“أَيُّهَا ٱلْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ”….كيف السبيل الى الاعتناء بصحتنا النفسية ونحن في زمن الوباء covid19

“فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ: «لَا يَحْتَاجُ ٱلْأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ، بَلِ ٱلْمَرْضَى”(مَتَّ ٩: ١٢)

دراسة الصحة النفسيّة تؤدي الى معرفة مدى الانسجام والتوافق النفسي والاجتماعي لدى الافراد، وقدرتهم على الإنتاج والسعادة والعطاء الوجداني والانفعالي، وفي تقديم الاستجابة بحسب الموقف، هذا لا يمكن قياسه بالدقة المتعارف عليها وذلك بسبب اختلاف البشر في انتاج السلوك المناسب مع المواقف المحيطة وسرعة الاستجابة لها، بمعنى اننا جميعا نقدم أنواعا من السلوك الذي ربما تعلمناه خلال الخبرات المتراكمة لتصحيح الأخطاء بحسب المشكلات والمواقف التي تواجهنا، لذلك اختلفت مفاهيم الصحة النفسيّة باختلاف المجتمعات وثقافتها وقواعد السلوك التي اقر المجتمع بعضها، يضاف الى ذلك اختلاف المعتقدات والأعراف الاجتماعية والتربوية والاقتصادية والسياسية التي يتبناها، وبناء على ذلك فان حالة الفرد السائدة والتي يكون فيها متوافقا مع ما تقدم، بالإضافة إلى شعوره بالسعادة مع الذات والآخرين، وبالتالي فان القدرة على تحقيق وتقدير واستغلال المهارات والكفاءات بأقصى حد ممكن، هذه هي أبرز مقومات الصحة النفسية والتي تعد سمة إيجابية نتمتع بها جميعنا.

تعد الصحة النفسية جزء أساسي من الصحة العامة للأفراد، ونعني بذلك حالة من التكامل والسلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، ونتيجة لهذا التكامل سيكون هناك اختيار سليم لأساليب معالجة المشكلات الاجتماعية التي قد تؤثر في سلامة عملية النمو العام والنفسي للفرد بمراحله المختلفة، ومن أهمّ ما يظهر من ثمار الصحة النفسية على الافراد في جميع جوانب الشخصية الاجتماعية والتفاعلية هي:

التوازن والنضج الانفعالي: حيث يكون الفرد قادراً على الاتزان في الاستجابات والانفعالات تجاه المثيرات المختلفة، والقدرة على مواجهة الضغوط والتغلب عليها، بالإضافة إلى القدرة على التعبير عن الانفعالات بطريقة واضحة وناضجة بعيداً عن المبالغة.

الدافعية: والدافعية هي المحفّز الداخليّ الذي يدفع الفرد إلى الإنجازات المختلفة والسعي الداخلي الدائم لتوجيه القدرات والإمكانات لتحقيق الأهداف.

الشعور بالسعادة: وهي من أبرز مظاهر الصحة النفسية نظراً للاستقرار النفسي والأمان والطمأنينة الداخلية.

التوافق النفسي: وهو عبارة عن التقبّل الداخلي للذات وقدراتها وإمكاناتها، والقدرة على الحصول على الدرجة اللازمة من الإشباع للحاجات في البيئة ومراعاة المتغيرات المحيطة من خلال ما يأتي:

1- قدرة الأفراد ذكور واناث من التكيّف مع أنواع الإجهاد والعمل بتفان وفعالية والإسهام في نشاطات المجتمع والتفاعل معه، وكسب لقمة العيش والتمتع بالحياة، ويضاف الى ذلك امتلاك الإنسان شخصية سوية، تساعده على التعامل مع الأحداث والمواقف تقديم سلوك مناسب فالشخصية المتكاملة أكثر فاعلية وإنتاجية.

2- توفر الإجراءات والطرق التي يتّبعها الأفراد في إيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتهم، تمنح القدرة على التعامل مع البيئة المحيطة بهم، وتغليب حُكم العقل على الانفعالات التي هي نتيجة لتأثّير العوامل التي تدفع للغضب، أو القلق، أو غيرها، ويضاف الى ذلك إعادة والتوازن الانفعالي عند الوقوع تحت الضغوط الحياتيّة المختلفة، والتغلب عليها، وتحمل المسؤوليات دون الهرب والانسحاب.

3- تمنح الاستقرار الذاتي للأفراد، فتكون حياتهم خالية من التوترات والمخاوف والشعور الدائم نسبياً بالهدوء يعني مساعدتنا على الاسترخاء قدر الإمكان في الحياة، فضلا عن السكينة والأمان الذاتي، وتمنح السيطرة وضبط العواطف والانفعالات والرغبات، وتوجيه السلوك بشكل سليم بعيداً عن الاستجابات غير السويّة، وتحولها الى سلوكياته سليمة ومرضية لمن حولنا.

4- تدفع الى الاهتمام بتلبية الحاجات البيولوجية الأساسية من طعام، وشراب، ونوم، وراحة.

5- تدعونا الى الاهتمام بالمظهر العام والمحافظة على النظافة الشخصية والمظهر الأنيق فضلا عن تحديد اهداف واضحة للحياة والسعي المستمر والدؤوب لتحقيقها.

مفاهيم تم رصدها في زمن الوباء covid19تؤثر في الصحة النفسية:

1- الإحباط frustration: ينشأ عند مواجهة الفرد لعائق يحول دون إشباع دوافعه أو حاجاته أو تحقيق أهدافه ليتحول الى شعور نفسي سيئ يلازمه نتيجة الفشل أو تكرار الفشل في مختلف مجالات الحياة ويؤدي الى عجز في تحقيق الرغبات النفسية أو الاجتماعية، وقد ويؤسس لصراع نفسي يعيشه الفرد وخصوصاً عندما يجد معيقات متنوعة أثناء قيامه بعمله، أو تحقيق الأهداف الخاصة بهِ، ويزول الشعور بالإحباط عند زوال العوامل التي ينتج عنها.

2- العدائية Aggressive: يبدو لنا أن العدائية سلوك يمثل عدوان من النوع الاندفاعي بهدف إلحاق الضرر بالنفس وبالأخرين، هذا يعني انه عدوان تفاعلي يتكون من مزيج من التفاعل البيولوجي والبيئي، هذا من جانب والأخر هو ما تمثله هذه الشخصية الحادة التي تميل إلى التعامل بطرق مضطربة في الحياة اليومية، وتأتي بسلوك يهدد المحيطين بها، من خلال المهاجمة او بتوجيه الكلام، أو الإيذاء الجسدي.

3- القلق anxiety: حالة نفسية وفسيولوجية مركبة العناصر في الإدراك والسلوك لخلق شعور غير سار يرتبط عادة بعدم الارتياح والخوف أو التردد، ويضاف الى ذلك الحالة المزاجية الموجهة نحو المستقبل في محاولة التعامل مع أحداث متوقعة سلبية قادمة مما يوحي بأن ذلك هو التمييز بين الأخطار المستقبلية مقابل الأخطار الحالية والذي يساعدنا في معرفة الفرق بين القلق والخوف، أذا كل ما تقدم يشير الى حالة انفعالية تؤثر على الإنسان؛ بسبب انتظاره لشيء معين سيحدث ، أو الخوف من شيء ما، ويزول الشعور بالقلق عند زوال الأسباب المؤدية له.

4- الاكتئاب depression: اضطراب يسبب شعورًا دائمًا بالحزن وفقدان الاهتمام، وهو يؤثر على الشعور والتفكير والسلوك ويمكن أن يؤدي إلى مجموعة متنوعة من المشاكل العاطفية والجسدية. وقد يصاحب ذلك صعوبة في القيام بالأنشطة اليومية العادية، وأحيانًا شعور كما لو أن الحياة لا تستحق العيش.

ملاحظة مهمة جدا هي ان تواجد الكثير من المفاهيم أعلاه في زمن انتشار الوباء ولها من الأعراض التي لا بد من مراقبتها جيداً، من أهمها زيادة الانعزال والانسحاب الاجتماعي والشعور بالحزن، والإفراط في استرجاع ذكريات الماضي، وزيادة التفكير المُشوش وضعف القدرة على التركيز، والنوم المُتقطع، وفرط الشهية العصبي وبعض الهلاوس السمعية والعصبية، وتغيير حاد في الحالة المزاجية مع متلازمة القلق وفوبيا من المُستقبل، وقلة النشاط الاجتماعي، وزيادة الشعور بالذنب، واضطرابات معوية والقلق حيال تفاقم المشكلات الصحية المزمنة، والغضب وتغير المزاج.

لنتعرف الان على بعض المؤشرات الشائعة للإحباط والعدائية والقلق والاكتاب:

اعتمدت بلدان العالم مذ الإعلان عن انتشار الوباء في 2020 تدابير وقائية متعددة الجوانب والأغراض، ونحن الان وبعد مرور اكثر من عام ونصف على هذا الوباء على الرغم من ان بعض الدول سعت التخفيف تلك التدابير فلازالت اغلب بلدان العالم مستمرة بنفس التدابير الاحترازية لحماية رعاياها وفي تقييد تنقّل الأشخاص في إطار الجهود التي تؤدي إلى خفض عدد المصابين بمرض كوفيد-19، لذلك اخذ الكثير من البشر التدابير الشخصية الازمة لتغيير بعض من عاداتهم اليومية في سبيل الى التكيف والتأقلم مع الواقع الجديد الذي فرضه الوباء والمتمثل في العمل عن بعد والبطالة المؤقتة وتعليم الأطفال في المنزل وغياب الاتصال المباشر مع الأفراد والأسر والآخرين والأصدقاء.

إن التكيّف مع هذه التغيرات في نمط الحياة، وكيفية إدارة مشاعر الخوف من الإصابة بالعدوى الفيروسية، والشعور بالقلق المستمر إزاء الأقرباء المعرضين للخطر بشكل خاص تمثل تحديًا لنا جميعًا. وقد تكون هذه الظروف صعبة بالنسبة للأشخاص المصابين بالاضطرابات النفسية.

من النشاطات التي يمكننا القيام بها للاعتناء بصحتنا النفسية ونحن في خضم الازمة الصحية كما وردت في الكتاب المقدس:

تجنب الإصابة بالمرض دفع الكثيرين الى العناية بالصحة النفسية والعاطفية بشكل أفضل في زمن الوباء عملا بما يقدم لنا الكتاب المقدس من تعليم، “أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلَّذِي فِيكُمُ، ٱلَّذِي لَكُمْ مِنَ ٱللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ؟ لِأَنَّكُمْ قَدِ ٱشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا ٱللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ ٱلَّتِي هِيَ لِلهِ”(1كُورِ ٦: ١٩-٢٠) “وَتَعْبُدُونَ ٱلرَّبَّ إِلَهَكُمْ، فَيُبَارِكُ خُبْزَكَ وَمَاءَكَ، وَأُزِيلُ ٱلْمَرَضَ مِنْ بَيْنِكُمْ”(خروج ٢٣: ٢٥).

وهذا يؤدي الى اننا جميعا نحتاج إلى مزيد من التأهيل والدعم والرعاية النفسية وكما يلي:

1- نحن مطالبين بالحفاظ على العادات اليومية التي كنا نمارسها بأقصى قدر ممكن، وربما الى اكتساب عادات يومية جديدة تؤهلنا نفسيا في قبول المواجهة التي فرضت علينا نتيجة لانتشار الفيروس. “وَٱللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ ٱكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ”(2كُور ٩: ٨)

2- التعوّد اليومي على الاستيقاظ الصباحي المبكر والذهاب إلى السرير في نفس الأوقات يوميا، فضلا عن حافظ على نظافة الشخصية، “وَفِي الصُّبْحِ بَاكِرًا جِدًّا قَامَ وَخَرَجَ وَمَضَى إِلَى مَوْضِعٍ خَلاَءٍ، وَكَانَ يُصَلِّي هُنَاكَ، (مر 1: 35)، “إِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ، أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا” ( روم 13: 11)، “فَإِذْ لَنَا هذِهِ الْمَوَاعِيدُ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ.” (2 كو 7: 1).

3- تناول وجبات الطعام المناسبة والصحية في أوقات منتظمة، “إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْلٍ يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلْأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا”(تَّكْ ١: ٢٩)، ” فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَٱفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ ٱللهِ”(1كُورِ ١٠: ٣١), ونخصص بعض الوقت لممارسة الرياضة بانتظام ويومية بسيطة نقوم بها في المنزل عندما تكون في الحجر الصحي حتى نتمكن من الحفاظ على قدرتنا على الحركة، ومن حسن القول ان الرياضة وردت في الكتاب المقدس، “لِأَنَّ ٱلرِّيَاضَةَ ٱلْجَسَدِيَّةَ نَافِعَةٌ لِقَلِيلٍ، وَلَكِنَّ ٱلتَّقْوَى نَافِعَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، إِذْ لَهَا مَوْعِدُ ٱلْحَيَاةِ ٱلْحَاضِرَةِ وَٱلْعَتِيدَةِ”(1تِيمُ ٤: ٨).

4- نخصّص وقتًا للعمل ووقتًا للراحة، بالإضافة الى تخصّيص وقتًا للقيام بالأعمال المحببة، “وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَهِنَا عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْ عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْهُ”(مَزَ ٩٠: ١٧)، “وَتَعْبُدُونَ ٱلرَّبَّ إِلَهَكُمْ، فَيُبَارِكُ خُبْزَكَ وَمَاءَكَ، وَأُزِيلُ ٱلْمَرَضَ مِنْ بَيْنِكُمْ”(خُرُ ٢٣: ٢٥).

5- الحرص على الاطّلاع على آخر المستجدات، والنصائح والتوصيات الوطنية والمحلية وكذلك الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، ومتابع القنوات الإخبارية الموثوقة على وسائل التواصل الاجتماعي، والابتعاد عن متابعة الأخبار التي تثير القلق أو التوتر عند مشاهدتها أو قراءتها أو سماعها، فضلا عن البحث عن أحدث المعلومات حول العالم، “اَلْكَلَامُ ٱلْحَسَنُ شَهْدُ عَسَلٍ، حُلْوٌ لِلنَّفْسِ وَشِفَاءٌ لِلْعِظَام”(أَمْ ١٦: ٢٤ ).

6- التواصل الاجتماعي مهمّ جدا ونحن في زمن الوباء، وعلى وجه الخصوص إذا كانت التنقّلات مقيّدة، فضلا عن التواصل بانتظام مع الأشخاص المقربين سواء كان ذلك عن طريق الهاتف وقنوات الإنترنت ٱلْقَلْبُ ٱلْفَرْحَانُ يُطَيِّبُ ٱلْجِسْمَ، وَٱلرُّوحُ ٱلْمُنْسَحِقَةُ تُجَفِّفُ ٱلْعَظْمَ”(أَمْ ١٧: ٢٢).

7- تجنّب تعاطي المذهبات العقلية كوسيلة للتصدي للخوف والقلق والملل والعزلة الاجتماعية، “فَاحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ الْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ بَغْتَةً” (لو 21: 34)،”اِسْمَعْ أَنْتَ يَا ابْنِي، وَكُنْ حَكِيمًا، وَأَرْشِدْ قَلْبَكَ فِي الطَّرِيقِ، لاَ تَكُنْ بَيْنَ شِرِّيبِي الْخَمْرِ، بَيْنَ الْمُتْلِفِينَ أَجْسَادَهُمْ،” (أم 23: 19، 20)، ليس هناك أي دليل على أن تناولها يقي من الإصابة بالعدوى الفيروسية أو غيرها من أنواع العدوى، وفي الواقع فالعكس صحيح لأن تعاطي المذهبات العقلية بزيد من خطر الإصابة بالعدوى وتدنّي نتائج العلاج.

8- يعد الخوف رد فعل طبيعياً في حالات عدم اليقين. غير أن التعبير عن الخوف قد يتخذ أشكالاً مسيئة للغير في بعض الأحيان. تمارس التمييز ضد الأشخاص بسبب خوفك من انتشار مرض كوفيد-19، تمارس التمييز ضد الأشخاص الذين تعتقد أنهم مصابون بفيروس كورونا، “لِأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ ٱلْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، ٱلْقَائِلُ لَكَ: لَا تَخَفْ. أَنَا أُعِينُكَ”(إِشَ ٤١: ١٣)، “اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلَاصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ ٱلرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ”(مَزَ ٢٧: ١) “وَلَكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ ٱلْبِر، فَطُوبَاكُمْ وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلَا تَخَافُوهُ وَلَا تَضْطَرِبُوا”(1بُط ٣: ١٤)

9- الحصول على مساعدة عملية عند الحاجة، مثل طلب سيارة أجرة أو طلب إحضار الطعام أو التماس الرعاية الطبية وتأكد من أن يكون الإمداد لمدة مناسبة للأدوية والمستحضرات الطبية المعتادة، أوطلب الدعم من أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو الجيران عند الحاجة، “لَا تَكُنْ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ ٱتَّقِ ٱلرَّبَّ وَٱبْعُدْ عَنِ ٱلشَّرِّ، فَيَكُونَ شِفَاءً لِسُرَّتِكَ وَسَقَاءً لِعِظَامِكَ”(أَمْ ٣: ٧-٨) “يَشْفِي ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ وَيَجْبُرُ كَسْرَهُمْ”(مَزَ ١٤٧: ٣ ).

وفي الختام ما هي الدروس المستفادة من العناية بالصحة النفسية خلال تفشي الوباء covid19:

الثقة التفاؤل بما قدمه الله لنا من قدرة في أجسادنا على التحمل حال تعرضنا لأزمات صحية وهذا يشير الى اننا جميعنا مدعون الى المبادرة الى تعزيز الصحة البدنية والنفسية، لأن التشاؤم والاستسلام لواقع الامراض يؤدي الى زيادة الأمر سوءا وهذا يؤكد لنا ان هناك دروسا مستفادة وكما يلي:

1- البشر أصبحوا أكثر اهتماما بصحتهم من خلال تعقيم أيديهم والحرص على ترك مسافات فيما بينهم وتناول أطعمة على أغلب أنها صحية هذا الأمر يعني الاهتمام بجهازنا المناعي الذي كان المستفيد الأكبر من الإجراءات التي تم اتخاذها، وأن نمنح أجسادنا ثقة أكبر، “وَتَعْبُدُونَ الرَّبَّ إِلهَكُمْ، فَيُبَارِكُ خُبْزَكَ وَمَاءَكَ، وَأُزِيلُ الْمَرَضَ مِنْ بَيْنِكُمْ” (خر 23: 25)، “وَلَا يَقُولُ سَاكِنٌ:‏ «أَنَا مَرِيضٌ».‏ أ اَلشَّعْبُ ٱلسَّاكِنُ فِيهَا يُعْفَى عَنْهُ ٱلذَّنْبُ”(اش ٣٣‏‏:‏٢٤) “يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئًا مُمِيتًا لاَ يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ”(مر 16: 18).

2- جميع أنواع الفيروسات ملازمة لنا وباقية وكورونا تحديدا، وإذا وجدت مأوى في اجسادنا فهي ستبقى بالتأكيد، ويكفي أن نعلم أن الأرض تضم أكثر من 320 ألف نوع مختلف من الفيروسات فضلا عن أن لا وجود لقاحات الا لعدد قليل من تلك الفيروسات، إذن كيف حمينا أنفسنا من هذا الكم الهائل من الفيروسات طوال هذه الفترة فكان الجهاز المناعي. فخلال آلاف السنين التي لم تكن اللقاحات معروفة فيها، اعتمد الإنسان على قدرات جهازه المناعي الذي نجح نجاحا باهرا، “الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ”(مز 103: 3)

3- الاهتمام بمن حولنا: لطالما كانت اهتمامات معظم البشر منصبة على أعمالهم وحياتهم الشخصية، وكثيرا ما تحجج البعض بانشغاله هو الذي يمنعه من التواصل، اليوم بدأنا نلحظ كم نسعد عندما يرن الهاتف ليسأل أحد الأشخاص عنا، أدركنا أهمية العلاقات الإنسانية التي تربط الناس بعضهم ببعض، وبالتالي فلنتعلم الدرس ونبدأ بالسؤال عن الآخرين فلربما يؤدي اهتمامنا بهم إلى تقوية مناعتهم، كون المناعة تقوى مع المشاعر الإيجابية التي يشعر بها المرء.

4- شكل تفشي فيروس كورونا المستجد تحدياً أمام أنظمة الرعاية الصحية على مستوى العالم. فاعتباراً من 8 شباط/فبراير 2020، سجلت حالات إصابة في 219 بلداً. وفي البدء تبين للجهات الصحية والمجتمعية ان السيطرة نسبياً على عدد الإصابات المسجلة يومياً وحالات الإصابة التي تتطلب الدخول إلى المستشفى كبير جدا مما يستدعي اتخاذ تدابير سريعة للحد من انتشار الفيروس.

5- سيتعافى معظم المصابين بهذا المرض بدون آثار جانبية في اغلب الاحيان، ولكن مصابين آخرين سيعانون من آثار جانبية تتمثل بالتوتر والقلق وأخرى على صعيد الصحة العامة، فضلا عن انه جميعنا سيكون لدينا ردود افعال مختلفة على صعيد التوتر والقلق في الغالب ان ما يحدث هو مشروع ومألوف في هكذا ظروف ويستند الى الخلفية الثقافية والمعيشية الراهنة، فإن الأشخاص ممن لديهم مستوى من التوتر في مثل هذه الأزمات هم الأشخاص الذين أصيبوا وتعافوا من المرض واخرين يتوقعون وحذرين جدا كونهم كبار السن والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، بما فيها أمراض المناعة الذاتية والذين هم أكثر عرضة للإصابة بالمرض**.

6- الأشخاص غير المتأثرين بشكل مباشر بالمرض، ولكن بسبب ملازمة المنزل، قد يكون لديهم استعداد للإصابة بما يُعرف باضطراب ما بعد الصدمة، على خلفية قوانين الحجر الصحي الصادرة عن الحكومات والتعليمات بخصوص التباعد الاجتماعي يضاف الى ذلك الأشخاص الذين يعملون على المساعدة في مكافحة كوفيد-19، مثل الأطباء أو العاملين في مجال الرعاية الصحية أو الذين على تماس مباشر مع المصابين.

وفي الختام وبناءا ًعلى ما تقدم، يمكن اعتبار تعزيز الصحة النفسية وحمايتها واستعادتها شاغلاً حيويا للأفراد والجماعات والمجتمعات في جميع أنحاء العالم.

أحبائي القراء الطيبين إذا كنا ممن نشعر بأننا قد استفدنا مما تقدم في نص المقال فلابد ان نضيفه الى رصيدنا لما تعلمناه من دروس من اجل عقد العزم على مواجهة هذا الوباء بالتدابير الوقائية والصبر، وان الشعور بالتوتر حيال إمكانية الإصابة بكوفيد-19 سيزيد هذا المرض قوة في اختراق دفاعاتنا وان تمكن منا فنحن لسنا الوحيدين في هذا العالم لذلك الوقاية خير من العلاج.

نحن جميعا مدعوون ان نقدم الصلاة من اجل المتضررين من هذه الكارثة المرضية وان نتوجه للمساعدة الانسانية فضلا عن الدعم المعنوي لتخفيف الحزن عن الذين فقدوا احباءً لهم وان نطلب الرحمة والمغفرة لمن تغلب هذا المرض عليه وغادرنا الى الفردوس الأعلى، والدعوة الى المؤسسات والدول للعمل بجهد واسع في استخدام الوسائل المناسبة لمكافحة الاوبئة وما يحدث من كوارث، وان تكون مؤسساتنا الكنسية حاضرة في الدعم المعونة للبشر، بارك يا رب الجميع واحمنا من المصائب والكوارث بأنواعها وامنحنا العيش بسلام وامان….. الى الرب نطلب.

د. طلال كيلانو

————————————————————————————————-

“أَيُّهَا ٱلْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ”(3يُو ١: ٢).

**”أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ، وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ”(يع 5: 14، 15).

“وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ لأَنَّهُمْ أَبْصَرُوا آيَاتِهِ الَّتِي كَانَ يَصْنَعُهَا فِي الْمَرْضَى”( يو 6: 2).

“وَأَيَّةَ مَدِينَةٍ دَخَلْتُمُوهَا وَقَبِلُوكُمْ، فَكُلُوا مِمَّا يُقَدَّمُ لَكُمْ، وَاشْفُوا الْمَرْضَى الَّذِينَ فِيهَا، وَقُولُوا لَهُمْ: قَدِ اقْتَرَبَ مِنْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ” (إنجيل لوقا 10: 8، 9).

“وَكَانَ مُؤْمِنُونَ يَنْضَمُّونَ لِلرَّبِّ أَكْثَرَ، جَمَاهِيرُ مِنْ رِجَال وَنِسَاءٍ، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ الْمَرْضَى خَارِجًا فِي الشَّوَارِعِ وَيَضَعُونَهُمْ عَلَى فُرُشٍ وَأَسِرَّةٍ، حَتَّى إِذَا جَاءَ بُطْرُسُ يُخَيِّمُ وَلَوْ ظِلُّهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَاجْتَمَعَ جُمْهُورُ الْمُدُنِ الْمُحِيطَةِ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَامِلِينَ مَرْضَى وَمُعَذَّبِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ، وَكَانُوا يُبْرَأُونَ جَمِيعُهُمْ” (سفر أعمال الرسل 5: 14-16).

عن د. طلال فرج كيلانو

شاهد أيضاً

قراءات عيد مريم العذراء المحبول بها بلا دنس

الحكمة والشريعة سفر يشوع بن سيراخ 24 : 1 – 32 الحكمة تمدح نفسها وتفتخر …