الكراهية تربك الحياة وتشلها وهل المحبة هي البديل، ماذا يوصينا الكتاب المقدس عنهما.

الكراهية: مشاعر انسحاب يصاحبها اشمئزاز شديد، ونفور وعداوة أو عدم تعاطف مع أشخاص او مجتمع ما أو حتى ظواهر معينة، تستخدم لفظة ” الكراهية ” للمبالغة في وصف شيء لا يتحمله شخص ما, مثل حالة طقس, وظيفة معينة وحتى رغبة في تجنب, عزل, نقل أو تدمير الشيء، ويمكن أن تبنى على الخوف من ماضي سلبي نتج عن التعامل مع موقف ما, وتستخدم كذلك لفظة الكراهية لوصف تعصب أو إدانة تجاه فئة أو طبقة من الناس أو أعضاء فيها, فالكراهية العنصرية والقومية والدينية والمذهبية والسياسية هي من اخطر أشكال هذه الكراهية ومن الممكن أن تسبب في تدمير كل البشر إذا استقرت وتحجرت في عقول الكارهين .
الكراهية أذا شعور بغيض يستنزف الشخص كثيرا، ويهدد الأعصاب ويقوده الى حالة دائمة بالغة التركيز من الازدراء، وهذا الشعور له العديد من الآثار، ولكي نعرف لماذا يشعر أحدا بالكراهية؟ فقدم لنا علم النفس الإجابة عن ذلك, فعلى الرغم من وجود خلاف حول الكراهية كشعور يتضح حين يختفي التعاطف الانساني في ظواهر، تبدا بلغة الجسد, كالوجه في حالة من الشعور بعدم الارتياح عند مقابلة من نكرههم, والشعور بالحسد وتلاشي الثقة والعدل في مقتنيات الحياة والاحتقار لأشخاص أقل شأنًا مما هم عليه, والكراهية ذات الطابع الاجتماعي، كالغضب في المجاورة لأشخاص في الاماكن العامة وأخرى، والتفكير بسلبيات بعض الاشخاص لا كفاءة لهم، والقلق وقلة الحيلة والعجز حين التعرض للإساءة، والقائمة تطول.
التعامل مع الكراهية عند عدم معرفتنا لأسبابها غاية في الصعوبة، وكثيرًا ما نسأل أنفسنا ما الذي يجعل أحدهم يحمل لنا الكراهية، او يشعرنا أحدًا بها، ذلك يؤثر سلبيًا على المزاج العام ويدخلنا الاستفهام والتعجب. بعد هده المقدمة ماذا يشعر القارء هل ان الكراهية متعلمة ويؤسس لها عند البعض ام…… الخ ؟ ومع ذلك سنكون منصفين في التوصيف المعنوي والروحي لها ونقول ان جميعنا يرغب في التعايش والتكيف مع التنوع الفكري والعقلي والثقافي في البيئة المحيطة بنا، رغم ان الكراهية في بعض الأحيان مزاجا كامنا غير معبر عنه في العلن او بسلوكيات مطابقة له كلغة للتخاطب مع الواقع ومع الآخرين, اذا كيف السبيل الى فهم منظومة من العوامل المتشابكة والمتداخلة, ابتداء من التنشئة الأولى و انتهاء بإشباع الحاجات المختلفة النفسية منها, و المادية والبيئية ومرورا بالنظام التربوي والاجتماعي وتحقيق العدالة وجميعها تؤدي الى دوافع لفعل سلوكي بنتائج غير متوقعة تحت مسمى الكراهية .
المحبة : تعتبر المحبّة من المواضيع المعقدة التي تناولها علم النفس بالبحث، فقدم لنا العدّيد من المفاهيم عنها رغم اختلافها، في اغلبها تشير الى مجموعة السلوك الذي يصحبه الاهتمام والتأثر والتعلّق والحاجة إليها والانجذاب، فضلا عن قيم الاحترام وتقديم المساعدة و شعور موجّه نحو دين او فكر او الله، وعلامات تلك المحبة تكون بدلالة السلوك المقصود والمحدد وبالاتجاه والتواصل بالحواس والمشاعر والاستمتاع بها وتخطي كل الصعوبات والتخطيط للمستقبل, فعندما نجد ثمارا مرغوبة للمحبة فسيكون هناك رد فعل مناسب من الانتباه والاعجاب.


تمثل المحبة الفعل اللامحدود و اللامشروط الذي يقوم به البشر في الفكر والعلاقة، وهي لا تمثل الحب البيولوجي بينهم, بل تدل على مكون معرفي و نفسي بعيدا العاطفة كما يفهم, و في الفلسفة والدين تشير الى علاقة العطاء الخالصة التي تجمع المؤمنين فيما بينهم, ونشير هنا الى ما أعطاه الرب من الاهتمام الكبير للمحبة, “مَنْ يَثْبُتْ فِي ٱلْمَحَبَّةِ يَثْبُتْ فِي ٱللّٰهِ وَٱللّٰهُ فِيهِ” (1يوحنا 4: 16), كمفتاح وحيد ومحرّر للإنسان في التواصل مع لله, من جهة، وأخرى فأن الله أظهر محبته للعالم بأنه قدم ابنه فداء للعالم “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” (يو 3: 16), وممارسة المحبة حتى مع الأعداء والتي هي في جوهر الايمان،”وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ،” (مت 5: 44) .
تأسيسا على ما تقدم يوصينا الكتاب المقدس الى ما يلي :

1- نبذ الكراهية و تبدأ من، “مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ، مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ، “كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ”(يوحنا الأولى 3،2: ،15،11،9).

2- “وجه قداسة البابا عظتاّ*حول (المحبة الحقيقية هي نعمة ‏مجانية) ومرحبا بالحضور القادمين من الشرق الأوسط، و مشيرا الى وصية الرب عن ‏المحبة.‏ ‏وانطلاقا من تحذير القديس بولس، في رسالته إلى أهل روما، عن المحبة التي تعاش بالرياء وتقوم على المنفعة والمصالح الشخصية، بقوله إن ‏المحبة المعاشة برياء هي أخطر من الكراهية. إنها أنانية متخفية، ترتدي قناع المحبة. المحبة الحقيقية، على ‏عكس ذلك، كما يعلمنا القديس بولس، ‏‏”تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ وَلاَ تَنْتَفِخُ وَلاَ تُقَبِّحُ وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا وَلاَ تَحْتَدُّ وَلاَ تَظُنُّ ‏السُّوء وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ ‏شَيْءٍ”(1 كور 13، 4-7) .
3- المحبة الحقيقية هي نعمة ‏مجانية،‏ نقبلها ‏من الله لنمنحها بدورنا للآخرين. فالله الذي يطلب منا أن نحب هو الذي يمنحنا القوة كي نصير ‏بدورنا أداة لمحبته ‏بين البشر. وهذا يحدث عندما نسمح للمسيح القائم من بين الأموات أن يطهرنا من الخطيئة ‏ويشفينا من‏‎‎ الأنانية لذا ‏فإننا‎‎ بحاجة إلى أن تتجدد هذه العطية فينا، حتى نكون قادرين ‏على‎‎محبة الآخرين كما يحبهم ‏الله. وأختتم البابا مؤكدا على أن المحبة هي تلك التي نعيشها ‏بفرح،‏ ومجانية وبلا رياء أو زيف”.
4- عزيزي القارئ نقيض المحبة يوجد البغضة والكراهية. وقد تتسبب في ارتكاب الشماتة والفرح بالإثم “لا تفرح بسقوط عدوك، ولا يبتهج قلبك إذا عثر” (أم 24: 17). فما أسوأ الكراهية، فهي تعمي الإنسان وتجعله يتصرف بطريقة شريرة جداً، ومن نتائج نقص المحبة الغضب،”اَ تُسْرِعْ بِرُوحِكَ إِلَى ٱلْغَضَبِ، لأَنَّ ٱلْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي حضْنِ ٱلْجُهَّالِ” (جامعة ٧: ٩)، والحقد والضن ومن يسيء الظن بغيره يحكم على نفسه بنفس المعاملة من غيره، “ٱلْفَاعِلُ ٱلشَّرَّ يُصْغِي إِلَى شَفَةِ ٱلإِثْمِ، وَٱلْكَاذِبُ يَأْذَنُ لِلِسَانِ فَسَادٍ» (أمثال ١٧: ٤).
5- وعلى كل من يرجم الآخرين بالأحجار أن يتذكر أن بيته من زجاج! وقد يتطور الأمر إلى القتل، والإدانة والتشهير وإشاعة المذمة، والحسد والكبرياء والتعالي، وعدم الاحتمال، والقسوة، والإهمال في أداء العمل والابتعاد عن الكنيسة، او الشعور بوجودها “لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. وإن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوه الجسد، وشهوة العين، وتعظم المعيشة” (1يو 15: 16).
6- ليكن منهجنا القادم من الان في الحياة المحبة ونحتاج ان نلتزم بها هي : “أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ ٱلْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ ٱللّٰهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ ٱللّٰهِ وَيَعْرِفُ ٱللّٰهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ ٱللّٰهَ، لأَنَّ ٱللّٰهَ مَحَبَّةٌ. بِهٰذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ فِينَا: أَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ. فِي هٰذَا هِيَ ٱلْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا ٱللّٰهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ٱبْنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا. أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ ٱللّٰهُ قَدْ أَحَبَّنَا هٰكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضاً أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً» (1يوحنا 4: 7-11).
لنطلب من الاب القدير ونقول هبنا يا أبانا السماوي الحكمة لنرى محبتك لنا التي لم تسقط أبداً – لقد أحببتنا ونحن في خطايانا ولا تزالُ تمنحنا الوقت للتوبة, أعطنا أن نحب الجميع, بمن فيهم المسيئين إلينا حبّاً لا يسقط أبداً, بل يتابع المسيرة، ويثبتنا في نعمة الايمان والرجاء بكلمة الله المدوَّنة في الكتاب المقدس ويسر لنا تداول نعمة المحبة, واجعلنا واثقين بقدرتنا على هزيمة الكراهية والشر في باسم المسيح. آمين……… الى الرب نطلب

د. طلال كيلانو

====================================================

*ملخص عن تعليم قداسة البابا فرنسيس في أثناء المقابلة العامة مع المؤمنين مارس 15/ 2017

عن د. طلال فرج كيلانو

شاهد أيضاً

الكنعانيون

سفر تثنية الاشتراع 23 / 13 – 14 وليكن لك خلاء خارج المخيم تخرج إليها …