….. علينا دائما الاستذكار المؤلم للاضطهاد والإرهاب الذي أصاب المؤمنين الذين قضوا بالشهادة كشهداء للأيمان المسيحيّ الأوائل منهم والى يومنا وشهداء الاقباط منهم الذين استشهدوا في 15 فبراير عام 2015، الموافق 8 أمشير، ليبيا…. ( 1 ) أعزائي القراء المباركين انها معمودية الدم* والتي هي كل من يؤمن بالمسيح ويموت شهيد إيمانه، يُعَدُّ استشهاده “معمودية ” وهي أعظم من معمودية الماء.( 2 )
قالوا أباء الكنيسة الاوائل ان دماء الشهداء بذار الإيمان، ليمنحوا الروح إلى نبت جديد، وهذا ما لاحظناه على مر العصور والى يومنا، و صورة الثبات لمن يتقدم للشهادة ووقفته المعلنة نحو الايمان يمهد لنا لهذا الثبات، والذي يثار هنا ما الذي يدفع لهذه الفضيلة التي تتمثل في الشهادة أذ لا يوجد في كل تاريخ البشرية شهداء مثل شهداء المسيحية، في حماسهم وشجاعتهم وإيمانهم وصبرهم بالاستشهاد، فقد كانوا يذهلون مضطهديهم، بقبولهم الموت، من اجل المبادئ الروحية التي غيرت حياتهم الشخصية ومفاهيمها فضلا عن نظرتهم لها جعلتهم يقبلون على الاستشهاد فما هي:
1- أرتبط الاضطهاد للمسيحية وغالبا ما كان يواكبها، وأول ما تعرضت له كان من اليهودية إذ نشأة المسيحية في وسط مجتمعهم ورفضهم لها وحاكموا السيد المسيح وصلبوه، واضطهدوا أتباعه بالقتل والتعذيب أو بالوشاية وإثارة الشعب بالمقاومة الفكرية لها.. هذا من جانب والأخر هو، في أيام الاضطهاد اللاحقة كان يتم توجيه عبارة إلي المسيحي هي “لا حق لك في أن توجد” وهي تعبير عن مشاعر البغض والعداء نحو المسيحيين والتي أفضت إلي أنواع من العذاب والأهوال التي يصعب وصفها.
2- وفي عالمنا المعاصر نجد بعض المجتمعات وحكامها فضلا عن منظمات إرهابية تسعى الى تهجير المسيحيين وإضعاف الروح المعنوية لديهم، ونستطيع أن نميز هذا ونرى بوضوح والى وقت قريب أنه حينما تقطع رؤوس ويصلب البشر، ويلقون للوحوش المفترسة، ويقيدون بالسلاسل ويلقون في النار، وكل أنواع التعذيب، كل ذلك كي يتركوا إيمانهم، بل بقدر ما يكون العقاب بهذه الضيقات، بقدر ما ينضم اليها الكثير من البشر إلى الايمان باسم الرب يسوع المسيح.
3- لقد أثبت الاستشهاد أصالة الفضائل التي علمت على تأصيلها المسيحية، وتجسيدها في الأشخاص المعترفين والشهداء، الذي لم تقوى آلامهم على تحويلهم عن الفضيلة وسموها، وهذا أمر يفوق الطبيعة كما انه من عمل النعمة داخل قلب الإنسان المؤمن التي حولت الحزن إلي فرح والضيق إلي تعزية، أما السبب في ذلك هو:
أ- قيمة الأيمان الشخصي الذي يقوم على المجاهرة بيسوع المسيح ومحبته ، “فَلْيَعْلَمْ يَقِينًا جَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ أَنَّ اللهَ جَعَلَ يَسُوعَ هذَا، الَّذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ، رَبًّا وَمَسِيحًا” (أع 2: 36)، “لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ”( روم 10: 9)، لكونه الشاهد الأمين وحده، “وَمِنْ يَسُوعَ الْمَسِيحِ الشَّاهِدِ الأَمِينِ، الْبِكْرِ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَرَئِيسِ مُلُوكِ الأَرْضِ: الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ،” (رؤ 1: 5)، وعلى التلمذة له والثبات في حبّه واتّباعه حتى النهاية، فضلا عن وعد الرب يسوع كل الذين يتألمون من أجله، وتشجيعه لهم عن طريق الرؤيا والظهورات.
ب- قيمة حبّ إجتماعيّة ايمانية ودينية، تلتزم بخدمة الإنجيل “فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَال مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ، فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هذِهِ الْحَاجَةِ.” (أع 6: 3)، وخدمة الكنيسة “لأَنَّهُمْ أَعْطَوْا حَسَبَ الطَّاقَةِ، أَنَا أَشْهَدُ، وَفَوْقَ الطَّاقَةِ، مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ”(2 كو 8: 3) وتقابله شهادة الله نفسه عن رضاه، هو الذي يعرف ما في القلوب، “وَاللهُ الْعَارِفُ الْقُلُوبَ، شَهِدَ لَهُمْ مُعْطِيًا لَهُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضًا.” (أع 15: 8)، فضلا عن تعاطف الكنيسة كلها مع المتقدمين للشهادة وتدعيمهم معنويًا وروحيًا.
ج- قيمة رجاء الرسالة والاندفاع لزفّ بشرى الإنجيل، “وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ هذِهِ فِي كُلِّ الْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ الأُمَمِ. ثُمَّ يَأْتِي الْمُنْتَهَى.” (مت 24: 14)، ولمتابعة رسوليّة الرسل التبشيريّة، “لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ”(أع 1: 8)، ومواصلة شهادتهم على أنّ الله الثالوث قريب من كلّ إنسان ويدعوه إلى وليمة الفرح (متى 22: 1)، فضلا عن الإحساس بالفخر بشرف الشهادة من أجل الإيمان، والمجد العظيم الذي ينتظر كل من يتألم من أجل الله.
4– نعجب عندما نرى والى عهد قريب محاكمات تعسفية منذ المحاكم الرومانية ومنظر المسيحيين الأبرياء الضعفاء وهم يقفون أمام أباطرة وحكام وقضاة وثنيين بما لهم من الجبروت والغطرسة والظلم وحولهم خصومًا، لكن كان لهؤلاء المسيحيون قوة وعاناد أذلوا قضاتهم بعد أن فشلوا في إخضاعهم، كل هذا وهم في صبر مذهل واحتمال عجيب وإيمان لا يلين.. صورة إنجيلية فيها الكلمات وقد تحولت إلى أعمال حية وشهادة ناطقة، وكان أول سؤال في المحاكمة هو “هل أنت مسيحي؟” وكان مجرد اسم “مسيحي” -في نظر الدولة الرومانية- في حد ذاته يحمل أبشع جريمة تلصق بصاحبها الشبهة بالعصيان وتدنيس المقدسات، وأما المسيحيون كان لهم ردا واحدا لا يتغير “أنا مسيحي” فيصيح الدهماء** “الموت للمسيحي” وما اشبه اليوم بالأمس عندما سيطر الظلاميون على مدينة الموصل وتصرفوا على شاكلة الرومان في إرهاب وتهجير المسيحيين منها.
5– الشهادة لها صفات خاصة في نفوس بعض البشر وخاصة من تم اصطفاء المنشود منهم.. فالشهداء سئلوا عن إيمانهم فجهروا به، وأعلنوه في قوة وفي جرأة، وكانت شهادتهم كرازة في الايمان المسيحي لجميع الاحياء الذين سمعوا بها وكثيرا ما ربحت هذه الشهادة لملكوت السماوات جموعا آمنوا بالمسيح.
6– الاستشهاد معناه الوفاء والاعتراف وتقدير وتكريم وتذكير بكلمات الرب يسوع المسيح حين قال “فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” (مت 10: 33،32).
بصمودهم وصبرهم، فمن أراد أن يتمثل بهم، وبثباتهم في المسيح هذا يعزز شهادة الإباء الأولين ان دماء الشهداء بذار الإيمان.
معني الاستشهاد لغويا:
يقال في اللغة العربية استشهد بمعني قتل في سبيل الله هذا هو المعني الاصطلاحي، لكن المعني الاشتقاقي لكلمة الاستشهاد مشتق من الشهادة، فاستشهد بمعني سئل للشهادة، أو طلب للشهادة، والشهادة هنا للإيمان الذي يدين به الإنسان ويذود عنه، هناك بعض من يقرؤها استشهد، فلان أي طلب للشهادة، فشهد للإيمان الذي يؤمن به، أي اِستِشهاد: (اسم) مصدر اِسْتَشْهَدَ ضَمَّنَ الْمَوْضُوعَ اسْتِشْهَادَاتٍ لِتَدْعِيمِ رَأْيِهِ: ما يَسْتَشْهِدُ بِهِ مِنْ أَقْوَالِ الآخَرِينَ وَكِتَابَاتِهِمْ الاسْتِشْهَادُ بِقَوْلٍ أَوْ بِرَأْيٍ شَهُدَ: (فعل)، اِستَشهَدَ: (فعل)، استِشهادًا ، فهو مُستشهِد ، والمفعول للمتعدِّي استشهد على رأيه بكذا: دلَّل عليه، أكّده، اِسْتَشْهَدَ الْمُجَاهِدُ : تَعَرَّضَ أَنْ يُقْتَلَ في سبيلِ اللَّهِ استشهد الشَّخصُ: تعرَّض للقتل في سبيل الله؛ طلب الشَّهادة أُستُشهِدَ: (فعل)، استشهادًا ، والمفعول مُستشهَد اُسْتُشْهِدَ.( 5 )
وتأسيسا على ما تقدم دخلت المسيحية حينها والى يومنا:
في التأسيس للاهوت الشهادة والاستشهاد المقترن بسرّ تجسّد المسيح وموته وقيامته. فهو مثال الشاهد للحقّ والشّهيد بدمه فأصبحت الشهادة له تمثّلًا بحبّه وتماهيًا معه واستشهادًا باسمه. واتّخذت الشهادة بذلك قِيَمًا أساسيّة في:
1– في تحدي المحبة المسيحية الفكري والعقائدي الطويل مع الأمم القديمة والحديثةوبما لها من سلطة الدولة وقوة السلاح وقد وصل هذا الصراع معها إلي حد الاستشهاد الفردي والابادة الجماعية أحيانا لكل من هو مؤمن بالمسيحية، وكان التحدي غير متكافئًا إذ لم يكن للإيمان ما يسنده من قوة زمنية، سوى الإيمان ودرع البر وخوذة الخلاص وسيف الروح، وكما في التعليم التالي: “الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا، فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ، حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ”( أفس6 :11الى16).
2– في الشهادة والاستشهاد التي يشير اليها الكتاب المقدّس تكتمل في:
الشَّهيد هو الذي أدّى شهادة الإيمان بالمسيح في أعماله وأقواله وتوَّجها بشهادة الدّم، وعندما أقامَ الربّ يسوع رُسله شهودًا موصوفين لتعاليمه وقيامته، وضع أمامهم احتمال الموت من اجلها “هَا أَنَذا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَالْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ. وَلكِنِ احْذَرُوا مِنَ النَّاسِ، لأَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ، وَتُسَاقُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلأُمَمِ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي، وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ، وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ”(متى10: 16، 17، 22، 28) إنّهم بذلك يؤدّون لله وللمسيح شهادة “الحبّ الأعظم”، على ما أكّدَ الربّ في الإنجيل: “لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ.” (يو 15: 13). ونجد في سفر رؤيا يوحنا اسم “شهود” يطلقه يوحنا الرّسول على الذين شهدوا للكلمة حتَّى بذل الذات: ” وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ، وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: حَتَّى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ الْقُدُّوسُ وَالْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ السَّاكِنِينَ عَلَى الأَرْضِ” (رؤيا 6: 10،9).
3- في اعتبار ان الكنيسة قدمت الشهادة كمعموديّة، وبالإشارة الى ما قال القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: “لا تتفاجأوا إذا اعلنت لكم أن الشهادة معمودية. فكما أن المعمَّدين يغتسلون بالماء، كذلك الشهداء يغتسلون بدمائهم”، في صلاة نقول: وفي تعلّيم الكنيسة أيضًا “أنّ واجب المسيحيّين، الذي يقتضي منهم المساهمة في حياتها، إنّما يدفع بهم إلى السلوك كشهود للإنجيل وللموجبات الناتجة عنه. هذه الشهادة هي نقل الإيمان بالأقوال والأفعال، وهي فعل عدالة يوطِّد الحقيقة أو يعرّف بها “أيها الربّ يسوع، بعمادك في ماء الأردن، بدأت درب الجهاد والألم، حتى الشهادة وعماد الدم. كذلك اعتمد شهداؤك بدمائهم”. لقد حرصت الكنيسة على أن تجمع بعناية كبيرة تذكارات الذين بلغوا إلى النهاية في إعلان إيمانهم. وهي أعمال الشهداء التي تشكِّل محفوظات الحقيقة المكتوبة بحروف من دم. ( 3 )
4– في إعلان التطويب والتقدّيس تضع الكنيسة قواعد لتمييز الشّهداء** في وثيقة سامية بعنوان”أمّ القدّيسين” (Sanctorum Mater)، التي تعتبر كقاعدة عامّة وتعلم عن كيفية بذل الذات من أجل المسيح، هو الطريق نحو القداسة. وتعتبر أنّ الاعتراف بالاستشهاد يعفي من المعجزة المطلوبة. فهي تُجري تحقيقًا دقيقًا حول حياة الشخص واستشهاده وشهرة الاستشهاد والعلامات (المادة 31، بند2). وتولي أهميّة خاصة لشهرة الاستشهاد التي هي الرأي السائد عند المؤمنين بأنّ خادم الله، أو خادمة الله، لإعلان قداستهم قد ماتوا من أجل إيمانهم أو من أجل فضيلة المرتبطة بالإيمان، اذ يُفترض بالاستشهاد أن يكون قبولاً حرًّا، لا أن يطلبه الإنسان أو يبحث عنه. لذا، تدعو الكنيسة كلّ مؤمن ومؤمنة ليكون مستعدًّا للموت من أجل الإيمان بالمسيح، لا أن يطلباه. وفوق ذلك، يجب التأكد من أنّ سبب الاستشهاد هو الإكراه في الدِّين من قِبَل المضطهِد أو الحضّ على إنكار الإيمان، بشكل مباشر أو غير مباشر، من دون اعتبار الأسباب السياسيّة أو الاجتماعيّة أو ما شابهها. وهذا ما لفت إليه البابا بنديكتوس في رسالته. ( 4 )
الاخوة المتابعين للموضوع هذا هو الجزء الأول منه، وقريبا الجزء الثاني لذلك ارجوا الانتظار مع محبتي والتقدير لكل من شارك بقراءة هذا الموضوع ويترحم على الشهداء، مكانهم في الملكوت مع الابرار والقدسين ولنا جميعا الرحمة والمغفرة، ولكنيستنا المجد والفخار بما قدمه الشهداء من تضحية وعطاء في سبيل الايمان … المجد للشهادة والشهداء ….. الى الرب نطلب
د. طلال كيلانو
—————————————————————————————
*ذكرى شهادة المسيحيّين في ليبيا ولمناسبة “يوم الشهداء المعاصرين” الذي نظّمته أبرشيّة الأقباط الأرثوذكس في لندن في 15 شباط 2021، وجّه البابا فرنسيس رسالة مسجّلة استذكر فيها الشهداء الأحد والعشرين الذين قُتِلوا في 15 شباط 2015، كما أعلن الفاتيكان أيضاً أنّ “يوم الشهداء المعاصرين هو ذكرى لشكر الرب على حياة مَن مارسوا إيمانهم المسيحي حتّى إهراق الدم، وهو يوم للتوعية على مأساة مَن ما زالوا يُضطَهَدون لأجل إيمانهم اليوم”.
1- الكنيسة القبطية تقرر: اعتبار ذكرى استشهاد الأقباط في ليبيا عيداً لـ (الشهداء) كان الإعلان عنه في الجمعة 02-06-2017 كما قرر المجمع المقدس بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، برئاسة البابا تواضروس الثاني، وحضور 109 أعضاء من الآباء المطارنة والأساقفة ووكيلي البطريركية للقاهرة والإسكندرية، ذكرى استشهاد الأقباط في ليبيا، في 15 فبراير عام 2015، الموافق 8 أمشير، والذى يوافق ذكرى دخول المسيح إلى الهيكل، عيدًا لشهداء الأقباط في العصر الحديث، وقرر المجمع أيضاً خلال اجتماعه السنوي الذى عقده، أمس الجمعة، بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، عمل توثيق تاريخي شامل لهذه الأحداث لتخليد ذكرى الشهداء والمصابين المعاصرين، بجانب إنشاء قسم خاص بالأسقفية العامة للخدمات الاجتماعية يختص برعاية أسر الشهداء والمعترفين.
2- والواقع أنه لخروج الماء والدم من جنب السيد المسيح دلالة أخرى هي أنه من جنبه خرجت الكنيسة بالماء والدم من خلال المعمودية الواحدة سواء كانت المعمودية بالماء أو بالدم لأن الروح هو الذي يشهد في الحالتين. وهذه هي الشهادة: “وَهذِهِ هِيَ الشَّهَادَةُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَانَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَهذِهِ الْحَيَاةُ هِيَ فِي ابْنِهِ، مَنْ لَهُ الابْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابْنُ اللهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ” ( يوحنا الأولى 5 : 11 – 12 )، هذه الحياة الأبدية ننالها من خلال المعمودية سواء بالماء أو الدم والتي فيها نصلب ونموت وندفن مع المسيح لنقوم معه أيضا، لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ. (رومية 6 : 5 )، لهذا يقول بولس الرسول مع المسيح “مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي.” (غل 2: 20).
3- (منشور التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، الفقرة عدد2472/2473/ 2474).
4- البابا بندكتوس السادس عشر في رسالته إلى مجمع دعاوى القدِّيسين سنة 2006. **الهمج والرعاع والغوغاء، والدهماء والزعر والسريحة.. يعنى إيه فى اللغة؟ زعيم الدَّهْماء: قائد يحصل على قوّته عن طريق المناشدة المشوبة والمثيرة لغضب الجماهير.
5- (معنى استشهاد في معجم المعاني الجامع – معجم عربي عربي) **في الكنيسة الكاثوليكية ، و مجمع دعاوى القديسين ( اللاتينية : Congregatio دي Causis ملزم sanctorum )،التي تشرف على عملية معقدة يؤدي إلى تقديس من القديسين ، ويمر من خلال خطوات إعلان “البطولية الفضائل ” والتطويب . بعد تحضير القضية، بما في ذلك الموافقة على المعجزات، تُعرض القضية على البابا، الذي يقرر المضي في التطويب أو التقديس أم لا.