نص الكلمة التي القاها قداسة البابا فرنسيس الاول في قمة المناخ ……الفاتيكان يستضيف قمة الأديان من أجل تغير المناخ:

استضاف الفاتيكان في 2021/ 10/ 5 أعمال مؤتمر قمة قادة الأديان من أجل تغير المناخ بعنوان (الإيمان والعلم)، بمشاركة القادة الدينيين والعلماء من حول العالم، في محاولة لإشراك رجال الدين في التوعية عن المناخ: *ملاحظة: نص الكلمة التي القاها قداسة البابا فرنسيس الاول في قمة المناخ …. في الهامش نهاية الموضوع

وفي نظرة تحليلية لكلمة البابا كرسالة تعليمية القاها قداسته بمناسبة قمة الفاتيكان للمناخ سنجد:

1- لا يوجد مخلوق على هذه الارض مكتفٍ بذاته، كلّ واحد موجود عليها مرتبطًا بغيره، ليكمّل كلّ منهم الآخر وفي خدمته، النباتات والكائنات الحيّة يرشدها قانون طبعه الله فيها لخير كلّ الخليقة.

2– علينا أن نعترف بأنّ العالم كله مسؤول عن الاهتمام بالبيئة هذا لا يعني فقط فهم العواقب الضارة لأفعالنا، بل أيضًا تحديد التصرفات والحلول التي يجب تبنيها بنظرة منفتحة للترابط بعضنا مع بعض والمشاركة.

3– يوجد العديد من الثقافات والرّوحانيات في هذا العالم لابد ان يتعاشوا بروح الأخوّة، في عائلة بشريّة واحدة لكلّ منهم إيمانه وتقاليده الرّوحية، تربطهم ببعض المشاركة في المسؤولية، السياسية أو الاجتماعية نحو البيئة والمستقبل.

4– المحبّة تنشئ روابط في أعماق كلّ قلب، وتجعل الحياة أرحب، عندما يُخرِج الشخصَ من ذاته نحو الآخر، ومع ذلك فإنّ القوّة الدافعة للحبّ لا يتم” تحريكها “لمرة واحدة، بل يجب إحياؤها يومًيا وهذه هي إحدى المساهمات الكبيرة التي يمكن أن يقدمها إيماننا وتقاليدنا الرّوحية في تسهيل العمل نحو البيئة.

5– ضرورة مواجهة ثقافة الإقصاء، التي تبدو أنّها تسود في بعض المجتمعات، كالصّراعات: والجشع، واللامبالاة، والجهل، والخوف، والظلم، وانعدام الأمن، والعنف، وهي بذور الصّراع نفسها التي تسبب الجراح الخطيرة التي تلحقها بالبيئة وتغيّر المناخ.

6– القمة اليوم عقدت بمذاق جميل هو الأمل، وأنّ البشريّة لديها وسائل عديدة لتحقيق هذا الهدف كما هو الحال اليوم، وفي مواجهة هذا التحدّي البيئي على مستويات مختلفة، في العمل، والتربيّة البيئية وفقا لإيماننا وتقاليدنا الرّوحية، يمكننا أن نقدّم مساهمات مهمة فيها.

7-احترام الخليقة، واحترام القريب، واحترام أنفسنا، واحترام الخالق، وإشاعة الاحترام المتبادل بين الإيمان والعِلم، والدخول في حوار بينهما بهدف إلى العناية بالطبيعة.

8– لابد من نظرة جديدة نحو الارتباط بعضنا مع بعض والمشاركة، والمحرِّك لها هو المحبّة والدعوة إلى الاحترام. هذه هي مفاتيح القراءة الثلاثة التي يبدو أنّها تنير عملنا للعناية بالبيت المشترك الارض.

ولأهمية المناخ و الاهتمام بالبيئة تشير الدراسات والبحوث الى:

تزايد الاهتمام في العقود الأخيرة بمشكلة البيئية والتغيّر المناخي وتحوّلت الى أولوية تواجه الإنسانية وتمس حياة الكائنات على وجه الأرض وهذه المشكلة لها علاقة مباشرة بوجودنا، فقد ازداد قلق الانسان في العالم حول الأذى والدمار الذي يلحق بالطبيعة والخليقة. وباتت البشرية ترى انها هي السبب بالإضافة الى الأنظمة البيولوجية والفيزيائية للأرض بما فيها الزراعة وانواعها وطرق التحضير لها فضلا عن الكائنات الحية التي تتعايش مع الانسان ودورة المياه في الطبيعة وطبقة الأوزون وانبعاث الغازات السامة، يضاف الى ذلك كل ما يحدث في العالم من مشاكل بيئية متنوعة مثل الجفاف والجوع والاحتباس الحراري والتصحّر وزوال الغابات فضلا عن زوال المساحات الخضراء وتلوث مياه الأنهر والبحار والمحيطات وارتفاع مستوياتها بسبب ذوبان الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي وازدياد نسبة العواصف والفيضانات وانقراض الأنواع من الكائنات والتهجير القسري للبشر بفعل عوامل الطبيعة والحروب والمنازعات، كلها علامات دالة على بعض السوء في اختيار المعالجات بحكمة، وبإرادتها بوعي وإيمان. إذا يبدو أن بيئة الأرض تموت وأنظمة الحياة التي تدعمها هي الاخرى في ضياع وفقدان. ويبدو أن البشرية تضع نفسها في دائرة مغلقة من الدمار الذاتي.

البيئة: Ecology

هي الموطن أو البيت وقد استخدمت للإشارة الى البحث في العلاقة بين الكائنات الحية وببيئتها العضوية وغير العضوية، وعُرف بعد ذلك بعلم البيئة واما الوسط البيئي Environment فيشير الى كل ما يحيط بالكائنات الحية من ظروف طبيعية وغير طبيعية.

المناخ: Climate

عبارة عن حالة الطقس لفترة زمنية طويلة ومتوسط القياس الاحصائي يوضح حجم الاختلاف في درجات الحرارة والرياح والامطار سواء كان من عام الى عام او من يوم الى اخر وفقا لمعايير اعتمدتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والتي تستخدم لمقارنة الاتجاهات المناخية السابقة بالاتجاهات المناخية الحالية على مدى أكثر من 30 عاماً مضت.

اهم عوامل المناخ متغيراته هي الرطوبة والرياح والامطار والحرارة والضغط الجوي خلال هذه المتغيرات عُرفت فصول السنة الاربعة ففي كل فصل تكون عناصر المناخ في وضع مختلف، وتغير المناخ يقصد به التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. قد تكون هذه التحولات طبيعية لكن منذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الكربوني، مثل الفحم والنفط والغاز والانسان له بصمة واسعة في التأثير على المناخ وعلى وجه الخصوص حدوث الاحتباس الحراري الذي يؤثر على البشر والملايين من الكائنات الحية الأخرى.

الطقس: Weather الحالة الجوية التي تشهدها منطقة ما نتيجة التقلبات التي تحدث في الغلاف الجوي في لحظة معينة، وعلى أساس يومي أو أسبوعي، فقد يتغير الطقس خلال دقائق، أو أيام، ومن موسم إلى آخر، ومن هذه التقلبات: شروق الشمس، وحدوث الهطول، وتكوّن السحب، والرياح، والعواصف، وتشكّل الصقيع، ونزول الثلج، وحدوث العواصف الرعدية، وغيرها من التقلبات الجوية، وبسبب هذه التغيّرات يؤثر الطقس في حياة الإنسان وأنشطته من نواحٍ عدة، فقد يؤثر الطقس في شعور الإنسان ونظرته للعالم، ويُمكن للطقس القاسي مثل تشكّل الأعاصير والعواصف الثلجية أن يعطل حياة الكثير من الناس.

ونجد في الكتاب المقدس دعوة لضمان سلامة البيئة، “وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ.”

ثم قال الله لتنبت الأرض عشباً وبقلاً يبزر رزاً وشجراً ذا ثمر يعمل ثمراً كجنسه، بذره فيه على الأرض، ثم عمل النوريين العظيمين نور الشمس، ونور الليل وهو القمر ثم النجوم، كيف أن الله خلق فيما بعد الانسان على “صورته ومثاله” الإنسان الأول، أعطاه الله سلطاناً على الخليقة، والحرية، أن كل شيء في الكون من محتوى وسكان وطبيعة ومناخ هو من صنع الله وبحكمته وبنظام فريد من نوعه. “وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا”(تك 1: 1…الى…31) (يمكن للقارئ العزيز العودة الى الكتاب المقدس سفر التكوين)

ويتحدث بولس الرسول عن يسوع المسيح “الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ، فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ، الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ”(1كول 15 ـ 17)، وبالنيابة عن كل الخليقة قـدّم إنسانيته لله. لقد أسس السيد المسيح لعلاقة مميزة وجديدة بين الله والخليقة، وبين السماء والأرض لم يستطع أحد من قبله أن يؤسسها، “لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ”(رو 8: 21)، لقد قدّم المسيح ذاته عن كل الخليقة وبالتالي، يجب أن تكون نظرة الإنسان الى الخليقة نظرة الكينونة المتكاملة.

الكنيسة ومشكلة البيئية: ما تبدو عليه مشكلة البيئية أنها ثقافية، تتعلق بفقدان قدسية الطبيعة في ثقافتنا البشرية. وهذا يعني أن الطبيعة عند ربطها مع مَن أسس لها أي الله، ستكون ملزمة الاحترام، فمذ ان قطع الله عهدا مع نوح، قطعه مع كل الخليقة وليس مع الإنسان فقط “وَقَالَ اللهُ: «هذِهِ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَنَا وَاضِعُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ كُلِّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمْ إِلَى أَجْيَالِ الدَّهْرِ”(تك 9: 12).

هذه نفسها النظرة المسيحية التي تعتبر الخليقة شيئاً مقدساً لأنها ترتبط بعلاقة مع الله، فعلينا احترام الخليقة الإلهية، لذلك سعت الكنيسة الى اقامة علاقة متميزة بين الإنسان والطبيعة، فالمسؤولية الكبرى تقع على عاتق الإنسان في استمرارية واحترام البيئة بكل مكوناتها، إن هذا الفكر الجديد الذي ادخلته الكنيسة حول أهمية حماية واحترام البيئة، ليس فقط بالحفاظ على وجه الأرض فحسب بل في الحفاظ على التنوع والاختلاف فيها.

للكنيسة دور كبير وهام تؤديه في الحفاظ على الأرض باعتبار ان تدمير البيئة خطيئة ضد ما خلقه الله، ومسؤولية الكنيسة تجاه البيئة تنبع من مسؤوليتها الإيمانية تجاه الخليقة كلها، وتعالت أصوات القادة الكنسيين لتحذّر من الأخطار المحدقة بالطبيعة والأرض. فقد أكد ذلك البابا الراحل يوحنا بولس الثاني بقوله: “أود أن أكرر بأن أزمة البيئة هي مسألة أخلاقية” وتتطلب طواعية ذاتية في الحفاض عليها، وعلى الإنسان أن يفهم أن الأرض هي ليست ملك له، بل هو موكـّل بالحفاظ عليها وحمايتها. الأرض قيمة بحد ذاتها واستهلاكها بما تحتويه من مصادر بشكل عشوائي وغير العادل يؤدي الى نفاذ بعضا من ثرواتها.

اما مشكلة التلوث البيئي بكل أنواعه وأشكاله السمعي والبصري والشم والذوق، وفقدان الأنواع ودمار الغابات وانقراض الثروة الحيوانية والمائية وغيرها هي الأخرى كلها أشكال من المشاكل البيئية، وجرائم ضد الأرض والإنسانية يقوم بها الإنسان، في المقابل لابد من وجود التشريعات والقوانين التي ترافقها ثقافة إلزام الجميع على حماية البيئية والاعتناء بها.

في الختام جميعنا يجب ان يعلم أن الأرض لا تستطيع أن تجدد نفسها بثرواتها وعطائها الى الأبد والاستهلاك دون حساب، سيسبب خطرا على التعايش معها للأجيال القادمة، أذا علينا أن نساعدهم على ادراكها بشكل حسن ولتستمر الحياة فيها كما نحن، واقول ربما تكون هذه معادلة صعبة على الإنسان الحاضر أن يحققها لكنها اساسية في الحفاظ على الأرض.

هذا يعني اننا نعيش على الرجاء الذي أشار اليه الرب يسوع المسيح بقوله: “فَقَالَ: مَاذَا يُشْبِهُ مَلَكُوتُ اللهِ؟ وَبِمَاذَا أُشَبِّهُهُ؟، يُشْبِهُ حَبَّةَ خَرْدَل أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَأَلْقَاهَا فِي بُسْتَانِهِ، فَنَمَتْ وَصَارَتْ شَجَرَةً كَبِيرَةً، وَتَآوَتْ طُيُورُ السَّمَاءِ فِي أَغْصَانِهَا” (لو 13: 18، 19). الكنيسة لا تستطيع لوحدها أن تحلَ المشكلة البيئية ولا أن تقف في وجه الدمار البيئي الذي يصنعه البشر، ولكنها تستطيع أن تعزز وتساند كل من يتطوع للحفاظ على الخليقة، يستطيع الإيمان والرجاء أن يقويـّنا والكنيسة ويدعم اتخاذ القرارات الأخلاقية وتطبقها بالفعل. إن تلوث الأرض هو عمل مشين وإجرامي ضد القداسة. وأي عمل يسبب ألماً وموتاً لجزء من الخليقة يسبب أيضاً ألماً لله ذاته لأنه خالق الكون، “مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنةٌ الأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ”(مز 104: 24).ولنردد جميعنا قائلين…. أرحمني يا اللًه كعظيم رحمتك وكمثل كثرة مراحمك أمح مآثمي، اغسلني كثيراً من اثمي ومن خطيئتي طهرني، فأني انا عارف بإثمي وخطيئتي امامي في كل حين، اليكَ وحدكَ خطئتُ والشرّ قدامك صنعتُ، …… الرب يبارك جمعنا والرحمة والمغفرة لمن غادر هذه الأرض والى كنيستنا المباركة مزيدا من العطاء في طريق الايمان ….. الى الرب نطلب.

د. طلال كيلانو

وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي القاها قداسة البابا فرنسيس الأول في اللقاء بعنوان (الإيمان والعلم)

أشكركم جميعًا لوجودكم هنا مجتمعين، تبدون رغبتكم في إجراء حوار معمق بيننا ومع الخبراء في العلوم. اسمحوا لي أن أقدّم ثلاثة مفاهيم للتفكير في هذا التعاون: نظرة الترابط بعضنا مع بعض والمشاركة، والمحرك الذي هو الحبّ، والدعوة إلى الاحترام:

1– كلّ شيء مرتبط: كلّ شيء في العالم مرتبط بشكل وثيق. ليس العِلم فقط، بل أيضًا إيماننا وتقاليدنا الرّوحية تبيّن هذا الارتباط الموجود بيننا جميعًا ومع بقية الخليقة. نحن ندرك علامات التناغم الإلهيّة الموجودة في العالم الطبيعي: فلا يوجد مخلوق مكتفٍ بذاته، كلّ واحد موجود مرتبطًا بغيره، ليكمّل كلّ منهما الآخر، وليكون الواحد في خدمة الآخر. يمكننا أن نقول تقريبًا إن الخالق أعطى الواحد للآخر، حتى ينموا ويتحققوا بصورة كاملة في علاقة حبّ واحترام. النباتات والمياه والكائنات الحيّة يرشدها قانون طبعه الله فيها لخير كلّ الخليقة.

أن نعترف بأنّ العالم مترابط لا يعني فقط فهم العواقب الضارة لأفعالنا، بل أيضًا تحديد التصرفات والحلول التي يجب تبنيها بنظرة منفتحة للترابط بعضنا مع بعض والمشاركة. لا يمكن لأحد أن يعمل بمفرده، فالتزام كلّ واحد من أجل العناية بالآخرين والبيئة هو أمرٌ أساسيّ، وهو التزام يؤدي إلى تغيير في المسار، وهو أمر مُلِحّ، ويجب أن يتغذى أيضًا من إيماننا الشخصيّ وروحانيتنا. بالنسبة للمسيحيين، تنبع نظرة الترابط بعضنا مع بعض من سرّ الله الثالوث نفسه: “الكائن البشري ينمو وينضج ويتقدّس بقدر دخوله في علاقة، حين يخرج من ذاته ليعيش في شركة مع الله، ومع الآخرين ومع جميع الخلائق. هكذا يتخذ، في وجوده الخاص، هذه الدينامية الثالوثية التي طبعها الله فيه منذ أن خلقه”

إنّ اجتماع اليوم، الذي يوحّد العديد من الثقافات والرّوحانيات بروح الأخوّة، يعزّز الوعي بأنّنا أعضاء في عائلة بشريّة واحدة: لكلّ منا إيمانه وتقاليده الرّوحية، ولكن لا توجد حدود وحواجز ثقافية أو سياسية أو اجتماعية تسمح بأن ننعزل بعضنا عن بعض. لإلقاء الضوء على هذه النظرة، نريد أن نلزم أنفسنا بمستقبل يتكوّن من ترابطنا بعضنا مع بعض ومشاركتنا في المسؤولية.

2– يجب أن يتم السعي وراء هذا الالتزام باستمرار بواسطة المحرك الذي هو الحبّ: “إنّ الحبّ يُنشئ روابط في أعماق كلّ قلب، ويجعل الحياة أرحب، عندما يُخرِج الشخصَ من ذاته نحو الآخر، ومع ذلك فإنّ القوّة الدافعة للحبّ لا يتم” تحريكها “مرة واحدة وإلى الأبد، بل يجب إحياؤها يومًا بعد يوم، وهذه هي إحدى المساهمات الكبيرة التي يمكن أن يقدمها إيماننا وتقاليدنا الرّوحية في تسهيل تغيير المسار هذا الذي نحن بحاجة إليه كثيرًا.

الحبّ هو مرآة الحياة الرّوحية التي نعيشها بكثافة في أعماقنا. حبّ يمتد إلى الجميع، إلى ما وراء الحدود الثقافيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحبّ يدمج، أيضًا وقبل كلّ شيء، الأخيرين، الذين غالبًا ما يُعلموننا أن نتغلّب على حواجز الأنانية وأن نحطّم جدران الأنا.

هذا تحدٍّ ينشأ أمام ضرورة مواجهة ثقافة الإقصاء، التي تبدو أنّها تسود في مجتمعنا والتي تترسّخ على ما يسميه نداؤنا المشترك على” بذور الصّراعات: الجشع، واللامبالاة، والجهل، والخوف، والظلم، وانعدام الأمن، والعنف“. هي بذور الصّراع نفسها التي تسبب الجراح الخطيرة التي نلحقها بالبيئة مثل تغيّر المناخ، والتصحر، والتلوث، وفقدان التنوع البيولوجي، فيؤدي إلى تحطيم ذلك “العهد بين الكائن البشري والبيئة، الذي يجب أن يكون مرآة لحبِّ اللهِ الخالق، الذي منه أتيْنا وإليه نعود”.

هذا التحدّي لصالح ثقافة رعاية بيتنا المشترك، وأيضًا لنا نحن، فيه مذاق الأمل، بما أنّه لا يوجد شك في أنّ البشريّة لم يكن لديها قط وسائل عديدة لتحقيق هذا الهدف كما هو الحال اليوم. يمكن مواجهة هذا التحدّي نفسه على مستويات مختلفة، وأودّ على وجه الخصوص أن أؤكد على اثنين منها وهما: المثال والعمل، والتربيّة. على كِلا المستويَين، وبإلهام من إيماننا وتقاليدنا الرّوحية، يمكننا أن نقدّم مساهمات مهمة. الإمكانات التي تظهر أمامنا كثيرة، كما يبيّن ذلك النداء المشترك، حيث الكلام على مسارات تربيّة وتأهيل مختلفة يمكننا أن نطورها لصالح رعاية بيتنا المشترك.

3– هذه الرعاية هي أيضًا دعوة إلى الاحترام: احترام الخليقة، واحترام القريب، واحترام أنفسنا، واحترام الخالق. ولكن هي أيضًا الاحترام المتبادل بين الإيمان والعِلم، “للدخول في حوار فيما بينهما يهدف إلى العناية بالطبيعة، والدفاع عن الفقراء، وبناء شبكة من الاحترام والأخوّة.

الاحترام ليس مجرد اعتراف سلبي ومجرّد للآخر، بل اعتراف هو تعاطف وعمل، ورغبة في أن نعرف الآخر وأن ندخل في حوار معه من أجل السير معًا في هذه الرحلة المشتركة، ونحن نَعلم جيدًا، كما جاء أيضا في النداء أنّ “ما يمكننا تحقيقه لا يعتمد فقط على الفرص والموارد، ولكن أيضًا على الأمل والشجاعة وحسن الإرادة”.

نظرة الترابط بعضنا مع بعض والمشاركة، والمحرِّك الذي هو الحبّ والدعوة إلى الاحترام. هذه هي مفاتيح القراءة الثلاثة التي يبدو لي أنّها تنير عملنا للعناية بالبيت المشترك. إنّ المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغيّر المناخي (COP26) الذي سيُعقد في مدينة غلاسكو مدعُوٌ بشكل مستعجل إلى تقديم أجوبة فعّالة للأزمة البيئية غير المسبوقة ولأزمة القيَم التي نعيشها، ومن ثَمَّ إلى تقديم أمل واقعي للأجيال القادمة: نودّ أن نرافق هذا المؤتمر مع التزامنا وقربنا الرّوحي منه*.

*المصدر الرسائل بابوية وتعاليم الكنيسة الكاثوليكية…….

عن د. طلال فرج كيلانو

شاهد أيضاً

عام جديد، فرصة جديدة لك للتوبه

دعونا في عام جديد لا نضيّع هذه الفرصة فالرب دائما ينتظرنا متشوقا لسماع صوتنا فلنندم …