عندما نتحدث عن الشخص المتدين علينا ان نعرف معنى التدين وماهية الدين ، فالتدين يشير الى مجموعة عقائد وشعائر وطقوس خاصة بكنسية معينه او طائفة معينه او مجموعة ، وممارساتها والمواظبة على القيام بها هي واجبه وملزمه ، ومن يؤديها يطلق عليه اسم المتدين ، ومن جانب اخر هذه الممارسات تتمحور حول بناء علاقة التعبد والتقرب مع القوى العليا التي يؤمنون بقدسيتها وروحانيتها الهي او روحي ..
فنشوء الدين وتطوره كان ملازما لتطورحاجة الانسان الغريزيه ، لذلك اطلق عليه علماء النفس بغريزة التدين ، كضرورة مطلوبه لانها تشكل الفاصل السلوكي بين الانسان والحيوان ،فاصحاب الديانات يدافعون عن معتقدهم الديني حسب قناعتهم بكتبهم ورسلهم ، لانها تنشأ لهم سلوكا اخلاقيا واجتماعيا تعزز وحدة انتمائهم لدينهم وعقيدتهم ، لانهم يعتقدون ان ممارسة تلك الشعار والطقوس تجعلهم صالحين بالقدر الكافي للخلاص.
أنواع
الأديان
المعطيات
الاساسية لديانات الشعوب كشفت بانها ليست
من صنف واحد و إن كانت من حيث الظاهر تشترك في الاعتقاد بخالق واحد ، ولكن تختلف
من حيث المصدر و من حيث طبيعة الاعتقاد ..
فمن ناحية
مصدر الأديان ، قسموها إلى أديان سماوية ذات اصل الهي ، و أديان طبيعية أرضية مختلقة من قبل البشر ،ومن حيث الاعتقاد في الإله
قسموها إلى أديان توحيدية و أديان تعددية ….
تعريف الدين
سوف ناخذ بعض التعريفات لكثرتها وتنوعها ..:
جاء في[ قاموس الكتاب المقدس ]. بان اسم ” دان ” أسم عبري يعنى ” قاض ” و”دان ” هو خامس أبناء يعقوب من زوجته بلهه “سفر التكوين 3.: 6 “، وقد تنبأ يعقوب بشأنه قائلاً : ” دان يدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل ” سفر التكوين 16:49 “. فالدين إذاً هو الطاعة والخضوع لحكم حاكم ” قاض ” ومجاز يفرض الجزاء في يوم الحساب “.. .
والدين بمعنى الجزاء يقول السيد المسيح ” لا تدينوا لكي لا تدانوا . لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون . وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم ..الخ ” انجيل متى 7: 1- …
واما عالم الأديان شميدت عرفه بالآتي : ” الدين فكرةٌ في المرء وعاطفةٌ، يشعر بها من جرائها، لأنه مقيَّدٌ بكائن أعلى منه وأقوى، ومن الوجهة العملية عبادة، وصلاة وذبيحة ” ….
أما إيميل دوركايهم فيقول : ” الدين مجموعة متساندة من الاعتقادات والأعمال المتعلقة بالأشياء المقَّدسة، اعتقادات وأعمال تضم أتباعها في وحدةٍ معنويةٍ ” ..
وذهب جواد علي – المفصل في تاريخ الجزيرة العربية قبل الاسلام 6 /28 : “بان الدين ايمان وعمل ، ايمان بوجود قوى خارقة فوق طبيعة البشر العقلية ولهذه القوى تاثير في مجرى حياة الانسان ، وعمل ، في اداء فرائض وشعائر وطقوس معينه ، تفرضها الاديان السماوية ، والارضية ( لعبادة الاصنام والاوثان ) لاسترضاء الالهة ، ” ..
نستخلص من هذا بان الدين عمل سلوكي يقوم به المتدين وفق معايير وضوابط شرعية تنظم تلك العقائد والشعائر، جاء في الاصحاح الرابع من سفر التثنية 4 / 1 ” فالآن يااسرائيل اسمع الفرائض والاحكام التي انا اعلمكم لتمعلوها لكي تحيوا وتدخلوا وتمتلكوا الارض التي الرب اله ابائكم يعطيكم “.. وفي 6 /1 ” وهذه الوصايا والفرائض والاحكام التي امر الرب الهكم ان اعلمكم لتعملوها في الارض التي انتم عابرون اليها لتمتلكوها “..
فالله منح تلك الشرائع والقوانيين لليهود لتنظيم حياتهم المجتمعية وتسهل بقيام دولة ، فكانت شريعة العهد القديم تدعى ” شريعة العدل والاحكام ” ( ميتشباثيم ) بمعنى ” الديــــن ” فالدين اذا هو مجموعة قواعد امر وناهية تنتهي بالانذار والوعيد لم يعصى احكامها ، فالنبي موسى شرع من القوانين والانظمة والشرائع اكثر من 613 قانون بالاضافة الى الوصايا العشرة ، التي منحها الرب له على جبل سينا ،فكان اليهود بزمن المسيح يتعتقدون بان ممارسة تلك الطقوس والشعائرالعبادية هي مصدر الخلاص …..
ولكن السيد المسيح وضح لنا ، بان تلك الشعائرواعمال الناموس لا تخلص نقرا في انجيل لوقا 18 : 9-14
9 وقال لقوم واثقين بانفسهم انهم ابرار ويحتقرون الاخرين هذا المثل : 10 «انسانان صعدا الى الهيكل ليصليا واحد فريسي والاخر عشار.
اما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا: اللهم انا اشكرك اني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار
اصوم مرتين في الاسبوع واعشر كل ما اقتنيه .. 12
. 13 واما العشار فوقف من بعيد لا يشاء ان يرفع عينيه نحو السماء بل قرع
على صدره قائلا: اللهم ارحمني انا الخاطئ ، ويضيف الرب القول
. 14 اقول لكم ان هذا نزل الى بيته مبررا دون ذاك لان كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع “….
نلاحظ اعمال الناموس شرائع ارضية ، صحيح الناموس بموسى اعطي.اما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا ،” يوحنا 1 : 17 “.. والفرق بين الناموس والنعمة هو كثير ففي .
رومية 6 : 23 تقول الناموس أجرة الخطية هي موت ، اما النعمة: هبة الله فهي حياة ابدية بالمسيح يسوع ربنا…
وكذلك الدين الاسلامي نجد بداية نشوءه جاء بايات قرانية ” مكية ” تنص على مقومات عبادية بمعتقدات ايمانية روحية ، ولكن عندما هاجر محمد رسول الاسلام الى المدينة بدا يعمل لتشكيل دوله فكان لابد من مقومات قرانية جديدة تاسس لهذه الدوله فكانت سورة ( البراء ” التوبه 29 و 26 ومحمد 4) ، مقومات ناسخه لاكثر من 120 ايه من الايات المكية التي كانت تقوم على التسامح والتعايش مع الاخرين ، فاذا متطلبات قيام الدوله والسلطة هي تشريعات قانونية وشرعية وانظمة لتنظم اعمال وشؤون الدولة ، فالاسلام كما يعرفونه اتباعه هو الطريق والمنهج والوضع الالهي الذي يرشد الى الحق في الاعتقادات والى الخير في السلوك والمعاملات ، فالقواعد الدينية مقومات اساسية لادارة الدولة ، فالدين الاسلامي ينظم حياة اتباعه وفق منهم علم الفقة فنجد كل فقه يختص بامر من الامورالحياتية للانسان المسلم ، وفق المنظورالقراني وسنة الرسول ، العقيدة الاسلامية تقوم على فهم بان الاسلام دين ودولة وهذا ما يسعون الى تحقيقه ..
خلاصة القول ان الدين نظام اجتماعي يتضمن عقوبات دينية بعد الممات اي في الحياة الاخرة ، فالثواب والمكافاة المعنوية وخشية غضب الله يفترض ان تؤدي الى سلوك صالح ؟؟؟ ولكن المتدين لا يوثر في نفسيته الدين ولا يبعده عن عمل الشر رغم ممارسة طقوسه والشعاير الدينية ،.. بعكس المؤمن الذي يعتبرالايمان الحقيقي عاملا رادعا في الوقاية من الاخطاء والشرور..
لان الايمان بصورة عامة هو ان يكون الانسان واثقا من اعتقادة بان الله موجود ومجازاته في الابدية للابراربحياة ابدية يرجوها وخيرات ابدية ينتظرها .
الايمـــــــــــان
ان كلمة “الايمان” في العبرية تعني: “أن تضع قوّتك في الله”، و”أن تجد فيه الملجأ عندما تواجه تناقضات الحياة”، و”أن تشعر بالآمان معه”، وهذا ما يقوله الله لشعب إسرائيل: “اذا لم تؤمنوا لن تأمنوا” (أشعيا 7/ 9)..
واهم تعريف للايمان ما جاء به بولس الرسول الى العبرانيين 11: 1 أن الإيمان هو “الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى”…. الرسول بولس يقدم معنى الايمان لنا بكلمتين ” الثقــــــــة ” و الثانية ” الايقـــــــــــــان ” .. تعبران عن مفهوم البدايـــة و النهاية ، الثقة تشكل نقطة البداية بمعنى ان تصدق شخص الله بكل شئ فهو صادق في كل ما يقوله عن ذااته ، وان رجائنا فيه متحقق لا ريب فيه ، ..
اما الايقان . هو نقطة النهايه ان تؤمن بوعود الله ، فهو يفعل ما يقول فنحن نؤمن ان الله يحقق كل وعوده حتى لو لم تر هذه الوعود تتحقق الان ولكن لا بد ان تتحقق لان الثقة بالمقدسات الالهية غير المنظوره هي حقائق ثابته ، فيحيا الانسان في يقين من انا حقائق واقعية ملموسه بالحواس ،كانها من المنظورات ومن غير المنظورات مثلا امجاد السموات …فالايمان غير الدين فهو حياة نحياها مع الله ، لانه ادراك شخصي لوجود الله في حياتنا .. فالايمان الحقيقي لا يقوم على البرهان التجريبي بل على اليقين اللالهي لانه عطية الله. وفي رسالة بولس الى اهل افسس 2 : 8 و9″ لانكم بالنعمة مخلصون بالايمان وذلك ليس منكم ، هو عطية الله ، ليس من اعمال كيلا يفتخر احد “.. فليس باعمالنا وجهودنا نحقق مرادان وخلاصنا بل بايماننا لانة الاعتماد الكلي عل الله والثقة المطلق بالرب يسوع المسيح ننال برنا وخلاصنا ، كما ظهر ذلك للذين طلبوا من الرب ان يشفيهم مثل قائد المئة ” لوقا 7 : 2-10 ) والمراة نازفة الدم لوقا 8 : 43 ” وشفاء مريض بركة بيت حسدا يو 5 : 1-9 والشفاء الجماعي للمرضى متى 8 : 16 و17 ، وغيرهم كثيرون ..
الإيمان يقوم على الثقة في الإله الواحد الحقيقي
دون أن نراه بأعيننا..” عبرانين 11 : 6 “. ..
الإيمان عطية من الله، لذا
لا يمكن الحصول عليه بقوتنا أو إرادتنا ، بل ببساطة يمنحنا الله إياه مع نعمته
ورحمته بحسب مشيئته وخطته المقدسة وبسبب هذا يعود المجد إليه في النهاية ،
قد يفشل إيماننا أحياناً، ولكن لكونه هبة مجانية من الله، يقدمها لأولاده، فإنه يسمح بأوقات الضيقات والتجارب لإثبات حقيقة إيماننا وتقويته. لهذا يقول لنا الرسول يعقوب أن نحسبه “فرح حقيقي” لأن إمتحان إيماننا ينتج صبراً وينضجنا، ويقدم الدليل على أن إيماننا حقيقي (يعقوب 1: 2-4).
فكتب القديس أوغسطينوس عن الايمان المسيح قائلاً إن الايمان بالله يقسم الى ثلاثة حركات مختلفة: الحركة الاولى هي الايمان بوجود الله، وهذا هو أول بنود الايمان؛ والحركة الثانية هي الايمان بكلمته؛ والحركة الثالثة هي الوثوق بالله بصورة مطلقة وتسليم حياتنا بيديه كصخرة خلاصنا والعيش جواباً على دعوته من خلال علاقة العهد. “..
ذكرنا ان الايمان عطية من الله للانسان: تمنح وتعطي للذي يطلبها بحريته واختاره الشخصي ، فالله يمنحها لمستحقيها. فهي متاحه للجميع.. جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون ” رسالة بولس الاولى لتيموثاوس (2/ 4). … قال له يسوع: «انا هو الطريق والحق والحياة. ليس احد ياتي الى
اساس هذه العلاقة هوالايمان كما في رسالةغلاطية 2 /16 ،
اذ نعلم ان الانسان لا يتبرر باعمال الناموس، بل بايمان يسوع المسيح، امنا نحن ايضا بيسوع المسيح، لنتبرر بايمان يسوع لا باعمال الناموس. لانه باعمال الناموس لا يتبرر جسد ما “..و في انجيل يوحنا 11 : 25 .
قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ
وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا،”.
من كل ما جاء اعلاه تبين بان الدين مجموعة شرائع ارضية واما الايمان فهو سلوك روحاني
وعلاقة مباشرة حية مع الله .. له كل
المجد ..
بقلم: المحامي يعكوب ابونا