كاتدرائية أم الأحزان في بغداد

كاتدرائية أم الأحزان في بغداد (1) بقيت طائفة الكلدان تملك كنيسة صغيرة تلك التي كان تاريخ بنائها سنة 1843 رغم أن أبناء الطائفة كانوا بأزدياد نظراً لهجرة الكثيرين من مدينة الموصل وقراها الى بغداد ابتغاء العمل والرزق. في 19 نيسان 1888 قدم بغداد البطريرك ايليا عبو اليونان لزيارة رعيته، ورأى حال الكنيسة المزري ففكر بمشروع كبير عبر عنه في احدى رسائله وقال: “رأينا الضيق الحاصلة لجماعة بغداد من جراء صغر البيعة التي قد أصابها خلل بعقدتها على حالها . . وحددنا محل البيعة الجديدة . . عرضا نحو 22 متراً . . طولاً 44 متاراً من الخارج وأرتفاعها 13 متراً . . وقد عرضنا الكيفية لدولة الوالي عاصم باشا فكشف . . وأعطانا بيدنا مضبطة مختومة من أعضاء الادارة ودولة الوالي”.

في 17 آذار 1889 وضع (2) البطريرك ايليا عبو اليونان حجر الأساس لمشروع الكنيسة الجديدة بأحتفال عظيم ثم عين البطريرك لجنة تشرف على العمل وجمع التبرعات وطلب من الخوري عبد الاحد معمار باشي الموصلي وضع تصميم للكنيسة فقد عرف عن الرجل براعته بتصاميم الكنائس. واستشاروا في بغداد فيما بعد بمهندس فرنسي يدعى “المسيو جاكري”.

لقد أستعملوا للاعمدة الرخام الموصلي وكان ينقل بالاكلاك الى بغداد وبالرغم من أن الأسس كانت عريضة فبعد أرتفاع الجدران تخوفوا من ميلانها “فصار القرار أن قوة الحيطان” ويضيف بالحديد فيزول خطر حيطان الكنيسة واما الأروقة فلاجل زيادة قوة الحيطان” ويضيف أن المهندس المسيو جاكري قال لنا أن نعتمد على رأي القس عبد الأحد في التعمير لا غير. وهو يشتغل في التعمير بكل همه ونشاط. وعند بناء الاعمدة جاء الى الموصل نقارون مختصون بهذا العمل وعلى رأسهم الخواجا سليمان معمار باشي اما الاسطة البغدادي فكان أسمه قدوري ومعه أخر يدعى كرز.

كان العمل يسير على قدم وساق لكنه في الواقع كان أكبر وأعظم من أمكانيات جماعة بغداد والحقيقة ان الكنيسة كانت كبيرة جداً بالنسبة الى عدد الكلدان في ذلك الحين “أن الغرباء الذين يطلعون على هذه الكنيسة يتعجبون ويقولون: غير ممكن جماعة مثل هذه تقيم هذه الكنيسة” وقد توقف العمل فترة قصيرة لضيق اليد.

توفي(3) البطريرك عبو اليونان سنة 1894 ولم يتمتع برؤية ثمرة اتعابه “كنيسة الكرسي” منتهية وخلفه البطريرك عبد يشوع خياط سنة 1895 فتبنى المشروع واوصله الى نهاية حميدة سنة 1898 وقدم الى بغداد في 25 أذار 1898 وقام بأفتتاحها رسمياً في 27 تشرين الثاني 1898 وفي السنة التالية أنتقل الى جوار ربه في 6 تشرين الثاني 1899 ودفن في الكاتدرائية الكبرى ولاتزال قائمة وقد جددت في الأعوام الاخيرة.

وفي 9 تموز 1900 أنتخب (4) يوسف عمانوئيل الثاني بطريركاً ونصب في 24 تموز وثبت في 17 أيلول 1900 في الموصل وكان يتردد الى بغداد بين مدة وأخرى ويقوم بالمراسيم الدينية في كنيسة أم الأحزان وكانت له مواقف وطنية مشهودة أبان تكوين العراق وتعيين الحدود الدولية ومواقفه الوطنية في جعل لواء الموصل من ضمن المملكة العراقية وأعترفت له الحكومة العراقية بهذا الفضل فتعينه عضواً في مجلس الأعيان العراقي. توفي في الموصل في 21 تموز 1947.

عندما أستلم (5) مار يوسف السابع غنيمة دفة البطريركية في 1947 ونقل الكرسي البطريركي الى بغداد فكر في بناء كاتدرائية جديدة عوض كاتدرائية أم الأحزان التي كانت منطقتها قد أصبحت تجارية أكثر منها سكنية كما أن الكلدان بدأوا يتركون عقد النصارى ويسكنون الكرادة الشرقية ومن ناحية أخرى كانت مياة النزيز تنخر المنطقة تدريجياً وفعلاً تم تشيد كنيسة مار يوسف في الخربندة وأفتتحت في اذار سنة 1956 فكانت كاتدرائية مار يوسف الجديدة تنمو وتزدهر وكاتدرائية أم الأحزان تتقهقر وتهمل فكانت الاحتفالات الكبرى تقام في كنيسة مار يوسف بعد أفتتاحها.

وعندما أستلم (6) البطريركية الكلدانية البطريرك مار بولس الثاني شيخو سنة 1958 تألم جداً لوضع الكاتدرائية البطريركية لأنها في طريقها الى الخراب والأهمال وكان نزيز الماء قد تسرب اليها من تحت الأسس بسبب أنخفاض المنطقة وعدم وجود شبكة تصريف مياة الدور المجاورة فحاول غبطته أولاً اعادة (7) بعض المراسيم الدينية اليها الخاصة بالكلدان فقط، أما المراسيم التي تدعى اليها الطوائف الأخرى وكرسامة الأساقفة فكانت تقام في كنيسة مار يوسف في الخربندة وكانت أخر رسامة كهنوتية في الكاتدرائية يوم 30/12/1962 رسامة القس ابراهيم ابراهيم (سيادة راعي الأبرشية) وكانت المياة تحيط بالكاتدرائية من الخارج ومن الداخل أيضاً وكانت المطورات الكهربائية تسحب المياة من الكنيسة لتلقيها خارجاً لكنها كانت تعود من جديد. أقترح البعض (8) على غبطة السيد البطريرك أن تترك الكاتدرائية على حالها عرضة لظروف الزمان اما الأخر فأقترح هدم الكنيسة وأعادة بناءها من جديد في نفس المكان وفريق أخر أقترح تجديدها من الداخل والخارج ونصب مضخات كهربائية تسحب المياة من تحت الكنيسة الا أن غبطته قرر الحفاظ على الكنيسة والعمل على تجميلها وتخليصها من مياة النزيز وذلك بتجديد كل الأسس القديمة التي كانت الرطوبة قد أكلتها ووضع أسس جديدة ثم وضع مانع الرطوية. وتم بناء شبكة سواقي للمياة تحت الكنيسة لتجري المياة في هذه السواقي وتلقى في المجاري العامة. كما صممت للكنيسة واجهة جميلة تعكس التراث البابلي من جهة الشورجة من تصميم الأب اليسوعي، الذي صمم أيضاً جامعة الحكمة ودير الزعفرانية حيث فتح شارع عام يربط شارع الجمهورية بشارع الرشيد وأصبحت المنطقة تعم المارين اذ شيد في هذه المنطقة بالذات السوق العربي ليكون مجمعاً لبيع كافة أنواع الحاجات من قبل أمانة العاصمة وأنتهى العمل منها وفتحت (9) الكاتدرائية للعبادة من جديد وكان في 14/9/1963 وأحتفل غبطته بأول رسامة أسقفية في الكاتدرائية المجددة يوم 4 آذار 1968 بسيامة القس قرياقوس موسيس مطراناً على العمادية. وفي 2 حزيران 1968 أحتفل غبطته برسامة ثمانية كهنة جدد من المعهد الكهنوتي البطريركي في الدورة وبذلك يمكن القول بأن مار بولس شيخو اعاد مجد الكاتدرائية البطريركية، اذ منذ أيلول 1967 تحولت كل الأحتفالات الدينية من كنيسة مار يوسف في الخربندة الى كاتدرائية أم الأحزان ولا زالت رغم كون المنطقة تجارية أكثر مما هي سكنية.

وقد قام البطريرك بولس الثاني شيخو بأعمال جليلة وبنى الكنائس التالية في بغداد: كنيسة مار بطرس وبولس في الصالحية، كنيسة العائلة المقدسة في البتاوين، كنيسة سلطانة الوردية في الكرادة الشرقية، كنيسة قلب الأقداس في كراج الأمانة، كنيسة مار يوسف شفيع العمال في حي الزراعة، كنيسة أم المعونة في بارك السعدون، كنيسة الأنتقال في المنصور، كنيسة مار يعقوب المقطع في الدورة، كنيسة مريم العذراء حافظة الزروع في البياع، كنيسة مار كوركيس في بغداد الجديدة، كنيسة مار يوحنا المعمدان في الدورة، مصلى الصعود في منطقة قناة الجيش، كنيسة مريم العذراء في شارع فلسطين، كنيسة مار بيثون في حي البلديات، كنيسة الثالوث الأقدس في الحبيبية، كنيسة مار ماري في حي البنوك، كنيسة مار توما الرسول في حي نعيرية وقيارة، كنيسة مار بطرس في الدورة، كنيسة مريم العذراء في الحلة، كنيسة مريم العذراء في حي سوق الثلاثاء، وقد بنى المعهد الكهنوتي في بغداد وفيه كنيسة في الدورة. وبنى ثمانية مدارس.

وتوفي في بغداد يوم الخميس 13 نيسان 1989 ودفن في (11) كاتدرائية أم الأحزان في عقد النصارى يوم الجمعة 14 نيسان 1989.

بعد وفاة البطريرك بولس شيخو أنتخب صاحب الغبطة البطريرك روفائيل الأول (12) بيداويد بطريرك بابل على الكلدان المالك سعيدا في 21 ايار 1989 وتم تنصيبه في 26/5/1989 في الدير الكهنوتي في الدورة – بغداد في أحتفال مهيب ومنحه البابا يوحنا بولس الثاني الدرع المقدس والتثبيت في روما 9 تشرين الثاني 1989. وقد بنى البطريرك روفائيل كلية بابل للفلسفة والاهوت في الدورة.

المصادر: (1) بين النهرين العدد 32 سنة 1980 الأب الدكتور بطرس حداد ص429. (2) نفس المصدر ص430. (3) نفس المصدر ص431. (49 التقويم الكلداني ايار 1990. (5) نجم الكلدان العدد الأول السنة الثانية 1 حزيران 1986. (6) نفس المصدر السابق. (7) نفس المصدر السابق. (8) نفس المصدر السابق.. (9) نفس المصدر السابق. (10) نجم الكلدان العدد السابع السنة الخامسة 1 ايار 1989. (11) التقويم الكلداني تشرين الثاني 1991. (12) التقويم الكلداني كانون الأول 1991.

الموسوعة الكلدانية – كتاب تاريخ الكلدان صفحة 152 – 156.

الناشر/ شامل يعقوب المختار

عن شامل يعقوب المختار

شاهد أيضاً

عام جديد، فرصة جديدة لك للتوبه

دعونا في عام جديد لا نضيّع هذه الفرصة فالرب دائما ينتظرنا متشوقا لسماع صوتنا فلنندم …