تقسيم الأمبراطورية الرومانية:
لما توفى قسطنطين الكبير (الأول) الأمبراطور الروماني، سنة 337م إقتسم أولاده الثلاثة مملكته الواسعة الأرجاء. فحصل أبنه الأكبر قسطنطين الثاني على جزر بريطانيا وغاليا (فرنسا) واسبانيا. وأخذ الأبن الثاني قسطنت مقاطعة ايليريكم (يوغسلافيا سابقاً والبانيا) مع كل ايطاليا وشمالي افريقيا. وورث الأبن الثالث قسطنطيوس، بلاد اليونان من بحر الادرياتيك غرباً وحتى نهر الفرات شرقاً. بعد ثلاث سنوات دب الخلاف بين الأخوة الثلاثة الحاكمين، فقُتل قسطنطين الثاني، وأصبح قسطنت العاهل الأوحد على كل الغرب، وهكذا اصبحت الامبراطورية الرومانية قسمين فقط: أي الغربي الذي يشمل اوروبا وشمال افريقيا، والشرقي الذي يضم اليونان وتركيا والشرق الاوسط مع مصر والحبشة.
الكنائس الغربية الشرقية:
بعد هذا التقسيم الجديد للامبراطورية الرومانية، صارت الكنائس الواقعة في القسم الغربي منها تدعى غربية لاتينية، لاستعمالها اللغة اللاتينية في طقوسها أو رومانية، بسبب روما عاصمتها التي كانت مقراً للبابا أيضاَ. أما الكنائس التي في القسم الشرقي منها فسميت شرقية نظراً لموقعها. وأهمها: الكنيسة الأولى الرسولية، كنيسة اورشليم. ثم كنيسة القسطنطينة، التي كانت قرية صغيرة تسمى بيزنصيو، كان قسطنطين الكبير قد أتخذها، عام 330، عاصمة له لموقعها الاستراتيجي، وسماها باسمه، فصارت تعتبر ذاتها روما الجديدة، وتطالب بالقدح المعلى على كرسي الاسكندرية، المدينة الأشهر بعد روما، وعلى كرسي انطاكيا، المدينة التي تليها شهرة وعاصمة مقاطعة سوريا. في حين كانت كنيسة القسطنطينة تستعمل اللغة اليونانية في طقوسها، استعملت كنيسة الاسكندرية اللغة القبطية، كما استعملت الكنيسة الانطاكية اللغة الارامية في أريافها، واليونانية في المدينة ذاتها.
وكانت هذه الكنائس تؤلف الكراسي الرئيسية، أعني: القسطنطيني (البيزنطي) والأسكندري والأنطاكي والأورشليمي والأرمني. من البيزنطي– القسطنطيني تفرعت الطقوس: 1- روسي، 2- بيلوروسي، 3- جيورجي، 4- اوكراني، 5- روتيني، 6- صربي، 7- كرواتي، 8- سلوفيني، 9- روميني، 10- بلغاري، 11- ملكي (عربي)، 12- مجري، 13- ألباني، 14- إيطالي. من الانطاكي تفرعت: الكنيسة المارونية، والسريانية، الأرثوذكسية والسريانية الكاثوليكية، ومنذ 1930 في جنوبي الهند المالنكارية.
كنيسة المشرق:
ناقشت الامبراطوية الرومانية والامبراطورية الفرثية (250ق.م-224م) التي كانت تمتد من نهر الفرات غرباً وحتى نهر السند في الهند شرقاً، ثم من الخليج العربي جنوباً والى بحر قزوين شمالاً. فكانت تشمل: الأفغان، وقسماً من أقاليم روسيا الجنوبية والشرقية، وبلاد فارس وما بين النهرين مع دويلات صغيرة، كتدمر والرها وجزيرة أبن عمر، تؤلف كلها عشرين اقليماً.
يذكر سفر أعمال الرسل إنه عندما حل الروح القدس على التلاميذ، كان في اورشليم: فرثيون، وعيلاميون ومن سكان ما بين النهرين (2/8). حسب التقليد، أعتنق سكان هذه البلاد، الديانة المسيحية منذ العهد الرسولي. يذكر ترتليانوس (160-220) اللأهوتي الأفريقي الكبير، إن سكان هذه الأقاليم كانوا مسيحيين، ويؤكد ذلك برديصان (بعد منتصف القرن الثاني) أيضاً. شكل هؤلاء المسيحيون ما سمي بكنيسة المشرق، التي حسب البطريرك الكبير، طيمثاوس الأول (780-823) ولدت منذ زمن الرسل، فيقول: “أنها تأسست بعد صعود الرب الى السماء بعشرين سنة”. أما أبو التاريخ الكنسي، اوسابيوس القيصري (265-340) فيقول: “أن مار توما الرسول هو الذي أسس هذه الكنيسة، في طريقه الى الهند”. ويذكر ديونيسيوس الأسكندري أيضاً (+215) وجود أساقفة في هذه البلاد منذ ذلك الزمان.
إنتشرت كنيسة المشرق في كل الجهات. فكانت تمتد من مناطق بيث زبداي وقردو وجزيرة أبن عمر وماردين وآمد (ديار بكر) ونصيبين، الى بيث نوهدرا (زاخو ودهوك) وبيث عربايي وحدياب (أربيل) وبيت كرماي (كركوك) والطيرهان والرادان، ومنطقة تكريت، مروراً بالعاصمة ساليق وقطيسفون (جنوبي بغداد). والى بيث آراماي (بابل) وكربلاء وواسط والحلة والنجف ثم القادسية (المثنى) الى ميشان (البصرة) وكل ساحل الخليج العربي وقطر وجزر سقطرة، ثم شرقاً تضم كل بلاد فارس وماداي وبيث دارى وهوزاي وعيلام، ثم الى الشمال حتى بحيرة أورمية وأرمينية وجنوب بحر قزوين، وامتداداً الى خرسان ومنغوليا والصين، ونزولاً الى التيبت والهند، حتى بلغ عدد المنتمين اليها في القرن 7 و 8 نحو 80 مليون نسمة.
أن هذا الأزدهار العجيب، لم يدم للأسف طويلاً بسبب ظروف الزمان العصيبة، ولم نرث من تلك الأمجاد الزاهية إلا الندر القليل في جنوبي الهند، في مقاطعة كيرالا المسماة: ملبار، حيث الكنيسة في أزدهار مستمر. يعد كنيستنا اليوم هناك نحو 3206709 نسمة، مقسمين الى 22 أبرشية يخدمهم 3906 كاهن، مع 1034 طالب كهنوت، و 2815 راهباً و 26625 راهبة، و 61405 عماذ للسنة الماضية (مستقاة من “الحوليات الحبرية” لسنة 1996). كتب المستشرق الفرنسي لابور بهذا الصدد: “ما فتئت هذه الكنيسة، منذ 20 قرناً تنشر الحضارة بين آهالي آسيا القديمة والشرق الأقصى. فليس من أمة على الأرض نافستها في تأسيس المدارس، اذ فاق عدد أدبائها الأربعمئة، وكانوا حائزين على المناصب المرموقة في الدولة العباسية، وعلموا الفلسفة اليونانية وعلم الفلك والطبيعيات، ونقلوا الى العربية مؤلفات إقليدس وبطليموس وأبقراط وجالينوس”.
ويلخص المستشرق الآخر دوفيليه، هذه الحضارة كاتباً: “أنتشرت كنيسة المشرق سريعاً في آسيا الصغرى والتيبت والهند والصين، وأمتدت من قبرص ومنشوريا وجزر جاوا وسومطره، بعد أن قدمت للفاتحين العرب عناصر الحضارة في الفلسفة والفيزياء والطب، ونقلت الثقافة مع الديانة المسيحية الى الشعوب الرحل الموجودة في آسيا الوسطى، وقبل أن يعتنق الترك الاسلام كانوا يشكلون جماعات كبيرة، وكان طقسهم هو الكلداني”. فالطقس الكلداني مع البيزنطي والأسكندري والأنطاكي والأرمني والأورشليمي، يشكل الكنائس الشرقية الرئيسية، في حين الطقس الكلداني وحدة يمثل كنيسة المشرقة.
المصادر: كرمو – الفكر المسيحي العدد 335 – 336.
المرفقات خارطتين صفحة 92 – 93.
الموسوعة الكلدانية – كتاب تاريخ الكلدان صفحة 89 – 93.
الناشر/ شامل يعقوب المختار