إن قصة ميلاد الرب يسوع المسيح هى قصة حبلا مثيل يعبر عنها الكتاب المقدس.. لقد أحب الله العالم الخاطئ، المقهور من الشيطان، المغلوب من الخطية. العالم الضعيف العاجز عن إنقاذ نفسه، بل العالم الذى انقلبت أمامه جميع المفاهيم والموازين. وتغيرت القيم.
ولم يأت المسيح ليدينه، بل ليخلص وهكذا قال: ما جئت لأدين العالم، بل لأخلص العالم”(يوحنا ١٢: ٤٧).
لقد جاء السيد المسيح ليخلص العالم الذى رفضه ، ليخلصه من محبة الظلمة. ولقد جاء ليخلص الضعفاء والعاجزين الذين يقولون: ليس ساكنا فى شىء صالح، ان افعل الحسنى لست إجد”(رومية ٧: ١٧- ١٩). حقا لقد جاء السيد المسيح يطلب ويخلص ما قد هلك ( لوقا١٩: ١٠). لقد جاء السيد المسيح يعطى الرجاء لكل أحد، حتى للأيدى المسترخية والركب المخلصة (عبرانيين ١٢: ١٢). لم يحتقر السيد المسيح الضعفاء فالاحتقار لا يخلصهم إنما خلصهم بالحب والرعاية لنتعلم فى عيد الميلاد المجيد الحب للجميع ليعم الحب والسلام العالم كله.
> لقد كانت خطة الفداء ماثلة فى فكر الله منذ سقوط الإنسان الأول وأول ما نتذكره فى ميلاده العجيب هو أن الله يسعى لخلاص الإنسان حتى لو كان الإنسان لايسعى لخلاص نفسه، ونلاحظ هذا منذ البدء عندما أخطا آدم وسقط، لم يسع لخلاص نفسه بل تراه .. على العكس من ذلك ، فالله القدوس هو الذى دبر فكرة الخلاص لانه يريد أن الجميع يخلصون والى معرفة الحق يقبلون وهو يريد خلاصاً جميعاً ويسعى اليه حتى إن كنا نحن فى تكاسلنا أو شهواتنا غافلين عن خلاص أنفسنا.
بارشاد الروح القدس أن تقرأ على المؤمنين فى ليلة عيد الميلاد المجيد الفصول التى تنص على وجود المسيح سلام الله الكامل على الكنيسة وفى اسمها وأعيادها عاشت الكنيسة مجاهدة فى عالم المجد والفردوس وترك للعالم وللبشرية أعظم تركة ويمكن أن نتمتع بها وهى السلام فقال: سلامى أترك لكم ..سلامى أعطيكم.. المجد لله فى الأعالى وعلى الارض السلام وبالناس المسرة.
قد ولد الرب يسوع المسيح وبميلاده العجيب من العذراء مريم البتول قدم صورة للبشرية المنتصرة وكان مجرباً فى كل شىء مثلنا وكان قدوساً بلا خطية، وأعطى مثالاً للبشرية كيف تتعرض لكل التجارب والضيقات وكيف تحتملها بصبر وشكر؟ وكيف تنتصر عليها لذلك كلما نظرنا إلى صورة الميلاد نتذكر محبة الله للبشرية فانتظرت البشرية هذا المولد العجيب الذى تحدث عنه الأنبياء فى نبوءاتهم عن ميلاد المسيح. المجد الله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسره
> نتأمل فى مذود الميلاد منذهلين من هذا الاتضاع العجيب ومن هذا الحب الإلهى الذى دفع إلى هذا التواضع ، حقاً شاعرين بقيمة النفس البشرية عند الله القدوس وقيمة خلاصها، نتعلم من هذه الثمرة الإلهية ونحياها بالحب والوداعة والبذل والعطاء ونجول نصنع خيراً ونخلى ذواتنا كما أخلى الله ذاته. لم يأت المسيح لكى يغير هيئة العالم وتربيته ولكن يغير القلوب، لولا وليد المذود ما حصلنا على كل هذه البركات الوفيرة وكل المواهب العظيمة والخلاص والفداء وكل عمل الروح القدس الذى ترتب على هذا الميلاد العجيب فى تاريخ البشرية التى تهللت بمجيئه، احتفلت به السماء والأرض بظهور الملائكة النورانية فسبحت تسبحتها المفرحة قائلة: المجد الله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة .
> ما هذا الحب يا أرض الكنان…. براءة أطفال، سعادة بسطاء، اشتياق عظيم . تهليلكم وصل لى فى أعالى السماء وكما قال الكتاب: مبارك شعبى مصر ..ومن مصر دعوت ابنى.. بحفاوة وحلاوة فى الاستقبال… ولن أنقض وعدى معكم واخزى لكم رجاء اولد وسطكم وأعد لكم أعظم مكان لن اترككم لغدر حاقد وطمع شيطان … احصنكم واحميكم وأحتضنكم فى أمان … المجد لله فى الأعالى وعلى أرض مصر السلام ولشعبها أبسط لهم يدى بالبركة ففى قلوبهم فرحت بالمسرة .
> إن ميلاد المسيح المعجزى يمنحنا الأمل والرجاء كما يعطينا دروسا عميقة فى المحبة والاتضاع والبعد عن المظاهر وقد ظهر ذلك جليا فى ميلاده فى أسرة فقيرة وفى قرية صغيرة بيت لحم وفى مكان صغير مذود للبقر وبدون أى احتفالات. لقد كان السيد المسيح خلال حياته على الأرض يجول يعلم ويصنع خيرا كما يصنع المعجزات وكان يدعو البشرية جمعاء إلى المحبة والسلام والعدل والأخوة بين الناس جميعا: الله محبة.
تجرى احتفالات هذا العام كالعامين السابقين فى ظل مواجهة الفيروس العالمى الخطير كوفيد 19 ومتحوراته مع اتخاذ الحكومة إجراءات احترازية وتدابير وقائية مشددة. وبهذه المناسبة فإننى أناشد الجميع بتلقى اللقاحات كما أدعو الدول المنتجة لهذه اللقاحات أن تتخلى عن الأنانية وترسلها الى شعوب الدول الفقيرة خاصة دول أفريقيا حتى تزول هذه الغمة وينعم جميع المصريين بثمار الإنجازات الضخمة والمشروعات العملاقة فى معظم المجالات على أرض مصرنا الحبيبة خلال السنوات الأخيرة.
> جاء السيد المسيح، حاملا رسالة إعادة انسانية الانسان بعد ان تشوهت مؤكدا الأخوة الإنسانية، ونشر التسامح والسلام، كنموذج حقيقى لحياة أساسها السلام الداخلى والخارجى، ومواجهة اى تعصب او تطرف، والعيش بروح المحبة الاخوية، فثقافة السلام عنصر حيوى للحلول السلمية، والتعايش الدينى نموذج بدأته مصر من بيت العائلة المصرية، ويتعاملون فى القاسم المشترك بين البشر وهو العدالة، والسلام، والحفاظ على كرامة الانسان، وتطبيق القيم الانسانية الاساسية، والعمل بروح الوحدة، والتضامن. حقا المجد لله فى الاعالى وعلى الارض السلام والناس المسرة.
د> لقد ولد المسيح وأعطانا الميلاد وبميلاده العجيب من العذراء مريم قدم صورة للبشرية المنتصرة وكان مجرباً فى كل شىء مثلنا وكان قدوساً بلا خطية، وأعطى مثالاً للبشرية كيف تتعرض لكل التجارب والضيقات.. وكيف تنتصر.. لذلك كلما نظرنا إلى صورة الميلاد نتذكر محبة الله للبشرية.
> يحتفل العالم فى هذه الأيام بعيد ميلاد السيد المسيح لكونه ميلادا فريدا من نوعه فقد قسم التاريخ الى نصفين ماقبل الميلاد وما بعد الميلاد وايضا لكونه شخصا عجيبا دخل العالم بطريقة فريدة حيرت اذهان العلماء والمفكرين فكم من اباطرة وملوك وامراء ورؤساء وقادة جيوش وحكماء وفلاسفة ومخترعين جاءوا الى العالم بغير إرادتهم وخرجوا من العالم بغير ارادتهم وقد سجلت اعمالهم وانجازاتهم فى التاريخ وقد خطا عليهم الزمن وطوتهم الايام ووضعوا فى قبورهم . الا ان الامر مع السيد المسيح مختلف ففى ميلاده غير التاريخ والزمان. وحينما يدخل المسيح حياة الانسان يقسم تاريخه الى نصفين فقد جاء ليغير حياة الانسان من مجرد حياة, الى حياة افضل ومن مصير ابدى مجهول ومعتم إلا انه انار لنا الخلود وضمن لنا حياة ابدية ورغم انه لم يقم له حفل ميلاد فى حياته, ومع ذلك يحتفل العالم سنويا بيوم ميلاده واصبح لنا عهد جديد, عهد الحب والسلام والأمن والأمان.
> ونحن نحتفل بعيد الميلاد المجيد فلابد أن نضع فى اعتبارنا أن العيد الحقيقى هو أن نتذكر الفضائل التى يوحى بها العيد وننفذها وأهمها الاتضاع ناظرين إلى اتضاع السيد المسيح وقد أخلى ذاته وكذلك بساطة القلب التى كانت تتمتع بها السيدة العذراء متذكرين أن المسيح قد جاء يطلب ويخلص ما قد هلك فيجب أن نكتشف روحانيات الميلاد ونطبقها فى حياتنا العملية متغيرين إلى الأفضل. لو تأملنا ميلاد المسيح نجد أنه لم يتمتع بطفولة متنعمة بل بدأها بالألم حيث كان حاملاً الطبيعة البشرية ما عدا الخطيئة واحتملت والدته مشقة الفقر والترحال وقد أحبنا حباً عملياً وقدم لنا المثالية العلمية فى كل شيء وقد منحنا الوعود الجميلة بأنه معنا كل الأيام وإلى انقضاء الدهر وأن المحبة هى الوصية العظمى ولها شطران الأول هو محبة الله والثانى محبة الناس فلابد أن نكون متحدين دائماً ومتعاونين لنشر السلام وروح الإخوة والرحمة .
> بميلاد السيد المسيح له كل المجد..حل السلام على الأرض.. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوى مسبحين الله وقائلين المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وفى الناس المسرة ( لوقا 2 / 14 ). لكن يبقى السلام ثمرة التزام مشترك تسهم فى بنائه مؤسسات المجتمع المختلفة – والذى بدوره يتطلب – ان يسعى الجميع لبناء عالم أكثر سلاما بدءا من الفرد ثم فى علاقته بالأسرة والمجتمع والبيئة وصولا الى العلاقات بين الشعوب والدول.. فالسلام اليوم أصبح ضرورة ملحة ليعيد للعائلة البشرية صورتها الأولى التى شوهتها ودمرتها كل أشكال العنف والظلم والكراهية والحرب والنزاعات والتلوث البيئي..ليعيد للإنسان قيمته وكرامته…. ميلاد مجيد..
ولد المسيح فى قلب بيئة تعج بالاضطرابات السياسية….
لقد ولد المسيح كمخلص كما جاء فى بشارة الملاك ليخلصهم من خطاياهم ( لوقا11:2) .. لقد كانت رسالته أسمى بكثير من توقعاتهم القاصر والتى عبرت عنها الجوقة الملائكية فى تلك التسبحة الخالدة : المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة (لوقا 14:2 ).. إن ذلك هو ما يحتاج إليه العالم فى ذلك الكوكب المضطرب الذى يموج بالصراعات والحروب والأوبئة والمجاعات والكوارث الطبيعية وهو السلام الحقيقى لكى مايكون لهم المسرة والفرح.
> دخل المسيح إلى عالمنا من خلال نافذة لم تفتح إلا له فلم يدخل أى شخص قبله أو بعده من خلال هذه النافذة فهو كان متفردا فى هذا الأمر وهو ولادته من عذراء فقد حل عليها الله بالروح القدس وحملت فى بطنها بالمسيح يا لروعة هذا الأمر المتفرد وتتميم لنبوءة: ها العذراء تحبل وتلد ابنا (اشعياء 7: 14) ولأن ولادته وحياته ومماته فريدة فالتاريخ قسم إلى جزءين ما قبل الميلاد وما بعده، حياته العطرة يجول يصنع خيرا أعمال 10:38 فشفى الكثيرين من أمراضهم وأوجاعهم. صديقى إذا أردت أن ترى مدى تأثير هذا الشخص انظر أشر الخطاة عندما يأتى إليه نادمًا على خطاياه وراجعًا إنسانًا جديدًا يثير دهشة كل منْ تعامل معه.
بقلم: الدكتور خالد اندريا عيسى