المطبعة الكلدانية في الموصل (1) تأسست هذه المطبعة بجهود وأموال الشماس روفائيل مازجي 1815 – 1866 وهو كلداني من دياربكر أنتمى الى الرهبنة اللعازرية وورث عن عمه بدوش مازجي أموالاً طائلة فقرر تسخيرها في مشارع خيرية لفائدة طائفته كشراء دور وكاكين وتأسيس مطبعة وفتح معهد ديني.
قدم الشماس روفائيل الى الموصل ملبيا دعوة البطريرك يوسف السادس اودو فأنحدر في دجلة على متن اكلاك محملة بالحلل الكنيسة الفاخرة وادوات المطبعة وكمية كبيرة من الورق والحبر والة قص الورق وأخرى لسبك الحروف ولا نعرف أسم المطبعة التجاري أي علامتها لكن مصادر تخبرنا أنها فرنسية المنشأ. أختار في الموصل بعض الدور الملاصقة بكنيسة شمعون الصفا الأثرية وأخرى مقابلة لها فهدمها وعمرها لتصبح كموقع للمطبعة وجعل القسم المقابل للكنيسة مقراً للمطبعة أي حيث تقوم اليوم مدرسة بابل (الكلدان سابقاً) للبنات. وكانت المطبعة مجهزة بحروف كلدانية وعربية ولاتينية بثلاثة أحجام لكل منها وأما الورق والحبر فكانت كمياتها كبيرة.
قدم (2) البطريرك يوسف اودو أجازة تاسيس المطبعة وأشتغالها الى ولاة الأمور في 1 آب 1864، كما لم نعثر على الطلب الذي قدمه الشماس روفائيل مازجي كما لن نجد الأجازة الرسمية. أنتشر خبر أفتتاح المطبعة في مدينة الموصل فكان له أطيب الوقع في قلوب المواطنين وكانوا يتوافدون عليها لالقاء نظرة الأعجاب بها وبمؤسسها وقد نظم أحد الشعراء المعاصرين وهو شهاب الدين العلوي المليسي قصيدة في المناسبة وهذا مطلعها (قد تم عام يمنِ ، أناءُ دار الطباعة) طلب البطريرك يوسف اودو الى المازجي بطبع كتاب المزامير فكان أول كتاب يطبع بالمطبعة.
في غمرة (3) فرح المؤسس كتب ال مجمع أنتشار الأيمان في 7 ايار 1866 يقول: المطبعة سائرة تحت رعاية سيدنا البطريرك الجليل والأدارة المباشرة من قبل المطران كوركيس عبد يشوع خياط. وأنا اسعى لافتتاح المعهد وأطلب بركة الأب الأقدس ورضى نيافتكم. لكن الموت لم يهمل الرجل فأن مرض الكوليرا (وسمي الهواء الأصفر او الزوعة) أنتشر أرجاء الموصل وكان الشماس روفائيل أحدى ضحاياه اذ مات في نهاية تموز او مطلع آب 1866. وكان قد كتب وصيته الأخيرة في 21 تموز 1866 أوقف بموجبها أملاكه وأمواله والمطبعة على الطائفة وقد شيع الى كنيسة شمعون الصفا وقبره لا يزال فيها وعليه نصب.
منذ بدء عمل المازجي في الموصل كان البطريرك قد عين معاونه مار كوركيس عبد يشوع خياط (1828 – 1899) ناظراً على المطبعة لذا أكمل الشوط الحميد الذي بدأ به المازجي فطبع الكتب التالية: كتاب الصلوات الطقسية “قذام ودباثر” تاريخه 1866، وهو نفس مواصفات كتاب المزامير ورد في صفحة العنوان “مطبعة الكلدان” ولم يذكر فيها أسم المازجي وفي الصفحة الثانية “طبع بأمر مار يوسف اودو البطريرك ومتابعة مار عبد يشوع المطران نائبه” وطبع ستة كتب أخرى.
وفي أخر (4) عهد البطريرك اودو حدث أنقسام في الطائفة وأستفحل أمره بعد وفاته فوضع المنشقون أياديهم على معظم الكنائس وعلى المطبعة أيضاً كما ورد في رسالة البطريرك عبو اليونان الى الخوري يعقوب نعمو سنة 1830، اذ يقول (ضبطوا المطبعة ودارها). وفي سنة 1885 تمت المصالحة بين أفراد الطائفة وعادت المطبعة الى البطريركية. وفي 1894 توفي (5) البطريرك عبو اليونان وأقيم مار عبد يشوع خياط بطريركاً. وفي سنة 1896 وجه غبطته كتاباً الى البابا لاون الثالث عشر بخصوص القضية اللمبارية وطبعه ونشره باللاتينية وطبع بحروف المازجي. بعد وفاة خياط 1899 أنتخب البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني سنة 1904 فواصل طبع الكتب المدرسية والطقسية ونقلت المطبعة الى المدرسة الكلدانية وهي غرف تقع بين المدرسة الاكليريكية وكنيسة شمعون الصفا وفيها اشارة أن المطبعة هي ( ليطرغراف – تيبوغراف).
في نهاية (6) الحرب العالمية الأولى حاول الكاهن الشاب القس سليمان الصائغ أعادة الحياة الى مطبعة المازجي وغسل المطبعة ونضدة الحروف فوجد الحروف الكلدانية سالمة كاملة وكذلك اللاتينية أما العربية فلم يجد لها أثر. وطبع فيها بعض الكراسات الصغيرة، لكن القس سليمان غادر مدينة الموصل في تلك السنوات وطلبت البطريركية أجازة جديدة من الحكومة العراقية فحصلت عليها بأسم الخوري يوسف غنية. وأخذ المعهد الكهنوتي على عاتقه تشغيل المطبعة بهمة رئيسه القس عمانوئيل رسام فتم طبع خمسة كتب مختلفة. وهناك (7) رسالة من القس سليمان الى البطريرك تاريخها 23 تموز 1936 يقول فيها: “حوالي سنة 1929 غبطة السيد البطريرك الكلي الطوبى فتح بالموصل المطبعة الكلدانية وجهزها بماكينة صغيرة مؤقتاً وبأشكال الحروف العربية والكلدانية زيادة على بعض الأدوات الباقية من مطبعة المرحوم الشماس روفائيل الامدي” ثم يسرد عناوين الكتب والكراسات التي تم طبعها حتى ذلك الحين.
من هذه المطبعة اليدوية البسيطة خرجت “مجلة نجم المشرق” بعددها الأول في تاريخ 25 كانون الأول 1928 ودامت عشر سنوات ثم أحتجبت بسبب غلاء الأسعار وقلة الورق في الحرب العالمية الثانية لتظهر من جديد سنة 1950 حتى توقفت سنة 1956، وقد أقتنت المطبعة مع الأيام اشكالاً مختلفة من الحروف العربية كما نراها في أعداد مجلة نجم. واشترت عدداً ضخماً من الحروف السريانية الشرقية لكنها بقيت تستعمل حروف المازجي وزودت المطبعة بأحرف سريانية غربية وبحروف عبرية. بقيت المطبعة تقدم خدماتها للكنيسة والعلم سنوات عديدة وطبعت عدداً كبيراً من الكتب في مختلف المجالات خاصة الدين والأداب جاء ذكرها في التثبيت اللاحق حتى توقفت كلياً وأهملت بعد أنتقال البطريركية الى بغداد ومجئ الصائغ الى العاصمة أيضاً وقد نقلت بعض موادها الى بغداد لكنها لم تستعمل أبداً. اما الماكنية فقد حطت الرحال في دير السيدة حافظ الزروع على أمل الأستفادة منها لكنها بقيت هناك مفككة مبعثرة ولم تستعمل ابداً. من سنة 1866 الى سنة 1928 طبع في المطبعة أربعة وعشرون كتاباً في مختلف المواضيع.
المصادر: (1)الأب الدكتور بطرس حداد بين النهرين العدد 49-50 سنة 1985 ص44.. (2) نفس المصدر ص45. (3) نفس المصدر ص47. (4) نفس المصدر ص48. (5) نفس المصدر ص49. (6) نفس المصدر ص50. (7) نفس المصدر ص51-52-53.
الموسوعة الكلدانية – كتاب تاريخ الكلدان صفحة 163 – 165.
الناشر/ شامل يعقوب المختار