أن العلماء والمؤرخين اقروا ان الكلدان هم مؤسسوا علم الفلك، ولتأييد ذلك في النتحف البريطاني بلندن لوحة مسمارية تحت رقم 86378.م.ب عثر عليها في مدينة بابل، دونت فيها معلومات واحصاءات فلكية يعود تاريخها الى عام 2048ق.م، يعتبرها الباحثون أقدم وأهم الوثائق في نشوء علم الفلك في العالم قياسها8,5 ×6,1 × 1,9 سم تتضمن 171 سطراً دونت فيها معلومات فلكية عن المجرات والكواكب مستقاة من مصادر أقدم من ذلك بكثير. عنوان الوحة مول – ابن.
يستدل من تلك اللوحة ان الكلدان قد قسموا الفلك الى ثلاث مناطق فلكية ونسبول عائدية كل منطقة الى احد الآلهة الكبار فالمنطقة الشمالية للأله انليل (33 كوكباً) والوسطى للأله انو (3 كواكب) والجنوبية للأله أيا (15 كوكباً) كما هناك اشارات واضحة عن درب التبانة وبرج السرطان وبرج الأسد والدب الأكبر والراحل وغيرهما، وقد اعتبروا بعضاً من هذه الكواكب منازلً للآلهة. فالشمس منزلاً للأله شمش، والقمر للأله سن، والزهرة للأله عشتار والمشتري للأله مردوخ وعطارد للأله نابو والمريخ للأله نركال وزحل للأله نينورتا.
ومن أجل تدوين وتوثيق حركة النجوم والكواكب، خاصة الشمس والقمر اخترعوا الواحدات الزمنية فأعتبروا الفترة الزمنية بين كل شروق شمس وآخر (يوماً كاملاً) وقسموا هذه الفترة الى أثنتي عشرة وحدة سميت بيرو وهي تعادل ساعتين ضمن القياسات الحالية، وقسموا البيرو الى ثلاثين جزءاً يسمى آش، ويعادل اربع دقائق– كما قسموا الآش الى ستين جزءاً سميت ناندا وهي تعادل اربع ثواني ضمن القياسات الحالية. كما أعتبروا الفترة الزمنية لدورة القمر – من ظهور الهلال الى ظهور لآخر – شهر واحد. ومن المدهش حقاً أن الكلدان ادركوا– قبل اربعين قرناً– ان مجموعة الكواكب الخمسة (عطارد، الزهرة، المريخ، المشتري، وزحل) اضافة الى القمر والشمس هي مجموعة مترابطة، لها حركة واحدة ومسار واحد في الكون فقد جاء في تلك اللوحة ان الشمس، المشتري، الزهرة، المريخ، عطارد وزحل تسير في نفس مسار القمر. ان الحقيقة – كمجموعة واحدة وهي المجموعة الشمسية – لم يدركها العالم الا بعد مرور عشرات القرون.
وبما ان كوكب الزهرة كان اشد لمعاناً من كافة الكواكب المرئية لهم– بعد القمر طبعاً– فقد استهواهم هذا الكوكب اكثر من جميع الكواكب الأخرى، فأخترعوا جهازاً أسموه استرالووطا أي مكيال حركة الزهرة ومنه استقت كلمة اسطرلاب وكلمة استرولوجي التنجيم والابراج واسترونومي علم الفلك – وان كلمة ستار وهي اصلها استرا الكلدانية. ولم يقتصر استعمال الاسطرلاب على الزهرة بل طبقوا لكافة الكواكب والنجوم المرئية. وقد قسموا الأفق الى 180 درجة والدائرة الى 360 درجة كما استطاعوا تدوين الانقلابين الصيفي والشتوي والاعتدالين الخريفي والربيعي. ثم وضعوا التقويم السنوي– السنة الى اثنى عشر شهراً قمرياً– وادركوا ان السنة القمرية هي اقصر من السنة الشمسية بحوالي عشرة ايام. ومن اجل ذلك ادخلو اشهراً اضافياً بعد كل ثلاثة سنوات قمرية، فاعتبروا السنة الرابعة ذات ثلاثة عشر شهراً، لكي يكون التقويمان الشمسي والقمري متكافئين.
ويكون علم الفلك سمة من سمات الكلدان وكانوا أول من أدرك ان لحركة هذه الكواكب والنجوم مسارات فلكية ودورات تتكرر ضمن فترات زمنية محدودة فقاموا بتدوين ظهورها واختفائها ودرجة ارتفاعها عن الأفق وقوة لمعانها ومنازلها (الابراج)، ومجموعاها ( المجرات).
المصادر: (1) لمحات من تاريخ كلدو وأثور بقلم حبيب حنونا ص 36-37. العراق في التاريخ ص231-323-233.
الموسوعة الكلدانية الكتاب – تاريخ الكلدان صفحة 19 – 20.
الناشر/ شامل يعقوب المختار