لم يضع متى مقدمة تشبه المقدمة التي وضعها لوقا لإنجيله بل أشار إلى معنى
مؤلفه في المقدمة التي استهل بها رواية حياة يسوع العلنية راجع ( متى الفصلين
1 ، 2 ) وفي الخاتمة التي ختم بها الإنجيل راجع ( متى 28 : 16 – 20 ) عند
الترائي الوحيد للذي قام من بين الأموات قائلاً ( إني أوليت كل سلطان في
السماء والارض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح
القدس وعلموهم أن يحفظوا كل ما اوصيتكم به وها أنذا معكم طوال الأيام إلى
نهاية العالم ففي البيان الذي قام من بين الأموات هذا يركز الكلام على أمرين
رئيسيين هما سلطة المسيح وعمل تلاميذه
( 1 ) أن أنجيل متى يروي حياة يسوع وتعليمه كما تفعل سائر الأناجيل ولكنه يوضح
أكثر منها وبطريقة له ما كانت عليه المعرفة للمسيح في عهدها الأول فالله معنا
الذي بشر به يوسف راجع ( متى 1 : 23 ) سيبقى حاضراً للمؤمنين إلى نهاية العالم
راجع ( متى 28 : 20 ) حضور المعلم كان معلماً على الأرض ولا يزال معلماً عن يد
تلاميذه وله السلطة التامة التي نالها من الله لا من الشيطان راجع ( متى 4 : 8
– 10 ) لأن الرب قد سلم إليه كل شيء راجع ( متى 11 : 27 ) ويسوع هذا قد نبذه
اليهود وفقاً لما جاء في الكتب لكي يتيسر نقل البشارة إلى الوثنيين ذلك ما
توضحه المقدمة باختصار فليس المراد بها احداث طفولة يسوع بل التعبير نقلاً عن
تقاليد قديمة عما لمصير الذي قام من بين الأموات من معنى حياته على الأرض
وبينما يوسف يقبل باسم إسرائيل وذرية داود الطفل الذي حبل به بالروح القدس
وولد من مريم العذراء نرى على أثر زيارة المجوس وهم مثال للوثنيين تدعوهم
البشارة إلى الخلاص ان أورشليم وعطماء الكهنة وهيرودس الملك يجهلونه جميعاً
وينبذونه ويضطهدونه ويسعى هيرودس بدلاً من أن يسجد له لأن يقتله ويقتل معه
أطفال بيت لحم ولكن يسوع يفلت منه ويلجأ إلى الجليل وهو رمز لأرض الوثنيين
فرواية المأساة هذه مثال سابق للموت والقيامة وقد آلت آخر الأمر إلى أعلان
الأنجيل للوثنيين أنفسهم فالمسيح يكمل تاريخ إسرائيل وهناك طريقة أخرى لجأ
إليها متى لأظهار ذلك الأمر وهي البرهان الكتابي فقد ملآ متى نصه بشواهد تظهر
أن تصرف يسوع ينال ايضاحه من الكتاب المقدس وكلان هذا كله ليتم ما قال الرب
بلسان النبي راجع ( متى 1 : 22 ) فالذين نبذوا يسوع لم يعرفوا من هو فيسوع هو
في الحقيقة المشيح الذي ينتظره اليهود
( 2 ) وعهد يسوع هذا بما له من سلطة إلى تلاميذه الأحد عشر في أعلان البشارة
وفي تلمذة جميع الأمم وهذا الاعلان هو قبل شيء اعلان ملكوت السموات بحسب
العبارة التي يمتاز بها الأنجيل الأول والتي تندرج في التقليد اليهودي على
ملكوت الله فالله هوة الملك الذي يبقى حاضراً لشعبه والذي يتدخل بسلطة أوقات
معلومة في مسيرة التاريخ ولا شك أن هذه الطريقة في الكلام عن الله تعود إلى حد
ما إلى النظام السياسي الذي عرفه اسرائيل على مر القرون فالاحتلال الروماني قد
بعث عند اليهود حلم تدخل غلهي مطلق وكان اليهود يقولون في ذلك الزمان ان الله
وحده ملكنا وقد حفظ يسوع عبارة ملكوت السموات ولكنه لم يعن بها التحرر السياسي
وعلى الخصوص في نظر متى فقد أورد هذا الكلام بعد موت يسوع فلم يكن اذاً يرجو
ان يحقق مثل هذا الحلم وقد أصبحت هذه العبارة عند متى اصطلاحاً للاشارة إلى
سيادة الله على شعبه لا بل يستعملها يسوع في صيغة المطلق عندما يبشر باسرار
الملكوت راجع ( متى 13 : 11 ) وتعني عادة عند لوقا أو يوحنا الحياة الأبدية
والسماء ولذلك تبقى العبارة ملتبسة عند متى فيجب ترجمتها عادة بملك وأحياناً
بمملكة عندما يسبقها فعل يدل على الدخول راجع ( متى 3 : 2 ) وهي فوق ذلك لا
تهدف إلى المستقبل فحسب بل إلى الحاضر أيضاً وأمثال الملكوت راجع ( متى الفصل
13 ) تعرف ميزاته يبدأ بحركة الزارع فيثمر حتى الحصاد الأخير بوجه خفي وعلى
رغم ما يصيبه من الاخفاق ان هذه النظرة إلى الحياة الآخرة سبب يحول دون أن نعد
ملكوت الله والكنيسة شيئاً واحداً حتى ولو دلت كلمة كنيسة راجع ( متى 16 : 18
، 18 : 18 ) على جماعة التلاميذ الذين يبشرون بالملكوت ويأتون بعلاماته وشريعة
هذه الجماعة هي الخدمة المتبادلة راجع ( متى 18 : 12 – 14 ) وهي تمسك في شخص
بطرس بمفاتيح الملكوت راجع ( متى 16 : 19 ، 18 : 19 ) وهي لا تزال تصلي دائماً
أبداً فتقول ليأت ملكوت راجع ( متى 6 : 10 ) مع أنها تعلم ان الملكوت قد أبتدأ
اعداد الشماس سمير كاكوز