَّجل الذي يَشعر بالحُب تجاه زوجته، لكنَّه لا يَستطيع كتابة قصيدة حُب لها، لأنَّه لَيس شاعرًا، وبين الشاعر الذي يَشعر بالحُب، ويَستطيع كتابة قصيدة حُب، لأنَّه يَمتلك رؤية الشاعر وقدرته ولُغته وأدواته.
وهذه المُقارنة تُثبِت بوُضوح أنَّ جَميع الناس بلا استثناء لَدَيهم أحاسيس ومشاعر فياضه، ويَعيشون في تفاصيل الحياة بحُلوها ومُرِّها،ولكنْ لَيس كُل الناس لَدَيهم القُدرة على التعبير والتحليل المنطقي .والفيلسوف هو شاعر الواقع الحقيقي واللغوي، والشاعرُ هو فيلسوف الخيال ومتدبره اللغوي. وبدُون اللغة، سيقع الإنسان في الفراغ المُوحِش. الإنسان العادي يعيش في المجتمع بشكل أُفقي، لكن الفيلسوف يعيش في الفكر الإنساني لإعادة بناء المجتمع أُفقيًّا وعموديً وفي كل الاتجاهات حواليه.
لذلك، لا يهتم الإنسانُ العادي بطرح الأسئلة عن طبيعة العلاقات الاجتماعية، ولا يبحث عن أسباب منطقية للظواهرالإنسانية، لأنَّه مشغول بالحياة المادية الضاغطة، ومُحَاصَر بإفرازات النظام الاستهلاكي والاجتماعي، وهذا يمنعه مِن الغَوص في أعماق نَفْسِه، والتَّنقيبِ عن ماهية العلاقات الاجتماعية.
مِمَّا يَجعله كائنًا أُحادي النظرة متعب ومهموم، يسير وفق مُعادلة حياتية تزداد يوميا تعقيدا، دُون أن يَلتفت إلى عناصر الطبيعة المُحيطة به مِن أجل تحليلها والمحاوله للتغلب عليها، والوصول إلى أنويتها الأساسية.
في حِين أن الفيلسوف يطرح الأسئلة التي تُحاول اكتشاف أعماق الطبيعة الإنسانية النقيه، وتحليل العلاقات الاجتماعية، وتفكيك المُركَّبات الفكرية وُصولًا إلى عناصرها الأساسية.
أي إنَّ الفيلسوف يبحث عن أجوبة تعتمد على التفكير المنطقي المُتسلسل الذي يَبدأ مِن طبيعة الظاهرة الوجودية، وينتهي إلى ماهية الوجود.ورحلةُ الفيلسوف من الظاهرة إلى الماهية، هي التي تَجعله يتحرَّك أُفقيًّا وعموديًّا في المجتمع، فهو يعيش كأيِّ إنسان ضِمن الأُطُر الاستهلاكية ( الحركة الأُفقية )،
لَكِنَّه يَعتبر الاستهلاكَ وسيلةً إلى حقيقة المعنى الإنساني وماهيةِ البُنى الاجتماعية، ولا يعتبر الاستهلاكَ غايةً قائمةً بذاتها،
وهذا يَدفعه إلى الغَوص في المعاني، وتحليل عناصر الطبيعة المُحيطة به ( الحركة العمودية ).جميعُ القطارات تنطلق مِن نَفْس المحطة ( نقطة الانطلاق واحدة )، ولكنْ كُل قطار له مسار خاص وهدف مُختلف عن القِطار الآخَر ( نِقَاط الوُصول مُتعدِّدة ). وهذه الفكرة تُجسِّد حقيقةَ العلاقة بين الإنسان العادي والفيلسوف،
فهُما يَنطلقان مِن نَفْس النُّقطة ( الظاهرة الاجتماعية )، ولكنهما يَصِلان إلى غايتَيْن مُختلفتَيْن تمامًا، لاختلاف المسار والتفكير، واختلافِ البنية التحليلية للأحداث. الإنسانُ العادي يبدأ من الظاهرة الاجتماعية والواقع الحياتي اليومي، ويضيع في المتاهة الاستهلاكية، حيث تُسيطر قيمة التَّسَلُّع الذي هو في ازدياد مستمر وهذا يؤثر على حياة ووجود الإنسان اليومي، أي إنَّ الإنسان يُصبح سجينًا للسِّلَع والحاجه المستمره لها، وخاضعًا لقوانينها المتغيره، ويُصبح الحُلْم الشخصي للإنسان سِلعة ضِمن قانون العَرْض والطَّلَب.
في حِين أنَّ الفيلسوف يبدأ من الظاهرة الاجتماعية، ويُطبِّق آليات المنهج العِلمي في البحث والاستقصاء، فيصل إلى حقيقة الأشياء، وماهية العلاقات، وخصائص الجوهر الإنساني، مِمَّا يَجعله يُفَرِّق وبدقه بين الحُلم الإنساني والسِّلعة الاستهلاكية.
وختاما اقول ان كلا من الفيلسوف والانسان هما كائنان منفردان لكل منهما له شخصيته وديناميكيته وخبرته وطاقته الشخصيه وطريقة تفكيره وابداعه وقدرته الاستيعابيه وتخليقها. كلاهما موهوب حسب قابليته يعيش في على هذه الحياة الواحده على انفراد.ويختلافان بما يقدمه كل منهما عاكسا قدراته الذاتيه ليحقق ما يصبوا ويترك اثرا ما في دعم حياته وحياة عائلته ومجتمعه.فهما يعملان بخطين متوازيين لتحقيق هدف اسمى هو خدمة المجتمع والانسان. وهذه هي الصوره الدقيقه والواقعيه لما يجري في الحياة الان.
ومن اثمارهم يمكن التاكد من الابداعات في تحقيق الاهداف المبتغاة. النتائج ستعكس الصوره الحقيقة والمثمره المتحققه من الجهود والقدرات الفرديه .والرائع انها تكون ذات فائده عامه ومتخصصه و مثاليه او على الاقل تعتبر متميزه او كقدوه يقتدي بها لخدمة الاجيال التاليه في المجتمع المحلي والعالمي على حد سواء. فهي بالتاكيد براءة اختراع جديده وثمرة طازجه للجهود المبذوله بالاساس لخدمة المجتمع. وهي أن الإنسان طاقه هائله وجباره وهي لَيست شيئًا مِن الأشياء الاعتياديه، وإنَّما هى زبده لعمل مضبوط وديناميكية دقيق يسير مع إيقاع الحياة الاساسي، والعقل المُفكِّر هو الذي يدمج الجُزء في منظومة وجعبة الكُل، فانه مستحيل ان يُحطِّم كائن عاقل ومستو الكُلَّ بحثًا عن غاية ما.
مقال منقول وبتصرف
د. خالد اندريا عيسى