أنتشار المسيحية في بلاد ما بين النهرين – الحلقة الثامنة

بينات التاريخ (1)
والحقيقة أن المسيحية أنتشرت في ديار المشرق عن طريق الرها، بفضل رسل قدموا من فلسطين، عبر أنطاكية والرها ونصيبين، وبشروا العراق من شماله الى جنوبه، وامتداداً من الخليج وايران والهند وشرقي آسيا حتى اقصاها، أبتداءًا بالشمال الغربي من سورية وجنوب تركيا.
وهناك ترابط كنسي وثيق بين الرها وما بين النهرين العراق والهند، تؤكده شواهد أدبية واثرية عديد تجمع بين الرسل والأوائل الذين أرسوا ركائز المسيحية في هذه البلاد.
وقد أبانت الحفريات كنيستي، الواحدة فوق الأخرى، كوخي قرب سلوقية (سلمان باك)، تعود السفلى الى القرن الأول أو الثاني، والعليا الشاخصة الى القرن الثالث أو الرابع. يؤيد الأمر شاهد تاريخي جغرافي (طوبوغرافي)، هو نص قديم حفظه (مجدل ماري، القرن 12)، يذكر تحول نهر دجلة في الأعوام 76 – 116م، ويشير الى وجود كنيسة قبل تغير مجرى نهر دجلة في المنطقة. لذا فأن أقدم كنيسة في العراق ما تزال آثارها ظاهرة على تل عمر (القاضية أو السيافية)، هي كنيسة كوخي العظمى، وتعود الى القرن الأول للميلاد، تنضم إليها عشرات الكنائس والأديرة المنتشرة في سائر أرجاء مناطق كنيسة المشرق، أشهرها كنيسة
الرها قرب القصر الملكي التي أغرقها فيضان عام 201م، كما يشهد بذلك تاريخ الرها (من القرن3).
وأظهرت المكتشفات الأثرية قدم المسيحية في بلاد وادي الرافدين وديار المشرق، عندما اكُتشفت كنائس وأديرة أطراف الحيرة والكوفة وبلد (أسكي موصل) والجبال شمالي العراق وشرقيه، وكنيسة مار توما في كيرالا (الهند).

رسل المشرق (2)
يعود الفضل الكبير في نشر بشرى الأخلاص في ديار المشرق الى مار توما، أحد الرسل الأثني عشر. ساعده في الرسالة مار أدي أحد الأثنين والسبعين، وتلميذه أجي وماري. وبينما شملت رسالة أدي وأجي الأقسام الشمالية من بلاد ما بين النهرين، فأن كرازة مار ماري أمتدت حتى أواسط البلاد ومناطق أخرى، بحيث أعتبر بحق مؤسس أقدم كنيسة أصبحت مركزاً لرئيس كنيسة المشرق، أبيها، بحيث وضعه المؤرخون القدامى في مطلع قائمة جثالقة كنيسة المشرق وبطاركتها.
وتذكر الصلاة الطقسية لهذه الكنيسة الرسول توما والتلميذين أدي وماري بصفة متلمذي المشرق. وقد أكمل مار توما الرسول طريقه الى الهند، مبشراً في عدة أماكن، إذ يقول أوسابيوس القيصري أن حصة توما في التبشير كانت مملكة الفريثين (الفصل ذ من الكتاب3)، وكانت هذه تمتد من نهر الفرات حتى الهند، ومن الخليج حتى بحر قزوين. وتكللت حياة مار توما بالشهادة، ودفن في ميلابور، ثم نقلت رفاته الى مدينة الرها التي كانت قد اصبحت مملكة مسيحية منذ النصف الأول من القرن الثاني.

اللغة والشعب (3)
يتكلم أفراد هذه الكنيسة لغات عديدة. لكنهم يستعملون السريانية الرهاوية لغة طقسية. وهذه وليده الأكادية والبابلية والأشورية، ولاسيما الأرامية، فهي لغة من لغات شعوب ديار المشرق. يتحدث سكان هذه الديار لغة بل لهجة شعبية تسمى (السورث) إجمالاً، ومن ذلك تسمية مسيحي هذه الكنيسة بـ (سوريايي) أي سورايي)، والسريانية من سورية، آسوريا، آشور. وهي لغة الطقوس وبها وضع آباء التراث السرياني والعلماء الذين أنجبتهم كنيسة المشرق مصنفاتهم التي تشكل إرثاً عظيماً. وعرفت بالشرقية للفظها المفتوح وخطها المنحوت، بالغربية للفظها المضموم وخطها الماثل (سرطو)، يوحد الخطين خط قديم يعرف بالاسطرنجيلي (الخط المستخدم في تدوين الأنجيل)، دونت به الأسفار المقدسة والمخطوطات القديمة.

والجماعات الكنيسة المشرقية متكونة من أقوام شتى، هم أحفاد السومريين والبابليين والكلدانيين والأشوريين والأراميين، كما من القبائل العربية التي في العراق والمناطق الشمالية والغربية والجنوبية والخليج، ومن اليهود الشتات، ومن الشعوب الأيرانية والتركية والأفغانية والهندية والصينية والتتارية وغيرها، أي من جميع من أحتضنتهم كنيسة المشرق ووحدتهم أماً ومعلمة، في الأيمان والطقوس والرئاسة والشركة، بروحية غلبت عليها مسحة مشرقية، أساسها لغة واحدة وشعب واحد وحضارة واحدة. وحين تشتد الخصائص عبر الزمن، تصبح أيضاً من العوامل التي تؤدي الى أنحسار بعض الأطراف، كما حصل لكنيسة المشرق، منذ القرن الرابع عشر خاصه، فإن (المثاقفة) أمر ليس سهل المنال، والقبول، والأستمرار.

وما زال الأثوريون، ومعظم الكلدان، وبعض السريان، في أي بلد وجدوا وأستقروا يتحدثون بالسورث لغة أم. وقد وحد الأثوريون لهجاتهم في أواسط القرن 19 في لسان جديد (لشانا خاثا)، بينما حافظ الكلدان على اللغة الفصحى (الكلدانية) في التدوين والطقس، وبقيت السورث لغة التخاطب، وأستخدموا لغة البلد للكتابة والتأليف.

المصادر: حبي، كنيسة المشرق الكلدانية الأثورية (1) ص17 (2) ص18 (3) ص19.

الموسوعة الكلدانية – كتاب تاريخ الكلدان صفحة 25 – 27.

الناشر/ شامل يعقوب المختار

عن شامل يعقوب المختار

شاهد أيضاً

عام جديد، فرصة جديدة لك للتوبه

دعونا في عام جديد لا نضيّع هذه الفرصة فالرب دائما ينتظرنا متشوقا لسماع صوتنا فلنندم …