الرياء والنفاق وما يتبعهما ظاهرة اجتماعية هل لها من المتفاعلين معهما، ام اختفت وكيف يحذرنا الكتاب المقدس منها.

الرياء: هو سلوك مخالفة الباطن فيما يقال او يفعل او ما لا يعتقد وما لا يؤمن به فالمرائي يعمل ليراه لأخرين وهناك من الأمثلة في مجتمعاتنا فمن يدعى العفة والفضيلة وهو غير فاضل ولا صالح في الحقيقة…..الخ ،”تَحَرَّزُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ الَّذِي هُوَ الرِّيَاءُ” (إنجيل لوقا 12: 1)، وانواعه الرّياء بالبدن ويكون بإظهار الإرهاق والمرض والخوف.. الرّياء بالملابس والهيئة العامة، وبالمشي في الطريق مع خفض الرأس، والرّياء بالأقوال، والرّياء بالأعمال، والرياء بالأصحاب والزّوار، فان الرياء يندرج في معناه مع مجموعة من سلوك النفاق. النفاق: سلوك نفسي قائم على مبدئ تعويض النقص في مواقع الحياة، ففي التواصل الاجتماعي ليتحول الممارسين له الى الة تملق ومديح في حضورهم وذم للأخرين في غيابهم، فضلا عن اشكالا أخرى كالتقرب ممن لديهم مسؤوليات وسلطات “يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِد عَنِّي بَعِيدًا”(متى8:15)، فالنفاق اذا من الحيل الدفاعية** اللاشعورية المسماة ” التكوين العكسي ” حيث يظهر فيها الإنسان خلافا لما يبطن، والامثلة لا حصر لها كما في النفاق الاعتقادي والنفاق عملي، فالأول في سلوك الفكر اظهاره لخلاف ما يعتقد، أما الثاني فهو الكذب في الحديث و… لاحقا سنتطرق الى ذلك . القاري العزيز ستساهم اليوم في النشاط الفكري سوية لعرض الموضوع لنبدئ من:
“أنتُمْ نورُ العالَمِ، فليضيء نورُكُمْ هكذا قُدّامَ الناسِ، لكَيْ يَرَوْا أعمالكُمُ الحَسَنَةَ، ويُمَجّدوا أباكُمُ الذي في السماواتِ” ( مت5: 16.14 ) ، الرب يحملنا المسؤولية في الحياة و ما يميزنا فيها عن الاخرين ان لدينا ما يشير الى “طهروا نُفُوسَكُمْ فِي طَاعَةِ الْحَقِّ بِالرُّوحِ لِلْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ الْعَدِيمَةِ الرِّيَاءِ، فَأَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ”(بطرس1: 22)، “ومدعوون لتبديد الظلام.. “فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلَّا يُدْرِكَكُمُ الظّلاَمُ” (يو12: 35)، كذلك مدعوون، أن نسعى إلى القداسة، “كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ، لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ، بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ، كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ” (بطرس 16،15،14:1)، ونسعى الى “اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ، مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْر”(رومية 9:12) الحقيقة لا يمكن دراسة الموضوع بمعزل عن جميع ما ينضم اليهما من مكملات عمل الريا والنفاق ويعتبر ذلك وجهان لعملة واحدة، كأفعال المكر والخبث والمخاتلة والمداهنة والادعاء والوشاية والنميمة والاغتياب والمذمة والخداع والحسد والكذب ….. الخ “فَاطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ”(بطرس 1:2،1)، و لكي يتكامل ذلك سنسعى الى ان يكون دور القاري في حق المشاركة والتفكير الشخصي الصامت في كيفية تقديم النصح والإرشاد الذاتي أولا والمجتمعي ثانيا في الابتعاد عن كل ما يفسد الحياة الروحية والايمان من خلال ممارسة هذه الآفة المنتشر في المجتمع، والمحزن هنا ان البعض يعتبر ممارستها ومسايرة الاخرين بها هو امر مرغوب، مما يؤدي الى غياب التعامل بحسن نية بين الأفراد لصالحهما و لكن في كلا الحالتين يبقي الرياء و النفاق مختلف عن الوجه الحقيقي للإنسان.
من ابرز السمات الشخصية للمنافق هي: القدرة على المراوغة والتحايل والتقلب في المواقف, التشبث في الخطاب الديني أو السياسي أو الاجتماعي لإسناد تصرفاته المختلفة, الكذب المتواصل في الحديث وفي العلاقات الاجتماعية, خيانة الأمانة, الإخلاف في المواعيد, التحكم في الانفعالات وإظهار نقيضها بما يبعد عنه تهمة النفاق, يحاول المنافق الاهتمام بالمظهر الخارجي كجزء من سيكولوجيا الظهور لاختراق الوسط الاجتماعي الذي يتواجد فيه مقرونا بحلاوة اللسان ويجيد لغة الجسد كتعبيرات الوجه وحركات اليدين وغيرها من الصفات ذات الطابع التمويهي . وهناك الكثير من الإدانة للمنافق في الموروث الثقافي الاجتماعي للشعوب.
لا يستثنى من النفاق كلا الجنسين، فعند الرجال أكثر شراسة منه لدى النساء بفعل اتساع نطاق دائرة التفاعل الاجتماعي والسياسي وتشكل ظاهرة خاصة، وأما النساء فضيق فرص التفاعل الاجتماعي الناتجة من عدم المساهمة في الحياة العامة عند بعض الشعوب, فأن النفاق لديهم ينحصر غالبا في حلقات التفاعل الاجتماعي الصغرى: الأهل والأسرة والأقارب أو الأصدقاء, والنفاق هنا عادة ما يكون معبرا لدى البعض منهن في تخريب العلاقات الاجتماعية في دوائرها الأقرب وبانتحال أكثر من شخصية وبأدوار دقيقة تتناسب مع المفهوم النفسي لازدواجية الشخصية وبإجادة في ادوار السلبية منها والإيجابية.
واستنادا الى ما تقدم يحذرنا الكتاب المقدس من الرياء والنفاق وعلى النحو التالي: يخبرنا الكتاب المقدس ان اول من اظهر الرياء بأنه فاعل خير واستخدم الحية كقناع يخفي وراءه نيَّته في‏ خداع المرأة كان الشيطان وكان ذلك لإيقاعهم في الخطيئة، “َاحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ ؟،ثم بعد “الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ”، فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ: مَا هذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ، الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ”. (‏تك ٣:‏ 13،12،1)‏.
وبعدها أستمرت الحكاية بعد ان تعلم بعض البشر وبذؤا التعامل بهدف الخداع وبلوغ مأربهم الانانية فضلا عن تحول وتغير وتطور الزمان والمكان وتوفر البيئة المناسبة حول العالم والى يومنا هذا، ويشير متى الى الرياء،” فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ، وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ ……، وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ،………”( مت16،5،2:6)، وفي موضع اخر يشير متى الى ان البعض يسلِّط الضوء على عيوب الآخرين فيما عيوبهم هي اكبر بكثير،‏ يتظاهرون بما ليسوا عليه حقا،‏”أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ؟ يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ”(مت 5،1:7).
في الواقع ان كلمة الله تفعل فعلها وما زالت تعاليم الرب يسوع ورسله المدوَّنة في الكتاب المقدس فعّالة الى يومنا كما القرن الاول وأشار بولس الى ان،‏ “كلمة الله حية وفعّالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وتخرق لتفرق بين النفس والروح،‏ ‏ وقادرة ان تميِّز افكار القلب ونيّاته”.‏ (‏عبرانيين ٤:‏١٢)، “أَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَسَيَنَالُهُمُ الْعِقَابُ الْخَلِيقُ بِمَشُورَاتِهِمْ، إِذِ اسْتَهَانُوا بِالصِّدِّيقِ، وَارْتَدُّوا عَنِ الرَّبِّ،” (حك 3: 10)، وهذه دالة جديدة على ما يحذرنا منه الكتاب المقدس وفي ذات الوقت يمنحنا فرصة العيش بموجبه ويساعد الكثيرين ان يتركوا الرياء والنفاق ويتحلوا بالصدق والنزاهة ………… .
أيها الاب القدير، أنت تعرف ضعف طبيعتنا، وتدرك قوة أعدائنا وميلنا للخطيئة وللمجد الباطل، فارحمنا وهب لنا الحكمة لنسلك كما يليق بأبناء الله وأعطنا قوة للعمل بإرادتك وأمنحنا النعمة لضبط ذاتنا وفقا لوصاياك محررا ايانا من الرياء والنفاق والكذب لنحيا حياة الصدق والمحبة والإيمان في رجاء ونعمة، ونجنا من كل شر يحيط بنا وابعدنا من الامراض والاوبئة وامنحنا الصحة والسلامة والمحبة …… الى الرب نطلب
د. طلال كيلانو
——————————————————————————————————–

*الرّياء : اسم مشتقّ من مصدر الرؤية، والرّياء هو القيام بالأعمال والإتيان بها في سبيل الحصول على قبول الاخرين *النفاق : في جوهره يعني ادعاء بشيء مع التصرف بطريقة تخالفه. والكلمة في اليونانية تعني “ممثل” – حرفياً، “شخص يرتدي قناع” – ذلك يعني ان هناك من يتظاهر بغير حقيقته
**الحيل الدفاعية اللاشعورية : يمارسها الإنسان لحماية من القلق والانزعاج، وهذه الحيل هي عمليات عقلية في اللاشعورية و متنوعة : الإسقاط والتبرير والتقمص أو التوحد والإزاحة العكسية والإبطال والإنكار والنسيان والإبدال والسلبية والرمزية والتقدير المثالي والتعميم والأحلام والعدوان والكبت والنكوص” أي العودة إلى الوراء إلى مراحل نمو سبق للإنسان إن تخطاها.

عن د. طلال فرج كيلانو

شاهد أيضاً

قراءات عيد مريم العذراء المحبول بها بلا دنس

الحكمة والشريعة سفر يشوع بن سيراخ 24 : 1 – 32 الحكمة تمدح نفسها وتفتخر …