الهتاف الملائكي” الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ.” …. كيف ولماذا ورد في الكتاب المقدس

هتفت الملائكة وسبحت حينما خلق الله العالم، “عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قَرَّتْ قَوَاعِدُهَا، أَوْ مَنْ وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا، عِنْدَمَا تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ الصُّبْحِ مَعًا، وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي اللهِ”(أي 38: 7،6، )، وها هم يسبحون الرب يسوع ببدأ الخليقة الجديدة الثانية بميلاده. وهذه التسبيحة استخدمت من أجل عمله الفائق تجسده الإلهي، فالملائكة قدموا تهنئة الميلاد للرعاة، وهم قدموها للبشر – الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي – حيث لا توجد خطية، فالكل خاضعين له، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ بعد أن ساد العصيان والانقسام جاء المسيح ملك السلام، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ كان هناك غضب على الإنسان وبالفداء صارت المسرة بعودة الإنسان، الابن الضال إلى حضن الآب، فقال الآب “وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةائِلًا: هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا.” (مت 17: 5

هتاف الملائكة بثلاث أجزاء: 1-“المجد لله في الأعالي” لأن بالتجسد أعلن مجده.

2-“وعلى الأرض السلام” لأنه صنع سلامًا بين السماء والأرض.

3-“وبالناس المسرة” لأن الله قدّم للعالم البشارة السارة التي زفّها للعالم.

4- المولود “ابن العلي يُدعى” وهذه التسمية تؤكد فقط وحدته الأزلية والتشابه فللآب والابن طبيعة واحدة، انها تعطي امتيازات، “أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي، أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ.” (يو 10: 30،29)

إن الفكر البشري يظل معتمًا ومظلمًا إلى أن يرى نور الرب يسوع المسيح المخلص والفادي “وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ” (أع 4: 12)، وقتها السماء اهتزت، ولم تستطع أن تصمت أمام هذا المشهد العجيب فإله السماء، ها هو الآن في مذود، والملائكة بشروا الرعاة وما حدث هو لفائدة البشر. فالمسيح وُلِد فقيرًا ليغني كثيرين وولد متواضعًا ليرفع المتضعين وبقدر ما نكون له يكون هو أيضًا لنا. وبقدر ما نبذل لأجله ونعطيه تكون مكاسبنا في يسوع المسيح المخلص، “أَنْتُمْ شُهُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَعَبْدِي الَّذِي اخْتَرْتُهُ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ، أَنَا أَنَا الرَّبُّ، وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ.” (إش 43: 11،10)

الذي تأنس وصار إنسانًا ومُسِحَ بالروح القدس ليكون ملكًا وتسبحه القوات السماوية الى انتهاء الدهر فلقد وُلِد كثير من الأنبياء العظماء ولم يتهلل السماويين هكذا فهم جميعًا كانوا خدامًا لهذا المولود. وهذه لكم العلامة أذ هم لم يسألوا عنها ولكن الملاك أعطها لهم وليقدموا المجد في التسبيح والمباركة والسجود والتمجّيد والشكر من أجل عظيم مجدك، أيها الرب الإله المَلك السماوي، الله الآب القادر على كلّ شيء، يا حمل الله وابن الآب، يا حامل خطايا العالم، إرحمْنا، إقبل تضرعنا، أيها الجالِسُ من عن يمين الآب، أَنت وحدك القدّوس، أَنت وحدك الرب، أنت وحدك العلي.

يرد ذكر هتاف المجد في القداس الإلهي والصلاة الاحتفالية في الأعياد: والآحاد العادية لإضفاء طابع احتفالي عليه. مجدا لساكن العلا قد وهب الابن لنا اذ اخلى ذاته لنا في خطة عظيمة مدبرا لخلاصنا نعم على الارض السلام قد ولد رب السلام من ارتضى في رحمته ان يحمل كل الالام ومحبة للمنتهى، ليخلص من يؤمن به وبالناس المسرة وفرحة لا تنتهي قد ولد ذاك الذي به النفوس تهتدي الى حياة رائعة.

تحتل الترنيمة الملائكيّة للرعاة في ليلة ميلاد الرب يسوع المسيح مكانةً كبيرة في الليتورجية الكنسية وفي صلواتها اليوميّة والمناسبات وغلبا ما تُرتَّل بتفخيم كبير قبل البدء القدّاس الإلهيّ فتُعرَف بالمجدلة الكبرى تعبيرًا عن أنّ محور هذا القدّاس هو الرب يسوع المسيح نفسه، الإله الحي الذي ارتضى أن يتجسّد وصلب وقبر وأقامنا معه، وهو الذبيحة الأبديّة الوحيدة لخلاصنا، في جسد ودم الرّب المقدّسين اللذين سنتناولهما لمغفرة الخطايا وحياة أبديّة. إنّه نشيد جميل المعاني، ومحاولتنا لوصف مجد الله بكلماتنا البشريّة قد تبقى كلمات عاجزة. أما بحسب يوحنا عن الرّبّ يسوع فهي عظيمة كما في، “وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا”. (يو14:1)، في مفهومنا البشريّ المحدود، نترجم كلمة “مجد” بعظمة يرافقها الفخامة والعزّ والرفعة والشرف والمكانة المرموقة، إنّه مجد لا يقارن بأي مجد آخر وكل من يدخل في علاقة مع الرب يتذوّق مِن هذا المجد، وقد شهد بطرس في رسالته قائلا: “لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ”(2بط 1: 16).

المناسبة التي شكلت أهميتها دخول المجد والتسبيح في حياتنا وكما يلي: “وفي الشَّهرِ السَّادِس، أَرسَلَ اللهُ الـمَلاكَ جِبرائيلَ إِلى مَدينَةٍ في الجَليل اسْمُها النَّاصِرَة، إِلى عَذْراءَ مَخْطوبَةٍ لِرَجُلٍ مِن بَيتِ داودَ اسمُهُ يوسُف، وَاسمُ العَذْراءِ مَريَم. فدَخَلَ إلَيها فَقال: “إفَرحي، أَيَّتُها المُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ”. فداخَلَها لِهذا الكَلامِ اضطرابٌ شَديدٌ وسأَلَت نَفسَها ما مَعنى هذا السَّلام. فقالَ لها المَلاك: “لا تخافي يا مَريَم، فقد نِلتِ حُظوَةً عِندَ الله. فَستحمِلينَ وتَلِدينَ ابناً فسَمِّيهِ يَسوع. سَيكونُ عَظيماً وَابنَ العَلِيِّ يُدعى، وَيُوليه الرَّبُّ الإِلهُ عَرشَ أَبيه داود، ويَملِكُ على بَيتِ يَعقوبَ أَبَدَ الدَّهر، وَلَن يَكونَ لِمُلكِه نِهاية”. فَقالَت مَريَمُ لِلمَلاك: “كَيفَ يَكونُ هذا وَلا أَعرِفُ رَجُلاً؟” فأَجابَها الـمَلاك: “إِنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَيحِلُ عَليكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ، لِذلِكَ يَكونُ المَولودُ قُدُّوساً وَابنَ اللهِ يُدعى. وها إِنَّ نَسيبَتَكِ أَليصابات قد حَبِلَت هي أَيضاً بِابنٍ في شَيخوخَتِها، وهذا هو الشَّهرُ السَّادِسُ لِتِلكَ التي كانَت تُدعى عاقِراً. فما مِن شَيءٍ يُعجِزُ الله”. فَقالَت مَريَم: “أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ”. وَانصرَفَ المَلاكُ مِن عِندِها”. (لوقا 1: 26-38)

بمناسبة عيد ميلاد الرب يسوع نتمنى عيدًا سعيدًا ومباركًا ملؤه النجاح والصحة والمحبة… كل عام وأنتم بألف خير… كل سنة وجميعكم طيبون بميلاد يسوع المسيح، الذي فرحت به السماء وتهللت به الأرض، وبحسب لوقا البشير وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وأظهرت لنا ما للأب من صفات عظيمة كالحكمة والعدل والحق والرحمة والمحبة التي لا يمكن ظهورها بغير المسيح، والسيد المسيح نفسه هو مجد الله بقداسته وطاعته وتعاليمه والأرض التي استقبلت ملك السلام الذى قال عنه أشعياء النبي: “لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ”(أشعياء ٦:٩). وهو الذي قال لنا “سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لاَ تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلاَ تَرْهَبْ” (يو 14: 27)

هذه هي رسالة السيد المسيح لنا منذ تجسده وعهده لنا إنه جاء لينشر السلام السماوي على الأرض، وما أحوجنا في هذه الأيام إلى هذا السلام السماوي، في وسط العالم المملوء بالصراعات والحروب والاوبئة، هذا السلام نحتاجه لكي يكون لنا سلام مع الله وأنفسنا ومع الآخرين. نحب بَعضُنَا بعضا ونقبل الآخرين كشركاء معنا في الإنسانية، ولا نفرق بين الناس على أساس: الدين والجنس والعرق واللون.

إنه بداية لعهد جديد، في معناه الحقيقي هو طمأنينة القلب، السلام الذي يحتاج إليه البشر في كل جيل، أفرادا وأسر وجماعات للقضاء على الاضطراب والخوف وعوامل القلق، والمسرة هي ثمرة إعلان مجد الله، والفرح يجب أن يكون حسب إرادة الله مشيئته. وهو يختلف تماما عن فرح العالم ومسرته، إنه فرح ومسرة قلوبنا بتجسد المسيح من أجلنا. إنه فرح ومسرة الإنسان الذي يقدم توبة ورجوعا إلى الله، فيكون له فرح في الأرض، ويسبب فرحا في السماء. التي تفرح بخاطئ واحد يتوب، إنه فرح ومسرة الإنسان الذي يفعل الخير، مع المحتاجين والمساكين. وقد تكلم المسيح عن الفرح والمسرة في العطاء أكثر من الأخذ: “فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ” (أع ٣٥:٢٠).

وختاما سنجد جميعنا أن هذه التسبيحة رسالة المحبة للبشرية جمعاء وبدون أي تمييز ولكي لا ننسى عزيزي القارئ عندما تردد هذه التسبيحة تثبت أنك تنشر مجد الرب والسلا م والمحبة والفرح في حياتك والأخرين ….. بارك يا رب حياة المؤمنين وامنحهم السلامة وكنيستك القوة والقدرة على انجاز مشروع الايمان في حياتنا جميعا فهو مفتاح الخلاص ….. الى الرب نطلب

كل سنة والجميع في مجد وسلام ومسرة.

د. طلال كيلانو

————————————————————————————————————-

*الهتاف الملائكي” الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ.” (لو 2: 14)

*الهَتْفُ والهُتافُ الصوت الجافي العالي وقيل الصوت الشديد وقد هتَف به هُتافاً، هَتفْت بفلان أَي دعَوْتُه وهتفْت بفلان فجعل يَهْتِفُ بربّه أَي يدعوه ويُناشِده وقد هَتَفَ يهتِف هتْفاً والحمامة تَهْتِف اي ناحَتْ وسمعت هاتِفاً يَهْتِف إذا كنت تسمع الصوت ولا تُبْصِر أَحداً — لسان العرب1

*وصف ميلاد السيد المسيح لأمير الشعراء أحمد شوقي عندما قال: «ولد الرفق يوم مولد المسيح (عيسي) والمروءات والهدى والحياء. ازدهى الكون بالوليد وضاءت بناه من الثرى الأرجاء. وسرت أية المسيح كما يسرى من الفجر فى الوجود الصفاء تملأ الأرض والعوالم نورا، فالذى مانح لا عبد ولا صولة ولا انتقام ولا حسام ولا غزوة ولا دماء».

عن د. طلال فرج كيلانو

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …