أن هذا البيت قد شاهد أمجاداً وأفراحاً كما كان شاهداً للآم الشعب الكلداني ومحنه وكان رمزاً للسلطة البطريركية وهيبتها. وكان الناس يمرون من أمامه بأحترام ويعبرون أعتابه بأجلال لذا رايت ان أسرد في هذه الصفحات تاريخ هذا البيت العريق.
يظهر من الوثائق المتوفرة أن البطريرك نيقولاوس زيا قرر الأقامة في الموصل وأن يتخذ سكناه في محلة يكثر فيها التجمع الكلداني ليجد في وسطهم الراحة والأمان ويمارس وظيفته. فأختار تجمع القديسة مسكنتة لأنه أكثر كثافة من تجمع مار اشعيا في رأس الكور فأختار المحلة المعروفة بأسم “الدركاء” وأشترى ملكاً واسعاً وجعله نواة البطريركية. مرت سنوات قليلة وقدم البطريرك نيقولاوس أستقالته وفضل الأعتكاف في أرض آبائه. فترك الموصل ورحل.
فتسلم الرئاسة البطريركية يوسف السادس اودو سنة 1847 فأشترى بعض البيوت ووسع البطريركية لتتسع الزوار القادمين من الأبرشيات لمراجعة البطريرك في الموصل. وتوفى البطريرك يوسف السادس اودو سنة 1878 وخلفه على الكرسي البطريركي البطريرك ايليا الثاني عشر عبو اليونان وكان شاباً نشيطاً أبن أربعين سنة، لكن لسوء حظه أنه تسلم مقاليد الطائفة وهي منقسمة بين فئتين متناحرتين الواحدة تتدعى الدفاع عن الأصالة الشرقية والأستقلالية في القرار والأخرى تتدعى المحاماة عن الشرعية وهي المعضلة التي عرفت محلياً بأسم (الندايي واليباسي). وقرر في 29/7/1881 أن يقوم في أعمار البطريركية فهدم الغرف القديمة وأقام مدخلاً لائقاً للبطريركية وغرفاً للضيوف. ونقرأ على باب البطريركية باللغة العربية (بطريركخانة الكلدان الكاثوليك سنة 1882) وبالمعنى نفسه بالكلدانية وهذه بخط الخوري عبد الكريم نعامة.
في سنة 1887 تكرم الباب العالي فمنح البطريركية الكلدانية الطغراء الغراء فما أن بلغ الخبر الى الموصل حتى جمع البطريرك أعيان الطائفة وبلغهم الخبر وشرح لهم الحال وأن الدار البطريركية يجب أن تعد أعداداً لأئقاً لأستقبال هذه الهبة الهمايونية فتحمسوا وتبرعوا بالمال وكلف القس عبد الاحد معمار باشي ليهتم ببناء ديوان خاص لاستقبال الطغراء فقام بالمهمة على أحسن وجه. واوصى البطريرك كرسيين لائقين من نوع خشب الابنوس ودشنا في هذه الحفلة فأستعملهما البطريرك والوالي كما اشترى “اورطة” أي طنفسة او “زولية” طولها أحد عشر متراً وعرضها خمسة أمتار لفرشها في ديوان الطرة. أنتقل البطريرك ايليا الثاني عشر الى جوار ربه سنة 1894. وأنتخب البطريرك عبد يشوع الخامس خياط، فقام باصلاحات وتوسيعات في دار البطريركية.
ومن أهم أعماله الأخرى الجدير بالذكر أنه كتب الى وكيله في روما الأب شموئيل جميل وكلفه أن يطلب من احد الفنانين الأيطاليين رسم لوحة زيتية لعدد من البطاركة تزين الصالون الكبير “اودة الطرة” وهم يوحنا سولاقا عبد يشوع مارون، يوسف الثاني معروف، يوحنا هرمز، نيقولاوس زيا، يوسف اودو، ايليا عبو اليونان، واخيراً صورته (صورة البطريرك عبد يشوع الخامس خياط) فقام بهذا العمل سنة 1896 ثم اكملت اللوحات بعده بصور البطاركة الى يومنا هذا.
توفي البطريرك عبد يشوع الخامس خياط سنة 1899 ثم أنتخب البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني سنة 1900 فشيد غرفاً مقابل الصالون الكبير لسكنى المطارين والكهنة العاملين في القلاية وشيد في صدر البيت (اوتين بايوان) حسب الطراز الموصلي المعروف. دامت رئاسة هذا البطريرك فترة طويلة من 1900 الى سنة 1947 وعاصر الدولة العثمانية، الاحتلال البريطاني، واخيراً الحكم الوطني، وكان دبلوماسياً وادارياً. ثم نصب البطريرك يوسف السابع غنية 1947 – 1958 الذي استقر في بغداد فأصبحت البطريركية مقراً لمطران الكلدان بالموصل.
المصادر: (1) الأب الدكتور بطرس حداد، مجلة نجم المشرق العدد 13 سنة 1998 ص74-79.
الموسوعة الكلدانية – كتاب تاريخ الكلدان صفحة 166 – 167.
الناشر/ شامل يعقوب المختار