ما الوعي؟

هنالك فرق بين أن تتعلم كيف تفكر وفق وعي نقدي، تكون البوصلتك اي دماغك فيه من الكثير الخير والرغبه للتعلم و النموالمعرفي والادراكي.

وبين أن يكون عقلك مثل كيس ممزق، يضع لك فيه الآخرون ما يشاؤون، فتردده انت مثل شريط مسجل في جهاز كهربائي ، مساقا لهم، بوعي او بدونه، لتصبح تدور في فلكهم مثل ذلك المطيع الابدي.وان من اكثر العوامل المشجعه لبقاء الاستعمار، هو الجهل.

. وأشد أنواع الجهل،هو الشخص نفسه اي جهل المتعلم او المواطن خاصة في إشكالية الادلجة ودورها في خلق وعي زائف، يصعب التخلص منه.. فالمعدة أذكى من العقل لأنها تتخلص من الملوثات التي تدخلها بسرعة،عكس العقل الذي يحتاج لسنوات طويلة لينقى.
لقد مرت عدة شعوب بالحروب الأهلية في عدة دول في قارات مختلفة من أمريكا الى اوروبا وافريقيا، وحصدت الملايين من الأرواح.. والسبب الرئيس (من وجهة نظري) هو عدم الوصول إلى وعي مفهوم وتفتح ادراكي عن الشعب، والوطن، والأمة، لأن هذه الحالة تحتاج إلي نضج ووعي نقدي وفكري رصين..فاختلاف الحالة العِرقية والدينية والقبلية، قد يقود لحروب في قائمه في غياب مفهوم التعايش السلمي بين مكونات الشعب المتنوعة، و المتباينة عرقيا و لغويا و دينيا، وحتى قبليا، والتي تتحول الي تنوع يثري الدولة، في حالة السلم الاجتماعي، والعيش المشترك، ولا يضعفها .
الحرب الأهلية هي احدى آليات الصيرورة التاريخية، للوصول لمفهوم الشعب، والأمة، خاصة إذا لم يتبلور مفهوم الهوية الجامعة، عند عقلية العامة من الناس المختلفة التي تعيش على رقعة جغرافية واحدة، لتكون دولة، وفق التعريف القانوني للدولة وهو: شعب وحكومة وإقليم، خاصة عندما تفشل النخبة في قيادة الجموع..
وبين هذه وتلك، نجد العديد من النماذج الفاشلة والناجحة، ودولة الحدالأدنى وهو مفهوم سياسي محدد، يتحدث عن بداية تأسيس. ان للدولة، في حدود محدودة للسلطة، و بداية انصهار الشعب في الوطن واحد، بعيدا عن الأطماع والأحلاف من الدول الكبرى، التي تتعارض مصالحها مع غيرها من الشعوب غير الناضجة، خاصة الان في سيناريوهات الطاقة والمياه والتكنلوجيا اليوم.


فتسعى هذه الدول لإزاحة خصومها وفق نظرية المؤامرة، او وفق نظرية المصالح وتبادلها والموارد وهذا حق مشرؤع. فالدول ليست جمعيات خيرية.

بل لديها اهداف محدده في ظل عالم تتناقص فيه الموارد والاموال. من جهة أخرى، وفي أحيان كثيرة، نكون نحن الخطر الأكبرعلى أنفسنا وليس الآخر. وما يزيد الطين بلة ويزيد الامر تعقيدا حين يرسم لك الآخرون الإطار والمسار لنا وللاجيال القادمه، ونعتقد بأننا نحقق انتصارات كبيره، هي مطبات وشروخ وندوب فينا سوف تعيش في جسم الوطن وابنائه لسنوات طويلة، خاصة يحصل فيها تمزق للنسيج الاجتماعي بعد أي حرب أهلية. شخصيا، أؤمن بنظرية المؤامرة.

و اكبر مؤامرة علينا هي ان نترك لوحدنام المعرفة.:فرق كبير بين المعرفة التي تجدد نفسها و الايدلوجيا الجامدة.

فمن المقبول به ان الأيديولوجيا لا تنتج خطابا مضادا لها.. و رغم الدور المهم للادلجة في التعبئة وراء المشروع السياسي.. الا ان مشكلتها عدم خلق وعي نقدي خاص بها مثل المعرفة الذي يصحح انتاجه و يتجاوز أخطائه و بذلك يتجدد و لا يتجاوزه الزمن .

كما ان مشكلة طرح الأدلجة انها تصل الي نهايات دون مقدمات صحيحة .. و بينما يطرح العقل انتاجه في الاطار النسبي ترى الادلجة انتاجها انه المطلق و النهائي و الأبدي و الأخير.
و من هنا لا تواكب العصر و تقع في فخ الحياة في الماضي بديكور الحاضر و تلجأ الى اللغة و تستنجد بالخطابة و التخوين و سجع الكلام ..و كل وسائل الهجوم دون اقناع او نتائج حقيقة على الارض.
حتى المعرفة اذا لم ترتبط بالأخلاق لا خير فيها لقد استعمل الغرب البارود لقتل سكان امريكا الاصلين و أوربا المسئولة من جهة أنها نهبت اموال أفريقيا فترة الاستعمار ومن جهة انها مارست لسنوات عدة سياسة الاستقطاب وقدمت ماكينتها الإعلامية الضخمة والبروباكنده الغربية، قدمت الأيديولوجيا الغرب للعالم على انه النعيم الأرضي فاليسار في أوربا هو الذي اللهم الكثير من الثورات في أفريقيا والرأسمالية الغربية هي التي استنسخت منها الأحزاب الإفريقية برامج عملها وفشل اليسار الأفريقي واليمين معا في تحقيق مشروع نهضوي وتنمية مستدامة في أفريقيا.
لقد شاهدنا انتفاضة في الشارع الفرنسي و الأمريكي مؤخرا و التي جاءت في حقيقتها لتجديد المشروع الرأسمالي الذي أصبح مؤذلجا اكثر منه مشروع معرفي او مشروع أخلاقي.اما عندنا في الشرق فاننا نخلط بين الادلجة و المعرفة.. لقد عشنا لفترة طويلة في وهم الادلجة التي تطرح في شكل المعرفة فلم نتقدم بل أعدنا تدوير معرفة قديمة لتجمدنا في ذلك العصر .حتى في الشكل بحجة دعاوى المحافظة على الأصل.

يقول مفكر اوروبي :
” الجاهل ليس من لا يملك شيئا بل انه من يملك وعيا محدودا ومعرفة لا تواكب العصرالحديث وهذا الوعي اقل ما يقال عنه بانه سلبي و هو بعناده واصراره يكون مستعدا كي يضرب رأسك ليقنعك بها”.

الجوع العام.ومنه التاريخي:


تعاني شعوبنا العربية من جوع معرفي ومعوي يغطي حياتنا ومنه كذلك الجوع  التاريخي، وهو الجوع الممتد عبر الأجيال من جد إلى أب وحفيد، حتى أصبحت سمة سلوكنا. الجوع التاريخي، في الأكل الذي نسرف فيه بشكل مبالغ.

ولم أجد تفسيرا لهذه الظاهرة، التي أصابت شعوبنا بالأمراض مثل زيادة الوزن الكولسترول والضغط والسكر والنتيجه الاكيده هو الموت المفاجئ. في جسم الانسان العربي وغيرها من الأمراض، سوى سبب الجوع التاريخي. وهو جوع النفس التي أمرنا الله بالاهتمام بها قدر المستطاع. الجوع التاريخي ليس في الأكل فقط، بل هو متعدد الأماكن والأشكال، فنجده في المال والسلطة والتسلط وباقي الملذات وأهواء النفس.. بل تجاوز حدود الجوع التاريخي المعقول، فها هو في الألقاب، من الدكتور والشيخ والأستاذ والمهندس والشيخ والسيد والحاج والأفندي … حتى خارج المهنة المتعلقة باللقب، بل دخلت المجتمع بسبب الجوع التاريخي للمكانة، بدلا من أن تكون ألقاب وظيفة مختصة بمكان العمل. الجوع التاريخي سبب لنا خروجنا من المجتمعات الديمقراطية، نتيجة جوع ساستنا التاريخي للسلطة. فظاهرة الجوع التاريخي في حاجة لدراسة معمقة. فكي نصبح شعوبا سوية، لابد من التخلص من الجوع التاريخي في الأكل والمال والسلطة، ولا يذكر في هذا الصدد الجوع المعرفي .اوغيرها من ملذات الحياة، حتى نعطي العقلَ دورَ القيادة، ليخرجنا من أزماتنا وامراضنا التي أظن أن السبب الرئيس في أغلبها هوالجوع وعدم الوعي.

بقلم: الدكتور خالد اندريا عيسى

عن د خالد عيسى

شاهد أيضاً

الكنعانيون

سفر تثنية الاشتراع 23 / 13 – 14 وليكن لك خلاء خارج المخيم تخرج إليها …