عودة الأبن الضال بين الرسول لوقا والفنان رامبرات الهولندي

مقدمة عن أنجيل الرسول لوقا:

نتأمل بثلاثة تأملات مركزية في أنجيل الرسول لوقا15: 11-32:

  • التأمل الأول الخروف الضائع. الرب هو الراعي الصالح.
  • التأمل الثاني الدرهم الضائع: المرأة التي أضاعت الدرهم، حاجتها الى أكمال مصروف بيتها.
  • التأمل الثالث عودة الأبن الضال: هو الأب المنتظر الأبن، وليس الأبن الضال ينتظر أبوهُ.

أحد الأسباب الرئيسية لشهرة اللوحة هو موضوعها الروحي والأنساني، حيث تجسد لوحة عودة الأبن الضالالعميق الموجود في أنجيل لوقا. حيث يدور المثل أو التأمل حول الأبن الضال الذي بدت ميراث أبوهُ وميراثهُ وفي نهاية المطاف يعود إلى المنزل طالباً المغفرة والتسامح والتوبة من والده. هو مشهد تصويري فني رائع للفنان رامبرانت لهذه الحدث والواقعة الروحية القوية في لوحتهُ التي رسمها.

مقدمة عن الفنون في خدمة الأديان والأيمان:

منذ التكوين وبدء الخليقة وحتى يومنا يترجم الأنسان كلمات الأيمان: الدين، والعقيدة، والشريعة بأستخدام فنون متعددة ومختلفة الأشكال والأحجام من رسوم، خطوط، نقوش، وزخارف، على الأوراق، الأخشاب، المعادن والأحجار، كُل هذا ليتقرب الأنسان بتقوي وأيمان الى الألهية الطبيعة مثل القمر، الشمس، الهواء، النار وأخرى، وبعد أنتشار بشارة كلمة الأنجيل المقدس آمن الأنسان باللـه الواحد القدير خلق السماوات والأرض. وهذا ما نشاهده من خلال زيارتنا دور العبادة لكافة الأديان والمعتقدات في أرجاء العالم. حيث قضوا الفنانين والممبدعين ساعات وأيام وسنين في التفكير والتحليل ودراسة حالات مختلفة من أنظمة وقوانين وأحكام من تلك حكومات الأمبراطوريات والجمهوريات، والمؤسسات والمراجع الدينية لكل مرحلة من مراحل الحياة والتاريخ حتى يومنا هذا، لكي يترجموا مبادئ الأديان والعقائد والشرائع والطبيعة الخالبة التي خلقها الرب القدير.

العمق العاطفي للفنان:

تتجلى قدرة العمق العاطفي لدى الرسام رامبرانت في لوحة عودة الأبن الضال“. ومن خلال أستخدام فكرهُ المُضيء الفني المتقن لدرجات الضوء والظل وتعبيرات الوجه، وترجم مشاعر الأشخاص المتواجدين ووضعية جلوسهم في اللوحة. ومن بينهم شخصية الأب الشاهق الممتلئ بالرحمة والحنان الأبوي، وشخصية الأبن التائب المكسور والحزين يثير أحساسهُ بالندم ويطلب العفو والمغفرة والتعاطف والرحمة بمثابة تذكير بعميق قوة الحُب والتسامح والسعي الأبدي للخلاص من الحالة الذي عاشها، وهي نظرة للقوة التعبيرية الكبيرة التي تتميز بها أعمالهُ ولوحاتهُ الشخصية عبر حياتهُ.

رغبات مختلفة:

يلزم لبعض الناس أن يتخبطوا في القاع حتى يرجعوا الى رشدهم، وقد بنى الأبن الأصغر سلوكهُ على رغبته في حرية العيش كما يلذ لهُ وتبذير الأموال على رغباتهُ وشهواتهُ الحياتية. ولا يختلف ذلك عن رغبات معظم الناس في عالم اليوم. ويتكلفون ويعيشون أسى وحزن عظيمين حتى يعودوا الى رشدهم والتطلع الى اللّـه طلباً للعون والمساعدة.

فرق التجاوب:

هناك تناقض التجواب بين الأخ الكبير والأخ الصغير وتجاوب الأب مع الأبن الضال ورد فعل الأخ الأكبر. كان الأب مبتهجاً وفرحاً وسعيداً، وغفر للأبنهُ الضال على فعلتهُ. أما الأخ الأكبر فكان يحس بمرارة والظلم، ولم يسامح أخاهُ. وهنا يبين الفرق بين الفرح والأبتهاج والغفران والمسامحة، والحقد والمرارة وعدم الغفران.

الثقافة الدينية والخبرة الفنية للفنان:

الفنان والرسام الهولندي الشهير رامبرانت، ترجم كثير من الأحداث وأمثال الكتاب المقدس ورسم لوحات عديدة رائعة طوال حياته المهنية. ومنها لوحة عودة الأبن الضالهي أحدى اللوحات التي تبرز من حيث الشهرة والأهمية. تم رسم هذا العمل الفني الضخم خلال السنوات الأخيرة من حياته، وقد أسر العالم بعمقه العاطفي وسرد القصص القوي وتكوينه المذهل. لنتعمق في الأسباب التي جعلت لوحة عودة الابن الضاللرامبرانت تحظى بمثل هذا الأشادة والأعجاب الهائلين عبر التاريخ، حيث أستخدام التباينات، في مناطق مختلفة بفن وتوزيع الأضاءة الفاتحة والداكنة المتباينة بنجاح، ليضيف أهتمام بصري ونظرة رائعة داخل اللوحة.

لماذا اشتهرت لوحة عودة الابن الضال؟

من خلال الأطلاع على الخبرة الأيمانية والثقافية التي أسمتدها الفنان من مثل عودة الأبن الضالفي التأمل الأول من موضوعنا. لنقف أمام النص الأنجيلي ذاته لكي نستطيع فك رموز بعض الخطوط الفنية التي كثفتها فرشاة رامبرنت في ذات اللوحة المرسومة، معتمداً على فرشاته والوانه وخبرته الأيمانية والثقافية والفنية الخاصة والحياتية المفعمة بالألم والمعاناة. عند النظر جيداً نشاهد في اللوحة ونلاحظ أكثر التفاصيل تميزاً بالمتواجدين فيها، بجذب ذراعين الأب الممدودة الذي يخلق أحساساً بالأنسجام والتوازن، بين الأب والأبن الصغير في حضن أبوهُ في حالة من السلام والأمان التام، وراحة من الهدوء، أو مثل طفل نائم في حِضن دفء أمه، ونشعر بأن الأب يصدر مرسوماً مقدساً بالغفران بعمق المشاعر الأبوية والتمسك بحبهُ لأبنهُ. ويضع الأب يضع يديه على قميص أبنهُ الخرق البالي الممزق والهرء والوسخ القذر، ونلاحظ الأب الشيخ الكبير حفرت على وجهُ أخاديد الأنتظار والترقب وهو المنحني بكُل لطف ومحبة ورقة على أبنه العائد من الذل الذي عاشه خارج بيتهُ وأسرتهُ. ونلاحظ بتمعن اليدان برقة ولطف على كتفي الأبن بأختلاف واضح في البنية والنعومة والحجم يد امرأة، ويد رجليخبرنا الفنان بعبقريته في الوقت ذاته يمثل هو هذا الأب الحامي والأم الحنونةأنه جمع بين رحمة الأب وحنان الأُم. وفي الخلفية نجد الأبن الكبير مع مجموعة من وجوة الأشخاص مترقبين مندهشين مستغربين مرتابين لهذا الحُب الكبير والرحمة الأبوية الفائقة. لنتأمل بتمعن فما أجمل وأروع تشبيه في اللوحة.

المكانة المميزة والتقدير للوحة:

تتمتع اللوحة بمكانة مميزة في عالم الفن. يُنظر اليها على نطاق واسع على أنها واحدة من أعظم روائع الفنان وواحدة من أكثر الأعمال الفنية شهرة في تاريخ الفنون. ومما يزيد من شهرتها حقيقة أنها موجودة في متحف الأرميتاج الحكومي في سانت بطرسبرغ، روسيا. ولكونها جزءاً من هذه المجموعة المرموقة، تجتذب اللوحة عشاق الفن والعلماء من جميع أنحاء العالم، وتحظى بالتقدير الذي تستحقه حقاً. اللوحة أسرت المشاهدين والمهتمين بجمالها الخالد وسردها المؤثر وتألقها الفني. أن شهرتها هي شهادة على عبقرية رامبرانت الفنية والجاذبية العالمية لرسالتها الأنسانية. طالما أن الفن موجود، ستكون هذه اللوحة بمثابة تذكير عميق بقوة الحُب والغفران والتسامح والسعي الأبدي للخلاص.

نبذة مختصرة عن الفنان الهولندي العالمي رامبرانت:

الأسم: رامبرانت هـرمنسزون فان راين، أسمهُ باللغة الهولدنية Rembrandt Harmenszoon van Rijn.

المواليد: 15 تموز 1606، مدينة لايدن هولندا.

الوفاة: 4 تشرين الأول 1669، أمستردام هولندا.

الجنسية: هولندي الأصل.

أسم زوجتهُ: ساسكيا فان يولنبرخ.

أهم أعمال الفنان البارزة:

لوحة الملك شاؤول والملك داود، درس التشريح مع الدكتور يولب، درس التشريح مع الدكتور ديجمان. الفنان رامبرانت الهولندي وأحد من عباقرة الفن في العالم، وتميز بغزارة أنتاجاته، حيث رسم نحو 600 لوحة، وكان من أقرب الفنانين إلى قلب الأنسانية، لأنه عرف كيف ينقل أفراحها وأحزانها، ويحيلها إلى أعمال فنية ولوحات عظيمة.

شامل يعقوب المختار

عن شامل يعقوب المختار

شاهد أيضاً

براعم أيمانية نمت وأزدهرت في بلاد المهجر

+ كنيستي: كانت منذ الأزل وأول كلمة: فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللـهِ، …