+ نبذة مختصرة عن حياة عائلة أبونا يعقوب:
من أهم شخصيات العهد القديم الأباء أبراهيم وأسحق ويعقوب، وكان يعقوب المرحلة الثالثة في خطة اللّـه لأقامة أمة أبراهيم. يعقوب هو أبو أسباط أسرائيل الأثنى عشر، كانت حياتهُ العائلة تسير في نمط عمل يومي أثناء النهار بالزراعة والري ورعاية المواشي، وفي الليل حراسة الأغنام والأبقار والجمال. وفي فصل الشتاء كانوا يذهبون الى المناطق الدافئة، ويتنقلون بين سهول شكيم ومنحدرات دوثان والمروج الواطئة لرعاية المواشي حيث العشب، ومع بداية الربيع يعودن الى مرتفعات حبرون. وكانوا يعتمدون على الصيد. في مجالسهم كانوا يتحدثون عن الظواهر الطبيعية، الشمس، القمر، النجوم، ومتابعة حالة الطقس أيضاً. أما روحياً فكان حديثهم عن أحداث وحياة الأباء أبراهيم وأسحق وأختبارات يوسف وأحلامه ورؤاه وكانت شئن عظيم في حياتهم. وهذا ما يحدث مع بعض منا اليوم ممن لا يتكلم عن أختبارته الشخصية وأختبارات الأخرين وأن لم يكن له أختبارته يكون سامعاً ومتفرجاً، بينما يتحرك فيه روح ونفس الجسد.
+ يوسف هو أحد أبناء يعقوب الأثنى عشر:
من الواضح أنه كان هو المحبوب لدى أبيه. وَذَكَرَ اللّـهُ رَاحِيلَ، وَسَمِعَ لَهَا اللّـهُ وَفَتَحَ رَحِمَهَا، فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتِ ابْنًا فَقَالَتْ: قَدْ نَزَعَ اللّـهُ عَارِي. وَدَعَتِ اسْمَهُ يُوسُفَ قَائِلَةً: يَزِيدُنِي الرَّبُّ ابْنًا آخَرَ. تكوين30: 22-23. لأن والده فضله على أخوته لأنه أبن أرملته راحيل التي ماتت في الطريق الى كنعان وهي تلد أخوه بنيامين. ثُمَّ رَحَلُوا مِنْ بَيْتِ إِيلَ. وَلَمَّا كَانَ مَسَافَةٌ مِنَ الأَرْضِ بَعْدُ حَتَّى يَأْتُوا إِلَى أَفْرَاتَةَ، وَلَدَتْ رَاحِيلُ وَتَعَسَّرَتْ وِلاَدَتُهَا. وَحَدَثَ حِينَ تَعسَّرَتْ وِلاَدَتُهِا أَنَّ الْقَابِلَةَ قَالَتِ لَهَا: لاَ تَخَافِي، لأَنَّ هذَا أَيْضًا ابْنٌ لَكِ. وَكَانَ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسِهَا، لأَنَّهَا مَاتَتْ، أَنَّهَا دَعَتِ اسْمَهُ بَنْ أُونِي. وَأَمَّا أَبُوهُ فَدَعَاهُ بَنْيَامِينَ. فَمَاتَتْ رَاحِيلُ وَدُفِنَتْ فِي طَرِيقِ أَفْرَاتَةَ، الَّتِي هِيَ بَيْتُ لَحْمٍ. تكوين35: 16-19. وأكتشف أبوه الصفات الجميلة والحميدة التي يتميز بها يوسف عن أخوته.
+ جريمة وكذبة الأخوة:
فقد تعرض يوسف أولاً منذ صغرهُ الى الحسد والغيرة من أخوته وكانت النتيجه كيف التخلص منه. فأراد هؤلاء الرجال الأخوة العشر فجأة أن يقتلوا أخاهم من أجل قميص ملون، فلما رأوه عن بُعد قبل أن يقترب منهم تآمروا عليه وقالوا بعضهم لبعض: ” ها هو صاحب الأحلام مُقبلاً ” ، وبعد تفكيرهم بالغضب عليه أتفقوا على أرتكاب جريمة قتله، ولكن أخوة رأوبين عرض فكرة أخرى رمي يوسف في البئر فقط راجياً أن ينتشله فيما بعد. وأقترح يهوذا أن يبيعوه لقافلة الأسماعليين وتم ذلك. بعدها أتفق كافة الأخوة وأختروا الكذبة والحيلة والمكر، وأستهانوا بالأمور الصغيرة والدقيقة، وذبحوا جدياً، وقطعان الأغنام كثيرة جداً، فماذا يهم لو ضحوا بجدي واحد، مع أن أخوة يوسف لم يقتلوه جسدياً فعلاً ولم يرتكبوا جريمة القتل، الا أنهم أعتبروه هو من الأموات وخرج من حياتهم. وتطورت غيرتهم العميقة الى ثورة عارمة، أعمتهم تماماً عن رؤية الصواب. لكي يغطوا الأخوة فعلتهم الشريرة وقد حاكوا كذبتهم الكبيرة وخدعوا أباهم يعقوب حتى يظن أن يوسف قد مات فعلاً، والتي أصبحت جريمتهم وكذبتهم فيما بعد سبباً لآلام ودموع وأحزان أباهم يعقوب. أرادوا الأخوة قتل أخوهم يوسف ونفيه الى الأبد، وكان الأب يعقوب مغرماً ببنيامين لأنه كان الأخ الشقيق الوحيد ليوسف من زوجته المحبوبة راحيل، كما كان بنيامين أصغر أولاده وأبن شيخوخته.
+ يوسف يباع مرتين:
- الأولى: أخوته باعوه بعشرين قطعة من الفضة في رحلة لمدة ثلاثين يوماً في الصحراء حتى وصلوا مصر، وكان على الأرجح مقيداً بالسلاسل. تَعَالَوْا فَنَبِيعَهُ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ، وَلاَ تَكُنْ أَيْدِينَا عَلَيْهِ لأَنَّهُ أَخُونَا وَلَحْمُنَا. فَسَمِعَ لَهُ إِخْوَتُهُ. وَاجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ، فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الْبِئْرِ، وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَتَوْا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ. تكوين37: 27-29.
- الثانية: باع المديانيون يوسف في مصر لفوطيفار خصي فرعون رئيس الحرس. وَأَمَّا الْمِدْيَانِيُّونَ فَبَاعُوهُ فِي مِصْرَ لِفُوطِيفَارَ خَصِيِّ فِرْعَوْنَ، رَئِيسِ الشُّرَطِ. تكوين 37: 36.
+ سجن يوسف لأمانته:
بعد أن تعرض الى الهجرة من عائلته وموطنهُ، تعرض لتجربة جنسية لعدم رغبته بممارسة الزنا والجنس مع زوجة فوطيفار وخيانة سيده، كانت النتيجة عقوبتهُ لفعل الشيئ الصالح والهروب من الخطيئة وحفظ الأمانة التي أوكل لهُ سيدهُ، كان نفيه وتحملهُ سجناً طويلاً لمدة ثلاثة عشر عاماً مما أعطاه الفرصة ليصير حاكماً لمصر، وقد أضافة حكمتهُ وثقتهُ لكسب قلوب كل من تقابل معهم: فوطيفار، السجان، الخباز، ساقي الماء. قال فرعون عنه: فَحَسُنَ الْكَلاَمُ فِي عَيْنَيْ فِرْعَوْنَ وَفِي عُيُونِ جَمِيعِ عَبِيدِهِ. فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِعَبِيدِهِ: هَلْ نَجِدُ مِثْلَ هذَا رَجُلًا فِيهِ رُوحُ اللّـهِ؟ تكوين 41: 37-38. يوسف عاش طريق الآلام والعذاب، ولكي نتعلم من حياته حتى لو كنا مظلومين، فأننا نكتسب خبرة وشخصية قوية وحكمة عميقة وثقة بالنفس.
+ المجاعة والخوف من الموت:
قدرة اللـه للبشر يتحرك ويظهر للعيان في المكان والزمان، وبدأت أحداث الرب القدير تتوالى، فأبتدأ أخوة يوسف يطلبون لقمة الخبز والعيش من مصر، هنا تدخلت العناية الألهية في قلب الأحوال والأوضاع والموازين، لقد أرسل اللـه يوسف أمامهم ليحفظ حياتهم ويخلص مصر من المجاعة. فاللـه مطلق السيادة، وأعمال البشر لا تقيد خططه، فعندما يقصد الآخرون شراً لحياتك، أذكر أنهم ليسوا الا أدوات في يد اللـه. قال يوسف لاخوته: أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللّـهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْباً كَثِيراً. تكوين50: 20. وذلك بسبب حزن ودموع والآلام يعقوب على أبنهُ يوسف. ولكن يوسف أمتحن أخوته ليتأطد أنهم لم يعاملوا أخوه بنيامين بنفس القسوة والظلم الذي عاملوه بها. وأخذ يسألهم في لقائه الأول وطلب منهم أن يأتي اليه أخوه بنيامين ليرى وجهاً لوجه ويتأكد من صحة كلامهم.
+ كأس يوسف محور تأملنا:
أن لقاء يوسف مع أخوته، وكأسه الذي قلب تاريخهم رأساً على عقب وحول أفكارهم الخبيثة وطرقهم الردئية وقسوة قلوبهم. عند الجوع الذي يتزامن مع الخوف من الموت قالوا: بعد ان ركعوا وسجدوا أمامه قالوا: نحن أمناء ولسنا جواسيس، وأعترفوا: نحن أثنا عشر أخاً أبناء أبينا يعقوب، أحدنا مفقود والأصغر بقي مع أبينا في أرض كنعان. وكانت خطة يوسف بوضع كأسه في عدل الأخ الصغير أخوه بنيامين، وقال يوسف: أن الرجل الذي عثر معهُ الكأس هو يكون لي عبداً أما أنتم فأمضوا الى أبيكم بأمان، وأخوته مزقوا ثيابهم وحمل كل منهم عدلهُ على حماره ورجعوا الى المدينة. وكأس يوسف لهُ محاور ونقاط مهمة هي:
1 – سرقة الكاس:
يوسف لم يكن في حاجة الى الكأس بل كان حاجته الى أبيه وأخوه بنيامين وأخوتهُ أيضاً. لأن كأس يوسف الفضية رمزاً لسلطانه، وكانوا يظنون أن له قوة غير عادية، فسرقتها تكون جريمة خطيرة.
2 – الكأس كشفهم:
لقد كشف الكأس خطاياهم وشخصياتهم أمام أخوهم يوسف، الكأس كشف العيوب والذنوب، وفتح العيون ومدارك الأفكار والعقول والظنون، لقد أكتشف يوسف أن أخوته مجرمون بحق أخيهم وحزن أبيهم، وأنهم حقاً جواسيس للشيطان وأعوانه.
3 – الكأس روعهم:
عندما عرفوا يوسف أرتعبوا وخافوا بسبب ما عملوه معه. الخطيئة تولد في قلب الأنسان خوفاً وهلعاً ورعباً. فقد خاف قايين بعد قتل أخوه هابيل الى أين يهرب من أمام وجة الرب. فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِي؟ فَقَالَ: مَاذَا فَعَلْتَ؟ صَوْتُ دَمِ أَخِيكَ صَارِخٌ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ. فَالآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ. تكوين4: 9-11. هكذا نحن أيضاً عندما نشعر بالخوف والرعب، فنعلم أن روح الرب بدأ يتعامل معنا. فنذهب إليه لنحتمي بين أيديه المباركيتن.
4 – الكاس ذنبهم:
لقد أحسوا أنهم مجرمون بحق أخيهم الذي بكى وأسترحمهم، لكنهم لم يصغوا ولم يستمعوا الى توسلاته لحسدهم وكرههم وقساوة قلوبهم وغشاوة أفكارهم. وعندما نشعر بضعفنا وعدم أستحقاقنا، فهذا دليل على أننا بحاجة ماسة الى غفران وتوبة وتجديد حياتنا. فنتواضع ونطرح أنفسنا عند أقدام الرب لنحصل على الغفران والمسامحة ونغفر لكل من أصابنا بأذى روحي وجسدي، كما الرب يغفر خطايانا بسر التوبة والغفران.
6 – الكأس أرجعهم:
بعد أن حملوا القمح على حميرهم وهم عائدين الى أبيهم يعقوب، ماذا كانت حصيلتهم التي عادوا بها؟ هل حصل كل واحد منهم على عدل قمح؟ فلوا لم تنكشف خطايا أخوة يوسف لعادوا الى مصر ثانية، وبقيت قضيتهم مع اللّـه ويوسف غير محلولة، وغير معالجة. ونحن عندما يرجعنا الرب عن طرقنا المغلوطة فأن هذا يكون لخيرنا. وما علينا الا أن نتطيع ونرجع له هو الشيئ الأفضل. وبدلاً من حصولنا على عدل من القمح فأننا نمتلك خيرات مصر ونفائسها عندما نرجع اليه، لنحصل على بركات اللّـه الكبرى في الأرض والسماء.
7 – الكأس توبهم:
ها نحن نرى يهوذا ساجداً يرافع ويتشفع بأخوته أمام يوسف ويعترف بذنيه وذنب أخوته. أن هذه التوبة المستميتة، وهذه التوبة القليبة أذبت قلب يوسف مما جعلته أن يختلي بأخوته ويجهش بالبكاء. أن موقف يهوذا كان موقفاً مشرفاً تجاة يوسف بذنبه وذنب أخوته متواضعاً ومنكسراً. فما أجمل أن يقودك كأس الشركة الأخوية الى توبة صادقة وأعتراف وتواضع أمام اللّـه فيكون كأس الرب يسوع المسيح بدمه الزكي وجسده الكريم المقدس يكون نقطة تحول في حياتنا.
8 – الكأس جمعهم:
وبينما هم مجتمعين حول المائدة، كشف يوسف نفسه أمام أخوته وهم يتناولون الطعام سوية. وهي صورة لجميع المؤمنين المجتمعين بأسم يسوع المسيح على مائدة المقدسة في كنيسته المقدسة وبسر الأفخارستية. وهذا هو الأحسن، وما أجمل أن يتناول الأب والأم الأخوة والأخوات معاً الطعام معا وقبلها تكون صلاة يشترك فيها الجميع لتحل بركة ونعمة الرب عليهم في حياتهم الأرضية والأبدية.
9 – صاحب الكأس سامحهم:
لقد سامح يوسف أخوانه من كل قلبه، ولم ينتقم لنفسه. أن المسامحة هي من سمات المؤمنين الذين هم أعضاء الجسد الواحد. يا ليتنا نتعلم من يوسف أن نسامح بعضنا البعض، ونقبل بعضنا بعضا كما قبلنا يسوع المسيح له كل المجد والأكرام وسامحنا على كل خطايانا بدمه الزكي وفداءه العظيم على الصليب.
10 – صاحب الكأس منحهم وأهداهم:
فهل نحن بحاجة اليوم الى كأس ليكشف عيوبنا ذنوبنا ونواينا؟ كي نعيش المحبة الأخوية والأنسانية بالعطاء والبناء، بدلا من أن نجهد ونعمل لوضع سم الحسد والكراهية والحقد والأنانية الذي يعـشش داخل أفكارنا قبل قلوبنا وقد نقترف أغلاط كثيرة، فتكون سبباً لآلام الآخرين على مدى سنوات طويلة والتخلي عنهم في وقت الضيق والمرض والوحدة وصعوبات الحياة، من خلال سماع كلمات وأقوال من بعض الأهل والأقرباء والأصدقاء، الكذب والنفاق والحسد والنميمة، لأن هكذا أشخاص لديهم مصالح شخصية وقتية وأنية مثل أخوة يوسف. قال الرب يسوع المسيح: لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ مرقس8: 36.
شامل يعقوب المختار