ما هي أهميَّة العائلة ليُخصَّص لها سنة كاملة؟

أهميَّة العائلة نجدها في ثلاث صفحات مِنْ الكتاب المقدَّس: تكوين 1: 26-31؛ أفسس 5: 21-33 ؛ متى 19 ، 1-12. تقدم لنا هذهِ الصفحات مِنْ الكتاب المقدَّس صورة حقيقيَّة أصيلة عن ما يُسمّى بـ “إنجيل العائلة”: الأول ينتمي إلى العهد القديم، بينما ينتمي الآخران إلى العهد الجديد، ولكن هناك علاقة قويَّة وعميقة بَيْنَهُم.  

في الواقع، ما نقرأه في سفر التكوين (1: 26-31)، في بداية تاريخ الخلاص، نجده أيضاً بالضبط في صفحة بولس (أفسس 5: 21-33) وفي إنجيل متى (19: 1-12). فإذا قرأنا هذهِ النصوص في وحدة تامَّة معاً سوف ندرك إنَّ هذه الشهادات الكتابيَّة الثلاثة تُركِّز أكثر فأكثر على تلك الرسالة القديمة والجديدة عن تجربة الزواج والعائلة الّتي وهبها الله للبشريَّة مرَّة واحدة وإلى الأبد والّتي إكتملت بكلماتٍ أعطاها يسوع لتلاميذِهِ.  

هنا، لن أُقدّم تفسير كتابي لنصوصِ الكتاب المقدّس المشار إليها، ولكن ستكون محاولة لاستخراج التعليم المركزي، الأهم، القادر على تحفيز وتغذيَّة روحانيَّة الزواج ورعويّة العائلة. رعويَّة العائلة غالباً ما يَتِمُّ وضعها اليوم في مركز الاهتمام على مستوى الرعيَّة والأبرشيَّة: إنّها علامة إيجابيَّة للغاية. ومع ذلك، هناك حاجة واضحة للغاية لدعمها بتَعليم مسيحي جاد ومُمَنْهَج، مُستَوحى قبل كُل شيء مِنَ المصادر الكتابيَّة للروحانيَّة الزوجيَّة. يبقى الإهتمام أولاً وقبل كُل شيء بِإستعداد العائلة نفسها ورغبَتها في الإصغاءِ لكلمة الله، مع بعض الإرشادات الّتي ممكن أنْ تُساعِدها على تصحيح مفهوم العائلة في عالمنا الحاضر.  

حتّى لو كانت الأزمة الّتي تَمُر بها مؤسَّسة الزواج والحياة تجعلنا نتأمَّل بالعائلة، وأحياناً نكون غير متأكّدين مِنْ هويَّتِها، يجب أنْ لا تَستَنفِد المبادرات الرعويَّة الاختيارات العرضيَّة الّتي قد يكون لها تأثير تجميلي فقط؛ بل يجب علينا الاستفادة مِنْها لتأسيس متكامل لأزواج المستقبل والشباب بِشَكلٍ عام مِنْ أجلِ ضمان ذلك النضج البشري والمسيحي اللذان يشكلان الأساس الّذي لا غِنى عنه لكُلِّ مشروع عائلي.  

في استِعادتي لمسارِ رحلة العائلة الكتابيَّة أي المؤسَّسة على تعاليم الكتاب المقدّس، أشعر بالراحة مِنْ الكلمات الّتي قالها البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني حين خاطب الأساقفة: «علينا أولاً، نحن الأساقفة، أنْ نتَّعظ بها فنَصير لإنجيل الحياة رُسلاً لا يكلّون. وعلينا أيضاً واجب السَهر على أنْ نَنقُل، بأمانة وبغير انتِقاص، التعليم الّذي عُدنا إلى إثباتِهِ في هذهِ الرسالة، وأنْ نتَّخِذ الإجراءات اللازمة لتَحصين المؤمنين ضِد كُل عقيدة تُنافيه. ويجب أنْ نحرص خصوصاً على أنْ تُنشَر وتُفسّر وتعمَّق معرفة العقيدة المقدّسة في كليّات اللاهوت والإكليريكيات وسائر المؤسسات الكاثوليكيَّة، هذهِ المناشدة يجب أنْ يسمَعها أيضاً كُل اللاهوتيين والرُعاة وجميع القيّمين على التدريس والتعليم المسيحي والإرشاد الروحي: فَمِن مُنطَلَق اقتِناعهِم بالدَور الموكَل إليهم، عليهُم أنْ لاّ يتَحمّلوا البتَّة مسؤوليَّة التَنكُّر للحقيقة ولرسالتِهم بالإدلاء بأفكارٍ شخصيَّة تُنافي إنجيل الحياة الّذي تَنطُق بِه السلطة الكنسيَّة وتُفسِّره بأمانة. عندما نُعلن هذا الإنجيل يجب أنْ لاّ نِهاب العداوة والجفاء وأنْ نرفض كُل تواطؤ وكُل إلتِباس يُعيدانِنا إلى ذهنيَّة هذه الدنيا (رومة 12: 2). علينا أنْ نكون في الدنيا لا مِنْ الدنيا (يوحنا 15: 19، 17: 16) وهذا بفضل القوَّة الّتي تأتينا مِنَ المسيح الّذي غلب العالم بموتِه وقيامته (يوحنا 16: 33)» (البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة عامة “إنجيل الحياة”، جبل الديب – لبنان 1995، العدد 82).  

مِنْ هنا نفهَم معنى أهميَّة مدَّة السَّنة الّتي تُخصَّص مِنْ أجل العائلة مِنْ قِبَل الكنيسة. فهيَّ ستُساعد العائلة على أنْ تُعيد قراءة التَعليم المسيحي في حياتِها، أنْ تراجع مفاهيم الإيمان الصحيح الّذي آمَنت بِه والمبني على الكتاب المقدّس، لا على العادات والتقاليد ولا على، هذا كان في السابق. وأنْ تقبل التَغيير الآتي مِنْ تنقيَّة الإيمان مِنَ الشوائب الّتي لا تَمُتُّ للإيمان بأي صِلة! أنْ تملء خزانها مِنْ روحانيَّة الكتاب المقدّس مثلما نملَء خزان السيارة بالوقود. هكذا ستسير العائلة نحو الأمام دون توقّف ودون خوف مِنْ الصعوبات لأنَّها تُؤمن بأنّ الرَّب لنْ يتركها، مثلما قال القدّيس بولس: “إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟” (رومة 8: 31).  

بقلم: الاب سامي الريس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

قصيدة بمناسبة تذكار القديس مار توما الرسول

  تحتفل بطريركية بابل الكلدانية في العراق والعالم بعيد وتذكار شفيعها القديس مار توما الرسول …