صوم الباعوثة : الشماس سمير كاكوز
الصوم هو الامتناع والانقطاع عن الاكل والشرب من منتصف الليل والى منتصف
النهار أو من الغروب والى الغروب واذا كان ممكن من الصائم أن ينقطع حتى عن
العلاقات الزوجية خلال يوم أو عدة أيام المقررة للصوم .
معنى الصوم هو ممارسة الحداد والطهارة والتوسل الى الله من خلال الصلوات
والطلبات الدينية الي تمارس في الكنيسة أو في أماكن أخرى للعبادة .
الصوم هو من الاركان الاساسية للديانة المسيحية ويعبر بها الصائم المؤمن عن
تواضعه وايمانه ورجاءه ومحبته امام الله الخالق .
الصوم له صفات قالها لنا الرب يسوع المسيح في أنجيل متى 6 : 16 – 18 ( وإِذا
صُمتُم فلا تُعبِّسوا كالمُرائين،فإِنَّهم يُكلِّحونَ وُجوهَهُم لِيَظْهَرَ
لِلنَّاسِ أَنَّهم صائمون الحَقَّ أَقولُ لكم إِنَّهم أَخذوا أَجَرهم أَمَّا
أَنتَ فإِذا صُمتَ فادهُنْ رأسَكَ واغسِلْ وَجهَكَ لِكَيْلا يَظْهَرَ
لِلنَّاسِ أَنَّكَ صائم بل لأَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة وأَبوكَ الَّذي يَرى
في الخُفْيَةِ يُجازيك ) .
في العهد القديم كان الشعب اليهودي يمارس اصواماً طوعية بالاضافة الى الاصوام
الطقسية وكما هو الحال عندنا نحن المؤمنين المسيحيين يوجد عندنا أصوام اخرى
غير الصوم الكبير مثل صوم الميلاد وصوم الباعوثة وصوم بطرس وبولس والى اخره من
الاصوم الاخرى ( هذه تَكونُ لَكم فَريضَةً أَبَدِيَّةً في اليَومِ العاشِرِ
مِنَ الشَّهرِ السَّابِع تُذَلِّلونَ أَنفُسَكم ولا تَعمَلونَ عَمَلاً لا آبنُ
البَلَدِ ولا النَّزيلُ المُقيمُ فيما بَينَكم ( سفر الاحبار 16 : 29 ) أَمَّا
العاشِرُ من الشَّهرِ السَّابعِ هذا فهو يَومُ التَّكْفير، يَكونُ لَكم
مَحفِلاً مُقَدَّساً تُذَلِّلونَ فيه أَنفُسَكم وتُقَرِّبونَ ذبيحةً
بِالنَّارِ لِلرَّب ( سفر الاحبار 23 : 27 ) .
يسوع المسيح في هذه الايات لا يعلق على مثل هذا الصوم أهمية كبيرة كما ورد في
انجيل متى 9 : 14 – 17 فَدَنا إِليه تَلاميذُ يُوحنَّا وقالوا لَه لِماذا
نَصومُ نَحنُ و الفِرِّيسيُّون و تَلاميذُكَ لا يَصومون؟ فقالَ لَهم يسوع
أَيَسْتَطيعُ أَهْلُ العُرسِ أَن يَحزَنوا ما دامَ العَريسُ بَيْنَهُم؟ ولكِن
سَتَأتي أَيَّامٌ فيها يُرفَعْ العَريسُ مِن بَيْنِهم فَحينَئذٍ يَصومون ما
مِن أَحَدٍ يَجعَلُ في ثَوبٍ عَتيقٍ قِطعَةً مِن نَسيجٍ خام لأَنَّها تأخُذُ
مِنَ الثَّوبِ على مِقْدارِها فيَصيرُ الخَرقُ أَسوَأ ولا تُجعَلُ الخَمرَةُ
الجَديدَةُ في زِقاقٍ عَتيقة لِئَلاَّ تَنْشَقَّ الزِّقاقُ فَتُراقَ الخَمرُ
وتَتلَفَ الزِّقاق بل تُجعَلُ الخَمرَةُ الجَديدَةُ في زِقاقٍ جَديدة،
فَتَسلَمُ جَميعاً . يسوع لا ينكر الصوم اساساً بل ينتقد فقدان المعنى الاساسي
لمثل هذا الصوم وكثير منا يتظاهر انه صائم لكن في الاساس هو بيعد كل البعد عن
معنى الصوم واهداف الصوم فقط مجرد انه لا ياكل ولا يشرب يتصور هذا هو الصوم ،
لا ابداً الصوم هو الصيام من كل شيء من عادات سيئة واعمال وافعال شريرة والى
الاشياء الاخرى التي تبعدنا عن الله بعدها نتمكن الصيام أن تركنا كل هذه ،
نفعل كما فعلة الانبياء من قبلنا كما جاء في سفر النبي يوئيل 2 : 12 – 13
فالآنَ، يَقولُ الرَّبّ إِرجعوا إِلَيَّ بكُلِّ قُلوبِكم وبِالصَّوم
والبُكَاءَ والِآنتِحاب مَزِّقوا قُلوَبَكم لا ثِيابَكم وآرجِعوا إِلى
الرَّبِّ إِلهكم فإِنَّه حَنونٌ رَحيم طَويلُ الأَناة كَثيرُ الرَّحمَة
ونادِمٌ على الشَّر ) . سفر النبي زكريا 7 : 5 كَلِّمْ كُلَّ شَعبِ الأَرضِ
والكَهَنَةَ قائلاً حينَ كُنتُم تَصومونَ وتَنوحونَ في الشَّهرِ الخامِسِ
والسَّابع وذلك في تِلكَ السَّبعينَ سَنَة هل كانَ صِيامُكم لي أَنا؟ هل كل
واحد منا فكر في نفسه من ان صيامه مقبول ؟ هل حياتي تسير مع الله ؟ علينا
الواجب أولاً التفكير عميقاً قبل المباشرة بالصوم وألأ وقعنا في فخ ابليس ،
قبل كل شيء نفكر ان يكون لنا الاستعداد قبل الابتداء بالصيام . الصوم هو
التامل والعيش مع الله كما فعل النبي موسى عند كتابته اللوحين كلام العهد لما
كان على الجبل صام أربعين يوماً وأربعين ليلة ( وأَقامَ موسى هُناكَ عِندَ
الرَّبِّ أَربَعينَ يَوماً وأَربَعينَ لَيلَةً لا يأكُلُ خُبزاً ولا يَشرَبُ
ماءً، فكَتَبَ على اللَّوحَينِ كَلامَ العَهْد، الكَلِماتِ العَشْر ) سفر
الخروج 34 : 28 . سفر النبي دانيال 9 : 3 فجَعَلتُ وَجْهي إِلى السَّيِّدِ
الإِله لِآلتِماسِ وَجهِه في الصَّلاةِ والتَّضَرُّعاتِ بالصَّومِ والمِسْحِ
والرَّماد ، الصوم هو المصحوب بالصلاة والتضرع الى الله واذلال النفس والجسد .
المسيح في انجيل متى 4 : 2 فصامَ أَربَعينَ يوماً وأَربَعينَ لَيلةً حتَّى جاع
) ألاربعين هو رقم لعمر جيل بكامله ، هذه المدة الاربعين يوما واربعين ليلة
كما هو الحال المدة التي قضاها موسى النبي على الجبل ( سفر الخروج 34 : 28 )
ومسيرة النبي ايليا في البرية أربعين يوما ( سفر الملوك الاول 19 : 18 ) .
الصوم الحقيقي له القدرة على طرد الارواح الشريرة والشياطين كما جاء في انجيل
متى 17 : 14 – 21 طرد الشيطان من صبي مصاب بالصرع ، تلاميذ يسوع لم يتمكنوا من
طرد الشيطان منه لقلة ايمانهم فاجابهم يسوع هذا الجنس من الشيطان لا يخرج الا
بالصلاة والصوم ، وعليه ان لم يكن لنا الايمان الكامل بيسوع والعمل بوصايا
يسوع الصوم لا يفيدنا ولا يمكننا طرد الشيطان من حياتنا وفكرنا وروحنا . لا
يكون صومنا كمثل الفريسي والعشار انجيل لوقا الاصحاح 18 ، الفريسي كان يصوم
مرتين في الاسبوع مثل هذا الصوم غير مقبول والسبب هو صوم الفريسي كان للتفاخر
وكانه عمل فضل على الله من انه يصوم لا يا احبائي الصوم هو انكسار النفس
والروح والجسد امام الله . الصوم هو للعمل مع الله والتبشير بكلمته كما فعلا
برنابا وبولس وقبل رحلتهم لتبشير الامم الوثنية ( اعمال الرسل 13 : 2 – 3 )
فبَينما هم يَقْضونَ فريضَةَ العِبادَةِ لِلرَّبِّ ويَصومون قالَ لَهمُ
الرُّوحُ القُدُس أَفرِدوا بَرْنابا وشاوُلَ للعَمَلِ الَّذي دَعَوتُهما إِليه
فصاموا وصلَّوا ثُمَّ وَضعوا علَيهِما أَيدِيَهم وصَرَفوهما ) هذا هو الصوم
الصحيح وليس فقط الانقطاع عن الاكل والشرب وما شابه ذلك . الصوم هو جلب الناس
الى يسوع واتباعه هكذا عملا بولس وبرنابا عينا شيوخاً في الكنائس التي اقاموها
وصليا وصاما لكي الله يقوي الناس المؤمنين ، نعم الصوم يعمل الكثير والكثير من
الاعمال العجائبية . الصوم تحمل المشقات والسجن والجلد والسهر كما تحملها
الرسول بولس خلال بشارته الوثنيين .
الكتاب المقدس يعتبر الصوم ان الانسان قام بعمل ديني بالرغم يذكر ان الطعام هو
هبة من لدن الله اعطاه مجاناً للانسان ( فصَعِدَ بَنو إِسْرائيل، الشَّعبُ
كُلُّه وأَتَوا بَيتَ إِيلَ وبَكَوا وجَلَسوا هُناكَ أَمامَ الرَّبّ وصاموا
ذلك اليَومَ إِلى المَساء، وأَصعَدوا مُحرَقاتٍ وذَبائِحَ سلامِيَّةً أَمامَ
الرَّب ) سفر القضاة 20 : 26 . اذن الصوم هو الامتناع ليوم كامل وحتى الامتناع
عن العلاقات الزوجية ( إِجمَعوا الشَّعبَ وقَدِّسوا الجَماعَة وآجمَعوا
الشُّيوخ وآجمَعوا الأطفالَ وراضِعي الأَثْداء ولْيَخرُجِ العَريسُ مِن
مُخدَعِه والعَروسُ مِن خِدرِها : يوئيل 2 : 16 ) .
الصوم هو التوجه نحو الله ( فنادَيتُ بِصَوم هُناكَ، عِندَ نَهرِ أَهْوى
لِنَتَذلَّلَ أَمامَ إِلهِنا، طالِبينَ إِلَيه طَريقاً سالِمَةً لَنا
ولعِيالِنا ولجَميعِ أَمْوالِنا ) عزرا 8 : 21 .
الصوم هو التبعية والاستسلام الكامل قبل القيام بمهمة شاقة مثل الصوم (
إِذْهَبْ وآجمَعْ كُلَّ اليَهودِ الَّذينَ في شوشَن وصوموا لِأَجْلي ولا
تأكُلوا ولا تَشرَبوا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لَيلاً ونَهاراً وأنا ووَصيفاتي
نَصومُ كذلك ثُمَّ أَدخُلُ على المَلِكِ على خِلافِ السُّنَّة فإِن هَلَكتُ
فقَد هَلَكتُ) سفر استير 4 : 16 .
الصوم طلب الصفح من الله عن خطأ عمله الانسان ضد الله والقريب ( فلَمَا سَمعِ
أحآبُ هذا الكَلام مَزَّقَ ثِيابَه وجَعَلَ على بَدَنِه مِسْحًا وصامَ وباتَ
في المِسحِ ومَشى رُوَيدًا رُوَيدًا ) سفر الملوك الاول 21 : 27 .
الصوم طلب الشفاء من الامراض المختلفة وأحياء الاموات ( فتَضَرع داوُدُ إِلى
اللهِ مِن أَجلِ الوَلَد وصامَ داوُدُ ودَخَلَ بَيتَه وباتَ مُضطَجِعًا على
الأَرض فقامَ إِلَيه شُيوخ بَيتِه لِيُقيموه عنِ الأَرض فأَبى ولم يَأكلْ
معَهم طَعامًا فلَمَّا كانَّ اليَومُ السَّابع ماتَ الصَّبيِّ فخافَ حاشِيَةُ
داوُدَ أَنَّ يخبِروه بِمَوته لأَنَّهم قالوا في أَنَّفُسهم حينَ كانَّ
الصَّبِيُّ حَيَّا كنَا نُكَلِّمُه فلا يَسمعُ لِكَلامِنا فكَيفَ نَقولُ لَه
ماتَ الصَّبِيّ، فيَصنعُ شرَّاً ورأَى داوُدُ حاشِيَتَه يَتَهامَسون ففَطِنَ
داوُدُ أَنَّ الصَّبِيَّ قد مات. فقالَ داوُدُ لِحاشِيَيه هل ماتَ الصَّبِيّ
فقالوا قد مات فنَهَضَ داوُدُ عنِ الأَرض واَغتَسَلَ وتَطيبَ وغَيَّرَ ثِيابَه
ودَخَلَ بَيت الرَّبَ فسَجَد ورَجعً إِلى بَيتِه وطَلَبَ فوَضعوا لَه طَعامًا
فأَكَل فقالَ له حاشِيَتُه ما هذا الأَمرُ الَّذي صَنَعتَ؟ فأَنَّكَ لَمَّا
كانَّ الصَّبِيُّ حَيًّا صُمتَ وبَكَيتَ فلَمَّا مات قُمتَ وأَكَلتَ طَعامًا
فقال لَمَّا كانَّ الصَّبِيُّ حَيًّا صُمتُ وبَكَيتُ لِأَنَّي قُلتُ في نَفْسي
مَن يعلَمِ؟ قد يَرحَمُني الرَّبُّ ويَحْيا الصَّبيّ ) سفر صموئيل الثاني 12 :
16 – 22 .
الصوم في حالات المناحة أو الدفن ( وأَخَذوا عِظامَهم ودَفَنوها تَحتَ
الطَّرْفاء الَّتي في يابيش، وصاموا سَبعَةَ أَيَّام ) سفر صموئيل الاول 31 :
13 . ( وناحوا وبَكَوا وصاموا إِلى المساءِ على شاوُلَ وبوناتأَنَّ آبنِه وعلى
شعبِ الرَّبَ وبَيتِ إِسْرائيل، لأَنَّهم سَقَطوا بِالسَّيف ) سفر صموئيل
الثاني 1 : 12 .
الصوم يفيد كذلك عند موت أحد الزوجين بمعنى الترمل ( وكانَت قد هَيَّأَت
لِنَفسِها عُلِّيَّةً على سَطحِ بَيتها، وكانَت تَضَعُ مِسْحاً على وَسْطِها
وتَرتَدي ثِيابَ تَرَمُّلِها
وكانَت تَصومُ جَميعَ أَيَّامِ تَرَمُّلِها، ما خَلا السُّبوتَ وعَشِيَّتَها
ورُؤُوسَ الشهورِ وعَشِيَّتَها وأَعيادَ بَيتِ إِسْرائيلَ وأَفْراحَهم ) سفر
يهوديت 8 : 5 – 6 .
كثير من الامثلة عن الصوم الذي يفتح القلب للنور الالهي وعند النكبات والكوارث
.
الصوم الحقيقي هو صوم الايمان والحرمان لمشاهدة الحبيب والتوبة والمصالحة مع
الله
والمجد لله دائما