من قضايا الإيمان أن المسيح القائم من بين الأموات قد دخل المجد إلا أننا بصدد
سرّ يفوق الاختبار الحسي ولا يمكن حصره مثلاً في مشهد جبل الزيتون وحده حيث
شاهد الرسل معلّمهم يتركهم ويعود إلى الله ويعلمنا الكتاب المقدس ان السماء هي
مسكن الألوهية وأما الأرض موطئ قدميه وفي مسكن البشر وإن الله ليفتقد الناس
ينزل إذن من السماء ثم يصعد إليها ثانية وأما السحاب فهو مركبة راجع والروح
الذي يرسله ينبغي كذلك أن ينزل كذلك الكلمة يرجع أليه بعد أن يتمم عمله
والملائكة أنفسهم الذين يسكنون السماء مع الله راجع ينزلون لتمموا رسالتهم
راجع ويصعدون ثانية بعد ذلك صعود ونزول بها يقوم الرباط بين السماء والأرض أما
المسافة بالنسبة لبني البشر ففي حدَ ذاتها يستحيل عبورها فلكلام عن الصعود إلى
السماء يعادل التعبير عن البحث عما لا يطال هذا إن لم يكن ادّعاء كبرياء
جنونية إنه ما يزال أمرا كبيرا أن تصعد صلواتنا إلى السماوات وأن يسمح الله
بمقابلة البشر على جبال حيث هو ينزل وهم يصعدون مثل جبل سيناء أو جبل صهيون
فبعض المختارين فقط كأخنوخ نالوا الإنعام بأن يختطفوا إلى السماء بالقدرة
الإلهية نحو القديم من الأيام يتم مجيء أبن الإنسان وهذا المجيء يشير أيضا إلى
صعود وإن كانت نقطة بدايته تظل سرية وقد لا يمثل غمام السماء هنا مركبة بل
مجرد إطار للجمال الفني للمسكن الإلهي أن يسوع طبقا لترتيب الكون هذا كما
وردفي الكتاب قد رفع في القيامة إلى يمين الأب حيث كان يجلس على العرش كالملك
فكان ولابد أن يصعد إلى السماء,ولذا فأن صعوده يبدو في تأكيدات الأيمان الأولي
,ليس ظاهرة معتبرة لذاتها بقدر ما هي تعبير لابد منه عن مجد المسيح السماوي
ألا أنه مع التقدم في ظهور الوحي وتفسير الأيمان فقد أتخذ الصعود ذاتية خاصة
لاهوتية وتاريخية متميزة أكثر فأكثر بينما كان وجود المسيح السابق في فجر
الإيمان مضمراً فقد أخذ ينجلي شيئاً فشيئاً وساعد ذكر وجوده السابق في الكتب
المقدسة على تلمس كينونته السابقة قبل أن يعيش على الأرض يمكن القول إنه كان
عند الله كابن وكلمة وحكة وعليه فنَ ارتفاعه السماوي لم يكن نصرا لإنسان رفع
إلى مرتبة إلهية كما قد يوحي بذلك تعليم بدائي عن المسيح وإنما هو عودة إلى
العالم السماوي الذي منه سبق ونزل إن يوحنا هو الذي عبّر بوضوح تام عن هذا
القول من السماء وأقام العلاقة بينه و بين الارتفاع ثانية بالصعود وثمة دافع
آخر قد دعا إلى اعتبار الصعود مرحلة من مراحل التمجيد متميزة عن القيامة
والجلوس السماويَ، ألا وهو إيجاد تعبر أفضل للدلالة على تسامي المسيح على
الكون فلما كانت بدعة الكولسيين قد تعرضت لإنزال المسيح إلى مرتبة المأمور
الذي عين من بين مصاف الملائكة فقد اضطر بولس إلى أن يعيد القول بأكثر صراحة
بما سبق وقاله عن نصر المسيح على القوات السماوية فأكد لنا هذا النصر قد سبق
واكتسبه المسيح بالصلب وأنه منذ الآن يجلس على العرش في السماوات فوق تلك
القوات مها كان من مركزها وهو حينئذ يستغل ليبين أن ارتفاع المسيح فوق
السماوات كان ليتقلد السيادة على الكون الذي هو يملأه مثلما يجمعه بصفة رئيسية
إن هذا المستوىَ الكوني يظهر و تسبيحة فالارتفاع إلى المجد يأتي بعد الظهور
للملائكة والمعالم وتصور الرسالة إلى العبرانيين بدورها صعود المسيح في ضوء
نظرتها لعالم سماوي تقوم فيه حقائق الخلاص ونحوه تتجه مسيرة البشر إن الكاهن
الأعظم لكي يجلس هناك عن يمين الله فوق الملائكة صعد أول الجميع مجتازاً
لسماوات ومخترقاً فما وراء الحجاب إلى القدس الحقيقي حيث يشفع فينا في حضرة
الله إن ارتفاع المسيح إلى السماء الذي َ يتميز عن الخروج من القبر كمظهر كوني
كان ينبغي أن يكون منفصلاً بحكم ضرورة تربوية تقتضي التحدث في إطار الزمن
البشري عن حادث يفوق الزمن وأيضاً من أجل حساب فترة الظهورات لا شك أن شيئاً
لا يمنع بل كل شيء يفرض أن يسوع من أجل أن يظهر ذاته لتلاميذه قد رجع من عالم
المجد الذي كان قد دخله منذ لحظة قيامته فإننا في الواقع لا نفهم جيداً أين
يمكن أن يقيم في الفترة التي تخللت هذه الظهورات فما بينه لهم أنما هو فعلاً
حالة دخوله في مجده ولذا يبدو أن متى الإنجيلي يتصوَر الأمور على هذا النحو
إنه لا يتكلم عن الصعود ولكن إذ يسوع يكشف السلطان الذي يتمتع به في السماء
وعلى الأرض يدعنا فهم أن تقلَده العرش السماوي كان قد تم فعلاً عند لحظة ظهوره
على جبل الجليل ويعلم يوحنا الشيء عليه بطريقة أخرى فإذا كان يسوع ينبه
تلاميذه بواسطة مريم المجدلية إلى أنَه يصعد إلى الآب فمعنى ذلك أنه عندما
سيظهر لهم في تلك الليلة عينها سيكون قد صعد ثم نزل فهذه الفترة الفاصلة بين
القيامة والصعود والتي لا تتعدى بشكل الساعات لها هدفها التربوي فتتيح ليسوع
أن يفهم مريم المجدلية أنه إنما يدخل حالة جديدة حيث علاقاته فيما مضى ستكون
مصطبغة بصبغة روحانية وفي نصوص أخرى يتميز وقت الصعود عن وقت القيامة أكثر من
ذلك يعطي انطباعا ما بأن الصعود يحدث في مساء أحد الفصح، بعد محادثات متنوعة
ليسوع مع تلاميذه ولا نعلم كانت استغرقت يوماً واحداً أو أكثر وفي ختام
الأربعين يوماً التي حدثت خلالها ظهورات ولقاءات يترك يسوع ذويه ويصعد إلى
السماء فالصعود كما ترويه هذه النصوص الثلاثة يهدف بوضوح إلى إنهاء فترة
الظهورات وليس وصف دخول المسيح الأول في المجد بعد فترة متراوحة يتعذر تفسيرها
وإنما يرمي بالأحرى إلى بيان انطلاقه الأخير الذي يضع حدا نهائيا لظهوره على
الأرض وعدم التأكيد في تحديد هذه الفترة مرجعه ملابسات الحادث فعدد الأربعين
يوما قد تحدد في أعمال سن بالنسبة إلى الخمسين يوماً الخاصة بالعنصرة فلئن كان
يسوع يصعد إلى السماء نهائياً فلكي كان يرسل روحه إلى السماء ليحلّ محلّه من
بعد لدى التلاميذ وإن تنوع التليم في النصوص المقـدسة ليدعو إلى كشف جانبين في
هذا السر مترابطين ولكن متميزين فمن جهة تمجيد المسيح في السماء تمجيدا
متطابقا مع قيامته ومن جهة أخرى انطلاقه لأخرى بعد قترة ظهورات، انطلاقا وعودة
نحو الآب كان الرسل شهوداً لهما على جبل الزيتون، فتقرر الاحتفال بهما بنوع
خاص في العيد الطقسي للصعود إن أعمال 1: 9 هو النص الوحيد المعتمد الذي يصف
نوعاً ما ارتفاع يسوع إلى السماء وفي رقة تعبيره البسيط تأكيد لأنه لم يقصد به
تصوير دخول المسيح الأول إلى المجد إنه تصوير في غاية الاعتدال لم يكن ليتأثر
قط بصور الاحتفالات بتمجيد الأبطال الوثنيين مثل رومولس ومترا ولا حتى بسابقة
ارتفاع إيليا في الكتاب ولأن ورد ذكر السحابة المأثورة في حالات تجلي الله مع
كلام الملاك شرحاً للمشهد إلا أن النص ينأى عن وصف السر وصفا واقعياً غير لبق
على نحو ما سوف تختلق بعض الكتابات المنحولة و إما يقتصر على المعطيات
الضرورية لأداء المعنى إلا أن ذلك لا يعني أن هذا المشهد المحدّد مكان حدوثه
على وجه الدقة على جبل الزيتون لا يعتبر بمثابة تذكار تاريخي أو نوعاً من
الاختبار الحسي لعودة يسوع إلى الله منحه لتلاميذه القصد من تدوين هذه الرواية
ليس قطعا وصفاً لنصر قد تم فعلاً منذ لحظة القيامة بل تعليم بأن القائم من
الأموات بعد أن قضى فترة معيّنة في لقاءات ودية مع تلاميذ قد قطع حضوره الظاهر
في العالم على أن يعيده بالتالي آخر الأزمنة إن يسوع هذا الذي رفع عنكم سيعود
كما رأيتموه وهو ذاهباً إلى السماء وهذه العبارة الملائكية فضلاً عن كونها
تفسّر ملابسات الصعود، تقيم ارتباطاً عميقاً بين ارتفاع المسيح إلى السماء
وبين عودته ثانية في آخر الأزمنة ولما كان الناس ينتظرون هذه العودة فإن مقام
المسيح في السماء وهو نهائي في حدّ ذاته فيما يخصه إنما يظل مرحلة انتقالية
فيما يتعلق بتدبير الخلاص العام فهو يبقى محتجباً في البشر إلى حين ظهوره
الأخير عند التجديد الكلي الشامل حينذاك سيأتي كما انطلق نازلاً من السماء على
الغمام بينما يصعد مختاروه لملاقته هم أيضا على غمام مثلما ضل من قبل الشاهدان
ويرد باستمرار العرض الكوني عينه الملازم لمخيلتنا البشرية موجزاً في كل حال
إلى أقصى حد على أن ما نراه ثابتا ثبوتاً عميقاً استنتاجا من كل هذه المسائل
هو أن المسح بانتصاره على الموت قد أسس تدبيراً جديدا للحياة لدى الله فقد دخل
هو أولاً تلك الحياة ليعذ لمختاريه مكاناً ثم يأتي ويأخذهم إلى هناك ليكونوا
على الدوام معه إن على المسيحيين وهم في انتظار تلك الساعة أن يظلوا متحدين
بفضل الإيمان وأسرار الكنيسة بسيدهم الممجّد فهم منذ الآن وتد أقيموا قيامة من
الموت بل وجلسوا في السماوات معه يسعون للأمور التي في العلا لأن حياتهم الحق
محتجبة مع المسيح في الله ومدينتهم كائنة في السماوات والبيت السماوي الذي
ينتظرهم والذي يتطلعون إلى ارتدائه ما هو إلا المسيح الممجّد نفسه الإنسان
السماوي من هنا تنع روحانية الصعود متكاملة مؤسسة على الرجاء لأنها تجعل
المسيحي يحيا منذ الآن في حقيقة العالم الجديد الذي يملك المسيح فيه على أن
المسيحي ليس لذلك كل منسلخاً عن العالم القديم الذي لا يزال يضمه بل بالعكس له
رسالة وقدرة على أن يحيا فيه بطريقة جديدة تحرك العالم نحو تحول المجد الذي
يدعوه الله إليه أمين
اعداد الشماس سمير كاكوز
شاهد أيضاً
أهم المزارات الدينية المسيحية في هولندا
+ مقدمة: مملكة هولندا فيها كنائس مزارات وأديرى كثيرة وعديدة، تم بناءهُا منذ أنتشار …