يذكر إنجيل متى مرّتين، حديث ليسوع عن الأشجار الرديئة والأشجار الجيّدة وعن ثمارها في (متى 7: 17-20) وفي نَص تأمُّلنا اليوم أيضاً. فكيف نَفهم هذهِ الكلمات؟ في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيَّة نقرأ: «الله “الكائن”، كشَفَ عن نفسِهِ لإسرائيل على أنّه الكائن “الكثيرُ المَراحِمِ والوَفاء” (خر 34: 6). هذهِ الألفاظ تُعبِّر تعبيراً مَرصوصاً عن كنوز الاسم الإلهي. الله يُظهر في جميع أعماله عَطفه، وجودته، ونعمته، ومحبّته، كما يُظهر أيضاً وفاءَه، وثباتَه، وأمانتَه، وحقيقته. “أحمَدُ اسمَكَ لأجلِ رَحمتِكَ وحَقِّكَ” (مز 138: 2). إنّه الحقُ لأنَّ “الله نورٌ لا ظلامَ فيهِ” (1 يو 1: 5)؛ وهو “مَحبّة”، على حد ما يعلِّم يوحنا الرسول (1 يو 4: 8)» (عدد 214).
ربما تكون الخطايا المرتكَبة بالكلمات هيَ أكثر الخطايا الّتي نعترف بها كثيراً. كلمات مثل الثرثرة عديمة الفائدة … كلمات مثل النَميمة الخبيثة: النَقد، التَذَمُّر …الكلمات كأشكال مِنَ العدوان وجرائم عُنف أكثر أو أقل، مُدمِّرة إلى حَدٍّ ما … كلمات لا تَحترم قداسة الله والقديسين … لكن غالباً ما نعترف بهذه الخطايا المرتكَبة بالكلمات، ونادراً ما نَشعر بِها على أنَّها مُشكلة خطيرة. يعلن يسوع في صفحة الإنجيل هذهِ أنَّ الكلمات لها أهميَّة كبيرة.
في الواقع ، يُذكِّرنا يسوع أنَّ الكلمات الّتي نقولها تكشف حقيقتِنا ومَنْ نحن: “إجعَلوا الشَّجرَةَ جيِّدةً تحمِلُ ثمراً جيداً. وأجعَلوا الشَّجرَةَ رديئةً تَحمِلُ ثَمَراً رديئاً: فالشجرَةُ يَدلُّ علَيها ثَمَرُها”. بالفعل فثِمارنا تكشف مَنْ نَحنُ في أعماقِ أنفُسِنا: يؤكد يسوع في الواقع أنَّ الكلمات الّتي تَخرج مِنْ أفواهِنا تأتي مِنَ القلب: “لأنَّ مِنْ فَيضِ القلب يَنطِقُ اللِّسانُ”(آية34): ما يَفيض في القلب، يَخرج مِنَ الفم. في الكتاب المقدَّس، القلب هو الذات العميقة، الّتي هيَ مُديرة الحياة كلها. لذلك يجب على كُلِّ واحدٍ مِنَّا أنْ يسأل: ” ماذا تكشِف عنّي الكلمات الّتي أتَفوَّه بِها؟ هل تُظهِر أنَّني نَبتَة جيَّدة أم لا؟ كيفَ هو حال قلبي؟ مَنْ أنا؟
ولكن في الأساس، تَسمح لنا تصريحات يسوع هذه بتَطوير انعكاس آخر: “إذا أخذتَ في الحسبان مَنْ أنت، فيُمكِنك أنْ تجعل كلماتك فرصة هائلة لإعطاء ثماراً صالحة”.
فمَنْ نحنُ؟ دعنا نأخذ صورة النبات مَرَّة أُخرى على مَحمَل الجَد ونُفكّر بأنَّنا: نحنُ أغصان الكرمة الحقيقيَّة، الّتي هيَ يسوع، وبالتالي يمكِنُنا ويجب علينا أنْ نُعبِّر عن الكلمات الَتي تستقبل الليمفاويَّة الحيويَّة مِنَ الرَب. كَم هوَ مُهم أنَّه مع الصلاة نُنَمّي شركة الحياة هذهِ مع الرَب، ونَجعل كلمَته تنتَشر أكثر فأكثر في أذهانِنا وقلوبنا: تَصبح مفردات الرَب أكثر فأكثر مُفرداتِنا!
يكتب كتاب التعليم المسيحي يقول: “يُشارك الإنسان الخالق في حكمتِهِ وجودتِهِ. والخالق يَمنَحه التَسلّط على أعمالِهِ، والقُدرة على التّحكّم بِذاتِهِ في سبيل الحقيقة والخير. وتُعبّر الشريعة الطبيعيَّة عن الحسّ الأخلاقي الأصلي، الّذي يَسمح للإنسان أنْ يُميّز بالعقل ما هو الخير والشّر، والحقيقة والكذب: إنَّ الشريعة الطبيعيَّة مكتوبةٌ ومحفورةٌ في نفس كُل الناس وكُل إنسان، لأنَّها العقل البشري الّذي يأمر بالعمل الصالح ويَنهى عن الخطيئة. (…) ولكنّ ما يَرسمَهُ العقل البشري لا يمكن أنْ تكون له قوّةُ الشريعة، ما لم يكن صوتاً وترجمةً لعقلٍ أعلى لا بُدّ أن يخضع له عقلنا وحريّتنا” (عدد 1954).
دعونا نتأمّل بهذه الكلمات ونَنظُر إلى قلوبِنا ونَسأل ما الّذي يفيض؟ فإذا كانت قلوبنا هيكل الله، والله يجعل رَحمَتِه اللامَحدودة تَسكن في ضآلةِ قلوبِنا: بهذه الرَحمة يجب أنْ تَفيض قلوبنا وتصبح كلماتنا كلمات مُثمِرة. ولا ندّعي بأنَّ الكلمات البذيئة أصبحت عاديَّة في فَمِنا، لأنَّها ستكون لِدينونَتِنا أمام الملك العظيم.
بقلم : الأب سامي الريّس