الوحدة المسيحية: تاريخ وموقف …. ودور الكتاب المقدس في التأكيد عليها

 “إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ” (2 كو 5: 19،18،17).

وتستمر الدعوة الى المجد لمن ينادي بتحقيق الوحدة المسيحية، اقول لنجعلها واقع يجب أن يعيشه الجميع وان تكون إشارة البشير يوحنا، “لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ.” (يو 17: 22،21).                                               

انها مناسبة ودعوة أطلقتها كنائس العالم منذ أكثر من100 سنة خلت إلا أن الإعلان عنها ما يزال حلم يراود المؤمنين المجتمعين باسمك، ففي 18 كانون الثاني  يبدا أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحية و هو موقف تاريخي من أجل المسيحيين في العالم ليؤكدوا معنى الوحدة مع الرب يسوع : “يا أَبَتِ القُدُّوس اِحفَظْهم بِاسمِكَ الَّذي وَهَبتَه لي لِيَكونوا واحِداً كما نَحنُ واحِد”( يو17: 11)، وهذه الفكرة دعى اليها في  1908 الاب بول واتسون بمبادرة الصلاة لأسبوع من أجل وحدة المسيحيين في العالم يمتد من يوم تذكار قيام كرسي بطرس في روما الى تذكار ايمان الرسول بولس**، و محاولة أخرى عام 1933 من الأب  بول كوتورييه من بلجيكا وفي عام 1935 اشترك الأرثوذكس بهذا الأسبوع، واستمرت المحاولات الى يومنا هذا. 

المسؤولية المسيحية تتطلب منا مضاعفة الصلاة من أجل الوحدة لأن مصير المسيحيين لاسيما في بعض ارجاء المعمورة في حالة الاضطهاد سواء أكانوا كاثوليك أم أرثوذكس أم غيرهم.  جميعنا نعيش في إله واحد، ومسيح واحد وعماد واحد، كما قرباننا واحدًا، وأعيادنا رغم اختلاف بعض تواريخها الا انها واحدة، فلنسر على خطى السيد المسيح الواحد والتي تتجسد بالشراكة في تناولنا لجسد ودمه، لأن الكنيسة هي جسد المسيح وهو رأسها، وقد اتخذ تلاميذه الصلاة هدفًا للوحدة، فالقديس بولس يرجوا مسيحي كورنتس: “أُناشِدُكم، أَيُّها الإِخوُة، باِسم رَبِّنا يسوعَ المسيح، أَن تقولوا جَميعا قَولاً واحِداً وألا يَكونَ بَينَكُمُ اختلافات، بل كُونوا على وِئامٍ تامّ في رُوحٍ واحِدٍ وفِكرٍ واحِد”(1 كور 1، 10)، أن الانقسام في الكنيسة هي تجربة الشر رغم أسباب الانقسام بين الكنائس وما ورائه دومًا الكبرياء والأنانية التي تجعل البعض غير قادر على قبول من يختلف معه بالفكر و الموقف.

ونحن اليوم بأمس الحاجة الى الصلاة من أجل الوحدة بعد الفي عام ونيف من الجهد لألاف اللاهوتيين والمفكرين الذين عملوا من اجل الحفاظ على البشارة وايصالها الينا مع اباء الكنيسة والعاملين فيها وان نكون جميعا مع الرب يسوع في الصلاة إلى الآب من أجل الوحدة والرجاء.  

 والبابا فرانسيس في عظته يقول ” لكننا أخوة واخوات في المسيح هذه نعمة كبيرة، يجب أن نكتشف هذه النعمة ونرحب بعضنا بالبعض، نحن نؤمن بقوة الصلاة، والوحدة تبدأ بالصلاة. والله يساعدنا، ويفتح عقولنا وقلوبنا لقبول الأمم والشعوب والأجناس الأخرى، لذلك يمكننا أن نعمل معا باسم الله ونكون متحدين. ولكي نكون متّحدين من المهم أن يفهم بعضنا بعضا، ويكون لدينا الرغبة في سماع الآخر كأخ وأخت بهدف خلق مجتمع يسوده الحب والسلام، وهذا هو سبب مجيء المسيح إلى العالم، حتى ولو كنا ننتمي إلى طقوس وثقافات مختلفة، جميعنا نُعتمد بنفس الطريقة، انها واحدة بالمسيح وننتمي جميعا إليها”.

فالوحدة المسيحية تبنى وتستكمل بمقدار ما يسعى كل منا للاتحاد بالمسيح، أنا أتحد بالآخر المسيحي بمقدار ما أسعى أنا وإياه إلى أن نكون في وحدةٍ مع المسيح أيهــا الــربّ يســوع يـا مَن في ليلـة إقبالـك علـى الموت من أجلنــا صلّيـتَ لكـي يكــون تلاميـذك بأجمعهــم واحــداً كما أنّ الآب فيـك وأنـتَ فيــه، اجعلنا أن نشعــر بالألم لانقسامنـا وامنحنا يــا ربّ  أن نجتمــع كلّنـــا فيــــك، بــلا انقطاع  للصلاة من أجل الوحـدة المسيحيّة، كمــا تريـدها أنتَ، ولنجــد فيـــك أيهــــا المحبّــــة الكــاملـــة الطريـــق الذي يقـــود إليها.  

بارك يا رب كنيستنا واجعلها جامعة مقدسة رسولية واحفظ العاملين فيها، واعطي القوة لرؤسائها كي يعيدوا وحدتها خدمة لنا ولأجيالها القادمة ….. الى الرب نطلب.

د. طلال كيلانو

—————————————————————————————–

**الاحتفال بتذكار ترك القدّيس بولس اليهوديّة، الى الإيمان بيسوع، وساعدنا رسول الأمم في مهمّتنا القاضية بإعلان خلاص المسيح للجميع، هذا التذكار ينظمّ عند قبر الرسول بولس في روما عند انتهاء من أسبوع الصلاة لأجل وحدة المسيحيّة (18 – 25 كانون الثاني)، ِعلما أنّ بولس الرسول هو الوحيد الذي يتمّ ذكّر ايمانه عبر الليتورجية كما في، “فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتًا قَائِلًا لَهُ: «شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟  فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ فَقَالَ الرَّبُّ:” أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ، صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ، فَقَاَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ، يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: قُمْ وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ”(أع 9: 6،5،4)  “فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ.” (1 كو 9: 20).

 ونقرأ في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية: “فَإِنَّكُمْ سَمِعْتُمْ بِسِيرَتِي قَبْلًا فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ، أَنِّي كُنْتُ أَضْطَهِدُ كَنِيسَةَ اللهِ بِإِفْرَاطٍ وَأُتْلِفُهَا، وَكُنْتُ أَتَقَدَّمُ فِي الدِّيَانَةِ الْيَهُودِيَّةِ عَلَى كَثِيرِينَ مِنْ أَتْرَابِي فِي جِنْسِي، إِذْ كُنْتُ أَوْفَرَ غَيْرَةً فِي تَقْلِيدَاتِ آبَائِي، وَلكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ” (غل 1: 15،14،13).

عن د. طلال فرج كيلانو

شاهد أيضاً

عام جديد، فرصة جديدة لك للتوبه

دعونا في عام جديد لا نضيّع هذه الفرصة فالرب دائما ينتظرنا متشوقا لسماع صوتنا فلنندم …