في ضوء الأحداث غير المطمئنة وتتالي الوقائع المضطربة والفشل المرصود في تبنّي الحكومات العراقية المتعاقبة لمسار وطنيّ حضاريّ متوازن مستقلّ، أكادُ مثل غيري من المتشبثين بأهداب الوطن أن أصل إلى نتيجة صادمة إن لم تكن مخيّبة، في تحويل مسار فكري وحكمي الشخصيين (ولو متأخرًا وأنا في منتصف العقد السادس من العمر) على واقع الحياة السياسية والاقتصادية القائمة وعموم الوضع السائد بسبب الضبابية المرافقة لإدارة الدولة ومن ثمّ الصعوبة المتوقعة بإمكانية رؤية الضوء السليم في نهاية النفق المظلم الذي احتجزنا فيه جميعًا والذي تكادُ مشاكلُه وعثراتُه ومعوقاتُه المتلازمة لا تستشرف حلولاً أو تحسنًا نحو الأفضل. فكلّ الأحداث المثبطة التي تلاحق البلاد وقاطنيها بلا توقف منذ الغزو الأمريكي الوقح في 2003، وكلّ الصور والمآسي التي تزداد قتامةً وبؤسًا يومًا بعد آخر، وكلّ التصريحات والنقاشات والتحرّكات المتلاحقة المشبوهة والمقيتة والفاشلة بإمكانية تشكيل أركان دولة متحضرة، وكلّ الفبركات السياسية التي تبدر من الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية بصدد الإصلاح الموعود والادّعاء بالقضاء على آفات عديدة طارئة ومنها آفة الفساد وصعوبة فرض هيبة الدولة في إدارة البلاد وفي الحفاظ على المال العام من السرقة التي تجري أمام الأنظار ومغازلة المرجعيات الدينية متقاطعة المصالح للجهاز الحكومي والتشريعي والقضائي بتبرير ديني وطائفي واضح المعالم، كلُّها لا تبشّر بخير قادم سياسيًا ودينيًا واقتصاديًا وتربويًا واجتماعيًا. فقد خلطت كل هذه التخريجات القاتمات السوداوات الشكَّ باليقين وخلقت كمًّا من الإحباط واليأس والقنوط بصعوبة إصلاح ما خرّبته السنوات السبع عشرة المنصرمة من حكم أساطين التخلّف وأدوات الفساد والقتل والانتقام الذين أضافوا أكوامًا من الإهانة والنفاق والاستهزاء بالشعب المغلوب على أمره الذي تحوّل إلى شبحٍ مؤمن بسخرية القدر الذي يتلاعب بالعراق وأهله منذ عقود بسبب غياب القاسم الوطني واستبداله بالانتماء الولائي لإحدى دول الجوار.
وبسبب هذه وأخرى غيرها لا حصر لها، بين عامة وخاصة، بَهُتَ بسببها شموخُ العراق وخبا صوتُه الدولي والاٌقليمي وتراجعت سمعتُه حتى بلغت الدركات الدنيا في سلّم ترتيبات الأمم والدول والمجتمعات المتحضّرة في موضوعة احترام مواطنيه و الفشل في تقديم أبسط الخدمات الآدمية وتراجع الصناعة والزراعة والتربية والتعليم وما في شاكلتها نتيجةً لإدامة سمة الفساد وتبييض الأموال وتهريب مليارات الدولارات في مصارف عالمية. كلُّ هذه وغيرها، لخاطر عيون دولة الولاء المقدسة.
عدالة اجتماعية ضامنة للمواطنية ولا سواها
إذًا، تراجُعُ العراق ومجتمعُه ضمن خارطة الأمم والشعوب المتحضرة المسلحة بالعلم والمعرفة والثقافة والتكافل المجتمعي، وانتقالُ مجتمعاته من خانة الثقافة والحضارة والولاء للوطن إلى مفهوم الخنوع والولائية كالقطيع في أحضان الغير بتبريرات عرقية وطائفية ودينية ومذهبية، هي من بين مسببات أخرى كثيرة في أشكال هذا التراجع. فالوطن الحقيقي الذي يفتخر المواطن بالانتماء إليه، هو الذي يحمي الفرد ويحتضن جميع أبنائه بمساواة وعدالة ومن دون تمييز في العرق والدين والطائفة واللون، ويقدم له ما يحتاجه من أمن واستقرار وخدمات ورفاهة عيش وعمل شريف يكسب منه رزقه بالحلال في ضوء الكفاءة والأهلية والحب العذري له ولأرضه ولسمائه ومياهه قبل غيره. فعندما تختفي العدالة الاجتماعية من القاموس السياسيّ لأية حكومة أو دولة بحجج واهية وبتبريرات مذهبية وطائفية وجهادية ونضالية فارغة، فذلك إنذارٌ بفقدان ذلك البلد سببَ وجوده، وتبريرٌ منطقيّ للتفكير بهجره لعدم قدرته على حماية مواطنيه وتأمين عيشهم وحريّتهم وحركتهم. وهذا ما تتطلّبه أبسط شروط الحياة الإنسانية المتمدنة.
فالوطن الحقيقي الصحيح هو مَن يحترم أبناءَه ويحتضنهم بين كنفيه ويُؤمِّن لهم سبل العيش الكريم والأمن والاستقرار وسائر الخدمات الآدمية المطلوبة في نطاق مساواة مواطنية محترمة وعدالة اجتماعية متوازنة لا تقبل بالتمييز ولا بالتعسّف في المبدأ الوطني العام الذي يشمل الجميع بكافة الحقوق والواجبات المطلوبة من جانب الطرفين، وكأنه عقد اجتماعي بين الوطن والمواطن. ولكن، متى اختلّ التوازن في هذه المعيارية التي ترسم خارطة الطريق بين الطرفين، حينئذٍ من الطبيعي أن تختلف أساليب المعالجة وتتباين وسائل التواصل والتجاذب وحتى الاحتكاك الماديّ والمعنويّ بينهما. ومن الممكن أن يصل التمادي في طريق الخلل إلى قطع صرّة العلاقة بين الطرفين. وربّما يصل الأمر في حالة إغلاق كل المنافذ المتاحة لمعالجة الخلل لتصل في أسوأ الأحوال إلى الصدام المسلّح مع الفئة أو الفئات التي تستخفّ بحقوق الوطن والمواطن وكرامتهما بسبب فقدان الدولة لهذه الكرامة ولسيادتها وهيبتها للأسباب الوضعية الشاذة وغير المقبولة إنسانيًا أولاً ثمّ وطنيًا وإقليميًا ودوليًا. فقطع الأرزاق وغياب الكرامة الوطنية وضعف السيادة على البلاد وفقدان المقدرة على محاسبة سرّاق المال العام وقتلة أبناء الشعب واختطافهم وتهديدهم، ومنهم منتفضو تشرين وأصحاب الرأي العام، من شأنها حتمًا أن تقود الحراك إلى علاج صعب آخرُه الكيّ، بالرغم من عسره وصعوبته ومدى الألم الذي يمكن أن يأتي به والمآسي التي يجلبُها في حالة الاضطرار إلى استخدام آخر الدواء بإعلان البيان رقم 1، والذي لن يكون ممكنًا من دون تدخلٍ دوليّ مأذونٍ به.
يؤلمني اليوم أكثر من ذي قبل، تسارعُ الأحداث النحسة في الوطن نحو الأسوأ بسبب رفض ساسته وزعامات أحزابه المتسلّطة المستقوية بدول الجوار، كلّ حسب مصالحها ومنافعها، التراجع عن مواقفها المتصلّبة بالتمسّك بالسلطة وإصرارها على إدامة بقائها ما تسنّى لها ذلك بقوة السلاح والأدوات الأخرى من مال ونفوذ وغطاء ديني ومذهبي، تتحكم بها في تقوية هذا المنهج الذي أثبت خطأَهُ، والذي بسببه ثار عليهم الشعبُ قبل أكثر من سنة ومازال مفترشًا سوح الكرامة والشرف المتعددة في أرجاء البلاد المتألمة، ومنها أنموذجًا، ما يجري في محافظة ذي قار البطلة سليلة لكش وأور وسومر. والمعيب في كلّ هذا وذاك، وبدل أن يتعظّ ساسةُ البلاد من نتائج الثورة العارمة الوخيمة اللاحقة لا سمح الله، والتي طالبت برحيل الفئة الفاشلة الحاكمة “شلعًا وقلعًا”، جابهوا الثوار بقساوة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً إلاّ في زمن البلاشفة والرايخ الثالث والدكتاتوريات العربية والإقليمية والدولية الحديثة التي أفقدت بلدانَها سمة الحرية الحقيقية والنفحة الإنسانية التي توصي بها السماء. وبسبب التعنّت الوقح ورفض مغادرة السلطة بسلاسةٍ نزولاً عند رغبة فئات كثيرة للشارع الثائر المقهور، درءً لمخاطر الانزلاق نحو حربٍ أهلية لا يستبعدُها المراقبون، فقد آثرتْ أحزابُ السلطة الحاكمة بضغطٍ خارجي غير مبرّر من دولة جارة، ضربَ آليات الديمقراطية الفتية التي اختبرها الشعب لأول مرة متوقعًا منها تغييرًا في الأحوال نحو الأفضل. لكنّ الوقائع سارت بعكس ما تمنّاه أصحابُ الأرض بسبب فقدان الاستراتيجية السياسية للغازي الأمريكي لفترة ما بعد الاحتلال، حيث خلتْ خططُ الغزاة من أية لمحة واضحة وصريحة بترتيب الأوضاع بعد تحقيق هدف القضاء على النظام السابق ورأسه الرمز، فتركوا مستقبل البلاد ومصيرها بيد المجهول ليقرّر مصيرها الزمنُ الغادر وروّادُه فاقدو الوطنية والنخوة والإنسانية. وهذا ما جرى تمامًا، حين تحولت البلاد إلى لقمة سائغة وجسد منهك تنهشه الذئاب المسعورة، وكعكة لذيذة يقتطع منها الساسة وذيولُهم وأتباعُهم، وما أكثرهم في الداخل والخارج، لغاية ترك خزينة البلاد خاوية بسبب إغراقها بالديون وتحويل الأموال المنهوبة خارج البلاد تحت حماية وغطاءٍ من دول طامعة داعمة لإبقاء البلاد في الفوضى الخلاّقة التي أحدثها الغازي الأمريكي المحتل بكل وقاحة وفخر.
لقد رفض ساسةُ البلاد وأجهزتها التشريعية والتنفيذية والقضائية طيلة السنوات المنصرمات منذ الغزو الأمريكي القبيح، كلّ دعواتٍ ونصائح للتوجه إلى الإصلاح الحقيقي في مسار الدولة المتعثّر في إدارتها على أسس استراتيجية ووطنية بحتة تضع الوطن في مقدمة الأولويات وتقيّمُ الرجلَ المناسب ليحتلَّ موقعَه في المكان المناسب. إلاّ أن إصرار الزعامات الفاسدة التي تتولى إدارة البلاد بتمثيلها الصريح لجهات خارجية مشبوهة طامعة وبعيدًا عن أية مسحة وطنية، قد مزّقَ خيمة البلاد الوارفة وجعلَ من الطائفة والمذهب والعرق والعشائرية والإقطاعية مرة أخرى أدواتٍ لحكم البلاد والعباد. وهكذا ضاع الاثنان، الوطن والشعب، في دهاليز وأنفاق الخندق المقيت والمرفوض من معظم طبقات الشعب بعد أن بلغ السيلُ الزبى ولم يعد من طريق آخر سوى الثورة على التعسّف والظلم وصنّاعِه وأدواتِه حين حوّله معظم ساسة الصدفة والفساد وأحزابُهم المتأسلمة الكريهة إلى بقرة حلوب لأطماعهم عبر سياسات زيادة النفقات العامة غير الضرورية في آخر ميزانية للعام 2021. وهذا ما يعني استمرار هدر المال العام، ونهب الثروات بذات طريقة مقاسمة الكعكة، وتردّد الجهات التنفيذية والفضائية المعنية والعديد من لجان مكافحة الفساد أو تقاعسها بمحاسبة السراق واللصوص الحقيقيين والكشف عن قتلة المتظاهرين والحدّ من مافيات الاتجار بالمخدرات التي استفحلت وأصبحت ظاهرة. ومثلُها الكشفُ عن فرق الاغتيال ضدّ كلّ من نادى بوطن مفقود، وذلك عبر تشريعات لا تتبنى نهجًا ناجعًا لوسائل المحاسبة والتعقّب والملاحقة الجادّة المطلوبة بسبب ضعف الإدارة وهزالة الإرادة.
صولات الصدمة
مع كلّ ما يصدر عن الجهات الرقابية الرسمية ومكاتب الرئاسات الثلاث هذه الأيام من كلام معسول بالحرص على ملاحقة الفاسدين والحدّ من ظاهرة الفساد المستشرية في مفاصل الدولة، إلاّ أن واقع الحال يقول بغير ذلك. فما يُقالُ لا تلحقُه دومًا أفعالٌ في كلّ الأحوال، بل يبقى مجرّد وعود عرقوبية لا ترقى لمستوى التنفيذ في ملاحقة حيتان الفساد الحقيقيين وقد أصبحوا معروفين لدى القاصي والداني. فإذا كانت الحكومة واجهزتُها الرقابية جادّة في ملاحقة سرّاق الشعب واستباحة قوتهم اليومي، فما عليها إلاّ أن تبدأ صولات الصدمة الجادة مع كبار اللصوص من زعامات الأحزاب التي تتحكم بالبلاد والعباد منذ السقوط الدراماتيكي في 2003 بقوة المال والسلاح والنفوذ، لاسيّما وقد توفرت هذه الأيام وبما لا يقبل الجدل والشك الكثير من الوثائق والأدلة والشهادات التي تدين عصابات اللصوصية والسرقة في وضح النهار بغطاءٍ من سلطات وزعامات عليا تتحكم بمصير البلاد والعباد وتحمي اللصوص والفاسدين مباشرة أو عبر أدواتها التي اعتادت فرضَ فتواّتها بقوّة السلاح وبوسائل الترعيب والتهديد نهارًا جهارًا. فأين الادّعاء العام واين القضاء الذي يدّعي “الاستقلاليّة” من هذه التوثيقات والفضائح التي إنْ تحرّكت دولٌ أجنبية لتقتصّ من مرتشين تشاركوا مع شخصيات وساسة ومسؤولين عراقيين في الكسب غير المشروع، لم نرى تحرّكًا حقيقيًا وصادمًا للقضاء العراقي حيالَ هذه الجرائم الكبرى. بل مازال العديد من الفاسدين يتولّون مسؤوليات سياسية ومناصب عليا في الدولة، وكأنَّ شيئًا لم يكن. فحتى القضاء وأجهزتُه وشخوصُه قد وقعوا أسرى هيمنة أحزاب السلطة والمثلث الحاكم. أمّا ما بدرَ مؤخرًا من الإيقاع بقيادات ثانوية تنفيذية تابعة لأجندات زعامات السلطة، وما سيبدرُ لاحقًا، لا يكادُ يصل العتبة الثالثة أو الرابعة لهذه الزعامات الفاسدة التي تُمسكُ ببوصلة القضاء وتوجهُه وفق مصالحها الشخصية والفئوية والمذهبية والعشائرية كيفما كان وحيثما يطيب لصالحها.
إنه من الأجدر، بعد أن فاحت جيفة الفضائح، وآخرها عصابة التقاعد وتراخيص شركات النفط والهاتف النقال واستمرار فساد نافذة العملة وسطوة مصارف إسلامية على سياستها ورهن نفط كردستان العراق لأجلٍ غير مسمّى خارج سلطة الدولة الفدرالية، وما خفي كان أعظم، من الأجدر اليوم بدء حملة الصدمة بتعاون حقيقي وجادّ من قبل القضاء والحكومة بدءًا من زعامات الأحزاب وكبار المسؤولين وصولاً إلى القاعدة وليس العكس. فمعروفٌ أنّ تنظيفَ البيت يبدأ من أعلى الدرج وليس من أسفله، أي بدءً من الزعامات السياسية التي تمسكُ بمفاتيح الإدارة السيئة العامة في البلاد ووفق مبدأ: من أين لك هذا؟ هذا إذا كانت “سيدة البيت” جادة وحريصة على تنظيف دارها من الأدران والأوساخ وما يلصق بالجدران والأسقف والأرضيات من ملوّثات تجعل البيت يفوح جيفة وخيسة ورائحة نتنة. فأين لساسة العراق من مثل هذه السيدة الحريصة على بيتها وعائلتها، أو هذا السيّد الوفي لداره وأسرته، كي يتعلّموا الدروس والعبر من زعامات دولية وطنية نزيهة كانت لها بصماتُها في تغيير معالم بلدانها وشقّ طريقها نحو التحوّل الشامل والتطوّر المتنامي، كما حصل مع اليابان وألمانيا اللتين خرجتا من حربين عالميتين خائرتي الاقتصاد، ومثلها سنغافورة والبرازيل وراوندا وجنوب أفريقيا وماليزيا وأثيوبيا مؤخرًا وغيرها من دول العالم الثالث التي أدارها زعماء ناجحون اتسموا بحب الوطن والنزاهة في العمل والإدارة الرشيدة والاستشارة الصحيحة في بناء الأوطان وتوجيه دفة البلاد نحو الأفضل. والملاحظ في مثل هذه الزعامات التاريخية أنها تنحت عن السلطة والحكم وانسحبت من الحياة السياسية بهدوء من دون أي تعنّت أو تشبّث بالسلطة ومفاتنها وبهرجتها تاركين المجال لغيرهم من مواطنيهم لإكمال مسيرة الإبداع والإدارة الرشيدة. وما أحلى ما قاله دي سيلفا، الرئيس البرازيلي الخامس والثلاثون الذي اختير كأكثر شخصية مؤثرة في العالم للعام 2009م في تحقيق العدالة الاجتماعية لمواطنيه وتضييق الفجوات بين الأغنياء والفقراء بسبب برنامجه الإصلاحي الوطني الخالص الذي نقل البلاد من اقتصاد خاسر بمديونية قاتلة إلى بلد صناعي متقدم انتشل مواطنيه من الفقر وجعلها في مصاف الدول المتقدمة بفضل حنكته ورؤيته بعيدة النظر لحالة البلاد. ولعلَّ أجملَ ما صرّح به حين انتهاء ولايته الثانية ومطالبة حشود المؤيدين له بتغيير الدستور للفوز بولاية ثالثة: “أنا أمضي ولكن سيأتي بعدي مليون دي سيلفا”. وغادر السلطة مطمئنًا وغير نادم عائدًا إلى حياته البسيطة في مسقط رأسه.
هذا هو الفرق بين منطق الدولة واللادولة، بين التبعية الولائية للخارج والأجنبي الدخيل وبين المواطنية التي تقدّس الوطن وتحرص على بنيانه وصيانته أرضًا وشعبًا وثروة. فعندما تفقد الأممُ هيبتها ويتراجع مصيرُ الشعوب وتتخلّف الأوطانُ عن الركب العالمي، لا يكون مصيرُها سوى الوقوع بين أنياب ساسة اللاّدولة وعصابات ومافيات الدولة العميقة التي تتحكم بمصائر الجميع وتضع الوطن وأهلَه رهائن سذّجًا بأيدي الغرباء والدخلاء والجهلة. وقانا الله من شرّ البلية. فقد يكون الغدُ أتعس من اليوم ومن الأمس عند بقاء الأوضاع كما هي، لحين انتظار ثورة الجياع القادمة الكاسحة، لا محالة!
بقلم : لويس إقليمس
بغداد، في 27 شباط 2021