لماذا “العين” ذكرت في الكتاب المقدس..

وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ”* كيف تم تفسير هذه الإشكالية*
الحَواسّ: هي نظام الإدراك لدى الكائنات الحية وتعمل على المساعدة في التعرف على ما يحيط بها في البيئة، وتصف لهم أهمية ما يدرك في المجال المعرفي أو السلوكي، إذا فلسفة الإدراك تبنى بموجب ذلك ويبلغ عددها اكثر من (11 ) الحواس الاساسية خمسة ولأخرى تعمل موازية لها وفقا لعمليات عقلية عليا وبمحفزات خارجية وبمشاعر داخلية، كالألم، والتوازن، إدراك الحركة (بتسارع الأشياء)، الشعور بالوقت والشعور بالاتجاه” وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ”(العبرانيين 5: 14) العين: التأثير النفسي لها ودورها في التواصل مهم في العلاقات الإنسانية، فنظرة العين هي الأساس الذي يبني الثقة، فصاحب النظرة الواثقة يحظى عادة بإعجاب المحيطين به، والبرمجة العصبية لحركات العين تعد من طرق الاتصال فمن خلالها نفهم ونتعرف على كيفية التفكير ونكتشف صدقه أم….الخ، والعين ترى الموجودات وتميز الألوان والأشكال و النور والظلام، والبصر هو المعيار بين القدرة على الرؤية وجودتها، والرؤية والبصر يمنحان الدماغ القدرة على تفسير الصورة، إذا “سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَمَتَى كَانَتْ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلِمًا، اُنْظُرْ إِذًا لِئَلاَّ..”( مت 23،22:6، لو35،34:11).

الكحل: ذكر في العهد القديم، وكان من مادة الجالينا (كبريتيد الرصاص)، وهي ذات لون رمادي أزرق ولها بريق معدني، كما وعرفه الرومان (من ثالث كبريتيد الأنتيمون)، وهو مادة ذات لون رمادي رصاصي لها بريق معدني. وذكر الكحل بين ما أرسله الملك حزقيا ملك يهوذا، جزية إلى سنحاريب ملك أشور، وكان من بين المواد التي هيأها الملك داود لابنه سليمان لبناء الهيكل “حجارة كحلاء”(1أخ2:28). أي شديدة السواد. فكان الكحل يستخدم لإبراز جمال عيون المرأة وقد وجد الكثير من المكاحل في مقابر قدماء المصريين وغيرهم، ويأمر الرب الرسول يوحنا أن يكتب إلى ملاك كنيسة اللاودكيين: “كحل عينيك بكحل لكي تبصر” (رؤ18:3). وكانت لاودكية تشتهر بصناعة الكحل، فكان يسمى “مسحوق فريجيه”. وكان يستخدم لتجميل العيون، ووقايتها ولتقوية النظر. وكان الرب قد قال لملاك كنيسة اللاودكيين: “لأَنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ”(رؤ17:3)، فقد كان المؤمنون هناك عميانًا روحيًا في حاجة إلى أن تستنير أذهانهم بعمل الروح القدس.

كيف فسر لنا الكتاب المقدس إشكالية العين وعلاقتها بالكحل…….؟ رمزية العين في الكتاب المقدس تشبر الى عمل معرفي عقلي بمعنى اننا من خلالها نستعين بمخزون الذاكرة لإعادة استخدام ما قدمته لنا العين من تعلم وفقا للموقف وتجاوز الفهم المباشر للمعاني المقصودة والذهاب الى المعاني العقلة للمحتوى ودلالاته لحين حدوث الاستجابة ومثال ذلك، فَقَالَ الرب: “انْظُرُوا! لاَ تَضِلُّوا. فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ! وَالزَّمَانُ قَدْ قَرُبَ! فَلاَ تَذْهَبُوا وَرَاءَهُمْ، بِصَبْرِكُمُ اقْتَنُوا أَنْفُسَكُمْ، وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابَةٍ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ، وَمَتَى ابْتَدَأَتْ هذِهِ تَكُونُ، فَانْتَصِبُوا وَارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ لأَنَّ نَجَاتَكُمْ تَقْتَرِبُ، وَقَالَ لَهُمْ مَثَلًا: اُنْظُرُوا إِلَى شَجَرَةِ التِّينِ وَكُلِّ الأَشْجَارِ، مَتَى أَفْرَخَتْ تَنْظُرُونَ وَتَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّ الصَّيْفَ قَدْ قَرُبَ، هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذِهِ الأَشْيَاءَ صَائِرَةً، فَاعْلَمُوا أَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ قَرِيبٌ”( لو31،27،19،8:21)، كل ما تقدم أعلاه يحتاج الى عمليات عقلية في الخزن والاسترجاع.

وقدم لنا الكتاب المقدس وصفا للعين وسلوكها في نقل الخبرة الروحية وكما التالي:

العيون المفتوحة فكان داود النبي يصلي: “اكشِفْ عن عَينَيَّ” (مز119: 18)، ويصف حالنا “عَينايَ دائمًا إلَى الرَّبِّ” (مز25: 15)، وهكذا طلب الأعميان من الرب يسوع عندما سألهما: “ماذا تُريدانِ أنْ أفعَلَ بكُما، قالا لهُ: يا سيِّدُ، أنْ تنفَتِحَ أعيُنُنا!” (مت20: 32، 33).كان توبيخ الرب للتلاميذ لم يسهروا معه وكم أوصي بتعاليمه عن السهر: “اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ”(مت 26: 41) فالسهر عين المؤمن المفتوحة ضروري جداً لأن الاستسلام للنوم الروحي ينتج عنه الخطر للنفس بسبب وجود العدو المتربص. لهذا نجد الرسول بطرس يقول، “اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ.” (1 بط 5: 8)، ” لاَ تُعْطِ عَيْنَيْكَ نَوْمًا، وَلاَ أَجْفَانَكَ نُعَاسًا. نَجِّ نَفْسَكَ كَالظَّبْيِ مِنَ الْيَدِ، كَالْعُصْفُورِ مِنْ يَدِ الصَّيَّادِ”. (أمثال5،4:6)، العين يجب أن تكون ساهرة بكل يقظة، مستعدة ومنتظرة، “طُوبَى لأُولَئِكَ الْعَبِيدِ الَّذِينَ إِذَا جَاءَ سَيِّدُهُمْ يَجِدُهُمْ سَاهِرِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَتَمَنْطَقُ وَيُتْكِئُهُمْ وَيَتَقَدَّمُ وَيَخْدُمُهُمْ.” (لو 12: 37).

العيون المتضعة فهوذا الرب يتحدث إلى عروس النشيد قائلًا: “حَوِّلي عَنّي عَينَيكِ فإنَّهُما قد غَلَبَتاني” (نش6: 5)، لأنهما كانتا مثل عيني الأَمَة إلى يدي سيدتها.

العيون المتعالية فلا يمكنها أن تعاين الرب فهي تنقاد وراء شهواتها الشخصية.. فحواء ومن بعدها آدم فقدا إمكانية رؤيتهم للرب لأنهما اهتما بشهواتهما الخاصة، والانشغال بخطايا الآخرين وإدانة الناس.. فها هو الرب يسوع يعلم الجموع “يا مُرائي، أخرِجْ أوَّلًا الخَشَبَةَ مِنْ عَينِكَ، وحينَئذٍ تُبصِرُ جَيِّدًا أنْ تُخرِجَ القَذَى مِنْ عَينِ أخيكَ!” العيون الباكية مثل هذه العين نراها في بطرس الذي بكت على خطية إنكاره للسيد وتقدم بدموع التوبة “فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ الَّذِي قَالَ لَهُ: إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا.” (مت 26: 75)، ونراها في تلك المرأة الخاطئة التي أتت إلى الرب يسوع، “وَإِذَا امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ، وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ، فَابْتَدَأَ الْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: مَنْ هذَا الَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضًا فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ” ( لو50،48،38،37:7)، وأن تكون العين في الجسد عيناً باكية، تعني تقديم دموع التوبة والاعتراف للرب بكل هفوة وزلة لكي يمحو الرب الآثام والذنوب حسب وعده القائل، “أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا”(اشعيا25:43) فهل نلت هذه المغفرة والسلام أيها القارئ لكي تصبح عضواً حياً في جسد المسيح.


رمزية الكحل في الكتاب المقدس هي صورة لمفعول العلاج الروحي الشافي ويسري مفعوله فقط من خلال الرب يسوع هو يزودنا به،” لاَ تَكُنْ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ. اتَّقِ الرَّبَّ وَابْعُدْ عَنِ الشَّرِّ، (امثال ٣: 7)، وهذا الكحل الروحي، يجدد الانتعاش وبوجود الروح القدس وليس الكحل الأسود الذي يستعمله الناس من أجل الغواية والتجميل الخارجي. فكحل روح الله هو الذي تكحلت به عين استفانوس حينما امتلأ منه وبه تمكن من رؤية مجد الله ورؤية يسوع قائماً عن يمين الآب “وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، فَقَالَ هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ”. (أعمال 55:7)، أن تكون عين المؤمنين في جسد المسيح مكحلة لكي ترى جلياً، وليكن الكحل الذي يعطيه الرب، كما وصفه الملاك كنيسة الّلاَوُدِكِيِّينَ، “وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ” (رؤ18:3).
أحبائي …. لقد أنعم الله علينا بالحواس والعين احداها التي بدونها نفقد حيوية الحياة، وحواسنا تختلف عن أي كائن حيّ آخر، لأن الله قد خصنا بإرادة وتوجيه الحواس واستخدامها، إذ منها يدخل الموت الروحي للإنسان، وبها نحتفظ بعلاقتنا مع الله وفي عفة الحواس التي ستكون أداة لتمجيد الرب، وأن تكون اعيننا في الجسد الذي للرب مفتوحة على الدوام ليس لترى الأشياء في الدنيا، إنما لترتفع بنظراتها إلى الأعالي لكي ترى القوة الإلهية الحافظة للنفس وتحيط بها……..
د. طلال كيلانو


**”أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي ذَهَبًا مُصَفًّى بِالنَّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُخِزْيُ عُرْيَتِكَ، وَكَحِّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ، إِنِّي كُلُّ مَنْ أُحِبُّهُ أُوَبِّخُهُ وَأُؤَدِّبُهُ فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ، هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ (رؤ18:3)

**الإشكالية تُعرف بأنّها سؤالٌ علميٌّ يحتاجُ لمعالجة، في نصٌّ مختصر تتمّ صياغته على شكل سؤالٍ يحتوي على مشكلة بحثيّة، او ان يكون بين مجموعة علاقات قائمة بين أحداث وفاعلين ومكونات

عن د. طلال فرج كيلانو

شاهد أيضاً

قراءات عيد مريم العذراء المحبول بها بلا دنس

الحكمة والشريعة سفر يشوع بن سيراخ 24 : 1 – 32 الحكمة تمدح نفسها وتفتخر …