عابر سبيل والمرأة الشفوقة في طريق الجلجلة

+ مَن هو عابر السبيل:

عابر السبيل: هو ذلك الشخص الذي يعرف طريقه ولا يعرفه سواه، ويسير دون غاية وقصد محدد ويدع المجال للزمان والمكان كي يفعل به ما يشاء ويصل به الى حيث قدر لهُ. وقد يتعرض في طريقه لتوقعات وأحداث الوقت مفاجئة بكل ما تحمله الكلمة من معاني ولكن يبقى يعيش حراً ولا يفكر سوى في قضاء أيامه.

ونحن جميع البشر عابري سبيل نمر بهذه الدينا في السراء والضراء، وسوف نتركها لامحاله مهما طالت بنا الحياة فلا بد من الرحيل أجلاً أم عاجلاً ونحن ضيوف الأرض.

+ عابر السبيل في طريق الآلام:

عابر السبيل هو سمعان القيرواني: كان عائداً من الحقل هو أبناه أسكند وروفس ليذهب الى بيته للراحة بعد عمل شاق ومتعب في حقله وكانوا الثلاثة يسيرون في أزقة ودروب أورشليم، وكانوا يشاهدون أحداث تعذيب وجلد السيد يسوع المسيح من قبل الجنود الرومان بالسياط وهو حامل صليبه في طريق الآلام وكانت فرحة الفريسيين والكتبة بعد تسليم واليوم سوف يتم صلبه، وكل مَن كان يريد لهُ هذه العذابات والتخلص منه، وعندما أقترب القيرواني ليرى ذلك المشهد الأليم ومن المكن كان يعرفه أو لا يعرفه أو قد سمع عنه، وأرد أن يعرف ما هو الذنب الذي أقترفه وعمله ليستحق هذا العذاب! ولما أقترب منه أمرهُ الجنود بحمل الصليب ومساعدة حامله، تقدم بكل شجاعة وبسالة وقدم مساعدته السريعة والطارئة في ذلك الموقف الصعب وتضامن معه بكل شعور أخوي وأنساني وقاسمه المتاعب وحمل صليب الفداء وسار معه، بالرغم من كل ضجيج المكان. وقبل ساعات كانوا تلاميذه معه وغسل أرجلهم وأطعهم جسده وأشربهم دمه، ولم يتقدم واحد منهم بشجاعة لكي يساعده، بل قسماً من تلاميذه أتخذوا موقفاً مغاير وغير متوقع، مَن سلمهُ، ومَن أنكره، ومَن هرب، خشية أن يتعرضوا لخطر المسألة والعذاب، وما أصعب ذلك الموقف عندما تشعر أنك وحيداً. وعابر السبيل الغريب لم تكن لديه تلك العلاقة الحميمة والمعرفة الطويلة معه حمل المتاعب والمصاعب. ومَن بقية معه ورافقه وسار في درب الآلام أمه الحزينة مريم العذراء وتلميذه الحبيب يوحنا حتى وقت الصلب وموته وأنزله من الصليب ودفنه.

+ ما هي الشفقة:

الشفقة عكس القسوة: هي مشاعر وأحاسيس بالحزن والآم والوجع بالأخر والتفاعل معه وتشاركة معاناته وأحساسه ومواساته والتعاطف والوقوف مع الحزين والمتألم والمريض والمحتاج في حالاته الصعبة التي يعيشها بتلك اللحظة أو الأيام التي يمر بها وتقديم له مشاعر الحُب والحنان والشفقة والرحمة والأهتمام به.

+ مَن هي المرأة الشفوقة:

فيرونيكا أو وارينا معنى أسمها: الأيقونة الحقيقية، أمراة يهودية تحمل أسماً يونانياً، كان بيتها في طريق الآلام عندما سار السيد يسوع المسيح حامل صليبه من أمام بيتها الى جبل الجلجلة ، وهي في بيتها عندما سمعت ضجيج الشعب والنساء يبكون ويولون ويندبون بالحزن العميق، وصهيل الخيول والجنود الرومان الذين يقودون يسوع بكل شدة والجلد بكل قسوة، خرجت المرأة الجرئية مسرعة من بيتها لترى ماذا يحدث أمام بيتها؟ تفاجئة عندما شاهدت وجة السيد المسيح يُصب ويسل منه العرق والدم المتساقط من جراحات رأسه التي غرزت أكليل الشوك رأسه وأثار السياط على جسمه وهو متعب ومرهق جداً من حمل صليبه بذلك المنظر المؤلم والمحزن، بادرت بشجاعة مثل عابر السبيل الى التخفيف من معاناته، ولم تتحمل الموقف وفقدت مشاعرها لكي تقدم ولو شيئاً بسيطاً لتساعده وتشفق وتعطف عليه، ولكن الشفقة والعاطفة وحدها لا تكفي فيجب أن تذهب أبعد وأن تقدم شيئ، ومن المحتمل أرادت أن تسقيه ماء، لكن عندما رأت قطرات العرق والدماء، فأسرعت وركضت اليه بالرغم من أنتهارها ومنعها من قبل الجنود، وصلت اليه ورفعت خمار رأسها ومسحت دماءه وعرقه من وجههُ بكل عطف وحنان، وفي التقليد اليهودي يجب على النساء اليهوديات يغطن رؤوسهن وبالذات في الأماكن العامة فلا يظهرن أبداً بدون خمار أو حجاب، وتعتبر كاشفة الرأس تهين حشمتها. وعند عودتها إلى منزلها حدث جلل مُعجزي ظهوري منه، فوجدت كل ملامح وجه الرب يسوع المسيح قد طبعت على المنديل.

بعض الأحيان يتصرف الأشخاص من النساء والرجال وهم غرباء وبعيدين قبل الأهل والأصدقاء المقربين في الأوقات الصعبة والحرجة على مثال ما ذكرنه في عابر السبيل القيرواني والمرأة الشفوقة فيرونيكا ويقدمون مساعدتهم والتزامهم الأنساني والأخوي بكل مصداقة خالصة وبدون مقابل ومصلحة نفعية ومادية، بل يكون سخاءهم وعطائهم كبير وعظيم. وحياتنا ليست دائما طرقها سهله ومفرحة، ومنها نتعلم دورساً لمستقبل حياتنا.

+ عابر السبيل من الصليب الى الملكوت:

ذلك الرجل المجرم السارق المصلوب على يمن السيد يسوع المسيح وهو على وشك الموت الأكيد أتجه اليه طالباً الغفران والتوبة، وقد أستجاب يسوع المخلص لهُ وهو في أقسى وأسوء الأحوال وكان رحيما وشفوقاً بهذا المجرم الذي أقر وأعترف وأمن بالرب المخلص. لقد تصبح حياتنا أكثر نفعاً وثمراً لو رجعنا الى اللـه مبكراً، ولكن حتى من يتوبون في أخر لحظة سيكنوا مع الرب وأبنه يسوع المسيح الفادي في الملكوت.

+ بدون أنتقام:

الرب يسوع المسيح بعد قيامته المجيدة لم ينتقم من تلاميذه أولاً، ولا من الحاكم بيلاطس البنطي، ولا من الكتبة لفريسيين، ولا من جنود الرومان الذين جلدوه بكل قسوة وقوة. وهو مسمر على الصليب قال: يا أبتاه أغفر لهم. بل أعطاهم في ذلك الزمان وأعطانا درساً بلغياً بالتواضع والنعمة التوبة والغفران لتعلم منه ونبقى ونسير معه في طريق القيامة المجيدة والحياة الجديدة في ملكوته المقدس.

شامل يعقوب المختار

عن شامل يعقوب المختار

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …