مقدمة أنجيل البشير يوحنا الجزء الثاني

الانجيل الرابع والتاريخ
قام جدل من أوائل القرن التاسع عشر في قيمة انجيل يوحنا التاريخية ولكن البحوث
الحديثة بعد أخذ ورد طالا مدة من الزمن ايدت ما للانجيل الرابع من قيمة من هذه
الجهة أيضاً اول ما يحسن التنبه له ان يوحنا روى أحداثاً كثيرة وردت في
الاناجيل ويصح هذا القول على وجه خاص في نشاط يوحنا المعمدان والمعمودية في
الأردن وعدة معجزات ولا سيما معجزة تكثير الارغفة يوحنا 1 : 19 ، 51 ، 2 : 13
، 21 ، 6 : 1 ، 21 هناك جملة اخبار الآلام والقيامة يوحنا الفصول 12 ، 21 اذا
قارنا بين هذه الأجزاء امكننا ان نستنج ان يوحنا توخى أحداثاً يعرفها التقليد
وأنه رواها بصدق لا بل اتى في عدة أمور بمواد طريفة يمكن الاعتماد عليها
فالاشارات الجغرافية والزمنية والاخبار عن المؤسسات اليهودية والرومانية تدل
كلها على معرفة لشؤون الحياة في أوائل القرن الأولى وقد زالت تلك الاحوال بعد
حرب سنة 66 ، 72 ميلادية مع أن يوحنا كان بعيداً جداً عنها ومعنى ذلك أنه عني
بالتزام الأحوال التاريخية التي عاش فيها يسوع فلسنا امام قصة لاهوتية
والانجيل يتكلم على كائن عاش ومات في زمن معروف يوحنا 2 : 20 يوحنا عالم بما
يقول فيه التقليد ومن جهة أخرى فان يوحنا يعد نفسه شاهداً او على الأقل كانوا
يعدونه كذلك يوحنا 19 : 35 ، 21 : 24 هذا ما يقتضي ان يشهد الانسان على أحداث
او حقائق له معرفة شخصية بها ويتخذ موقفاً منها فاذا ان الرسالة تتناول في
الاساس أن الكلمة صار بشراً وسكن بيننا حتى اننا رأينا مجده أدركنا ما في
الحقيقة التاريخية المروية من أهمية لا مثيل لها فيوحنا يوضح معنى ما حدث في
يسوع المسيح ولذلك فان كتابه يبدو أولاً رواية لسلسلة آيات اختارها من بين
الكثير من الآيات يوحنا 20 : 30 ، 31 ، 21 : 25 بذلك يدخل الانجيلي في فن
التقليد الكتابي الذي يصف مرحلة بعد مرحلة رواية علاقة الله بشعبه كأنها رواية
أعمال الله في داخل تاريخ البشر ان إسرائيل فضل دائما الحث على الكلمة فلا
يكفي أن يروي الانجيلي بل عليه أن يستخلص معناها يوحنا 9 : 1 ، 41 يدرك مداها
وعمقها لكي يستطيع التلاميذ أن يتقدموا في المعرفة ويتفتحوا للحياة الأبدية
وتروي الآيات لتؤمنوا بأن يسوع هو المسيح ابن الله ولتكون لكم اذا آمنتم
الحياة باسمه يوحنا 20 : 30 ، 31 يعلم يوحنا أن هذا التفهم التدرجي لم يحصل
عليه إلا بالنظر إلى سر الفصح فكان لا بد ان يجتاز المسيح إلى المجد الكامب
بعد مروره بالصليب لكي يظهر ما في حياة يسوع وفي أصغر عمل من أعماله من معنى
عميق كان لا بد في الوقت نفسه من موهبة روح الحق وهو ثمرة الفصح يوحنا 7 : 39
، 16 : 7 ، 20 : 22 الروح يسير بالمؤمنين إلى معرفة الحق كله أي إلى ادراك كل
ما فيه حقيقة وعمل يسوع ابن الله المتجسد يوحنا 16 : 5 ، 15 ذلك ما رسب في
ذاكرة يوحنا عودة إلى يسوع بحذافيرها لإدراك معناها يوحنا 2 : 21 ، 22 ، 12 :
16 ، 14 : 26 ، 15 : 26 ، 27 نحصل على هذا التفهم وفقاً لتقليد مسيحي وجيه ان
ربطنا الأحداث التي عاشها يسوع بما في العهد القديم من أحداث وأقوال نبوية
تنال بذلك معناها الحقيقي يوحنا 2 : 17 ، 5 : 37 ، 47 ، 7 : 17 ، 12 : 16 ، 37
، 41 ، 19 : 24 ، 28 ، 36 ، 38 لقد أدرك يوحنا أكثر من أي واحد ما للحقائق
الظاهرة في يسوع من جدة لا حد لها فعبر عنها وفقاً لمناهج ذات طراز مسيحي فنحن
اذاً امام طريقة لا ترد في طابعها التاريخي وان أختلفت اختلافاً كبيراً عن
الطرق او المتطلبات الخاصة بالمؤرخين الوضعين الذي يجعلون اهتمامهم في سرد
الأحداث سرداً دقيقاً لا في توضيح معناها بتحديد مكانها من تدبير الخلاص في
جملته ان بعض أهل العصر يسمون ذلك تاريخاً تبشيرياً او تاريخياً نوعياً علماً
بأن الأقدمين كانوا يسمون انجيل يوحنا انجيلاً روحياً اقليمنظس الاسكندري وهذا
الأدراك على وجه عميق للمسيح ولعلمه يتم في أغلب الأحيان بالتعبير عن تاريخه
بالرموز فعين التلميذ تكشف شيئاً فشيئاً ان للافعال او الأقوال عدة درجات في
معانيها وانها تحيل دائماً إلى ما أبعد منها ومن هنا أهمية فكرة الآية والميل
إلى الايحاء بما لحدث او لعمل ما من معانً متعددة يوحنا 3 : 14 ، 15 ، 8 : 28
، 12 : 32 آخر الأمر شيء من التهكم الساخر أمام أقوال اخصام قابلة للدلالة على
خلاف ما تدل عليه يوحنا 7 : 52 ، 9 : 24 ، 27 ، 11 : 49 ، 12 : 19 ، 16 : 30 ،
19 : 18 ، 22 اختبار الروح القدس وحده يمكن ادراك ما يهدف إليه النص

المؤلف
هذه الملاحظات كلها تؤدي إلى الجزم بأن انجيل يوحنا ليس مجرد شهادة شاهد عيان
دونت دفعة واحدة في اليوم الذي تبع الأحداث بل كل شيء يوحي خلافاً لذلك بأنه
أتى نتيجة لنضج طويل لا بد من الاضافة أن العمل يبدو مع كل ذلك ناقصاً فبعض
اللحمات غير محكمة وتبدو بعض الفقرات غير متصلة بسياق الكلام يوحنا 3 : 13 ،
21 ، 31 ، 36 ، 1 : 15 يجري كل شيء وكأن المؤلف لم يشعر قط بأنه وصل إلى
النهاية وفي ذلك تعليل لما في الفقرات من قلة ترتيب فمن الراجح أن الانجيل كما
هو بين أيدينا اصدره بعض تلاميذ المؤلف فاضافوا عليه يوحنا فصل 21 لا شك انهم
أضافوا أيضاً بعض التعليق يوحنا 4 : 1 ، 2 ، 44 ، 7 : 39 ، 11 : 2 ، 19 : 35
أما رواية المرأة الزانية يوحنا 7 : 53 ، 8 : 11 هناك اجماع على انها من مرجع
مجهول فأدخلت في زمن لاحق وهي مع ذلك جزء من قانون الكتاب المقدس أما المؤلف
وتاريخ الانجيل الرابع فلسنا نجد في المؤلف نفسه أي دليل واضح عليهما وربما
كان ذلك مقصوداً فيجب ان يتوقف لا على الشاهد بل على من هو موضوع البشارة
والتامل يوحنا 3 : 29 ، 1 : 8 ، 4 : 41 غير أن الآية يوحنا 21 : 24 التي أضيفت
لا تتردد في التوحيد بين المؤلف والتلميذ الذي أحبه والوارد ذكره مرراً كثيرة
في أحداث الفصح يوحنا 13 : 23 ، 19 : 26 ، 20 : 2 لا شك ان المعني هو ذلك
التلميذ الآخر المذكور في نصوص دون ان يسمى يوحنا 1 : 35 ، 39 ، 18 : 15 ان
التقاليد الكنسية تسميه يوحنا منذ القرن الثاني وتوحد بينه وبين احد ابني زبدي
احد الاثني عشر هناك جزء من مؤلف لبابياس مطران هيرابوليس فريجياً يرقى تاريخه
إلى نحو السنة 140 بعد الميلاد وفيه هذه الجملة التي تترك مجالاً للتردد في
هذا الأمر لن أتردد أن أضع بين التفسيرات تلك الأمور التي تعلمتها تعليماً
حسناً جداً ذات يوم عن الأقدمين فحفظتها حفظاً حسناً جداً في ذاكرتي بعد أن
تحققت صحتها وان وصل أحد من تابعة الأقدمين كنت استعلم منه عن أقوال الأقدمين
ما قاله اندراوس أو بطرس أو فيلبس أو توما أو يعقوب أو يوحنا أو غيرهم من
تلاميذ الرب أو ما يقوله ارستيون ويوحنا القديم تلميذان للرب اوسابيوس تاريخ
الكنيسة فكانوا أذاً يميزون بين يوحنا الرسول وأحد الاثني عشر من يوحنا آخر
القديم تلميذ الرب ولا يشير بابياس إلى مؤلفات لأنه كان يهتم خصوصاً بالكلام
الحي الثابت وفي أواخر القرن الثاني كان ايريناوس واضحاً حيث كتب ثم يوحنا
تلميذ الرب الذي أتكا على صدره فقد أصدر هو أيضاً انجيلاً في أثناء إقامته في
أفسس الرد على الهراطقة ففي نظر ايريناوس وهو يعرف نفسه تلميذاً لبوليكرس الذي
يتحدث عن علاقاته بيوحنا وسائر تلاميذ الرب اوسابيوس تاريخ الكنيسة المقصود هو
ابن زبدي احد الاثني عشر في ذلك الزمان كانوا يميلون وان تردجد بعضهم إلى أن
ينسوا إلى أحد الاثني عشر المؤلفات التي تعد قانونية وأما الانجيل الرابع فنحن
أمام شبه اجماع فجميع المؤلفين قانون موراتوي واقليمنضس الاسكندري واوريجينس
وترتليانس يتحدثون عن نسبته إلى يوحنا احد الاثني عشر تحدثهم عن امر اكيذ
وكانت وكانت هناك حلقة صغيرة من الرومانيين وعلى رأسهم الكاهن كايوس يعربون عن
ترددهم في هذا الأمر من دون اللجوء إلى التقليد هذا الرأي التقليدي طرحه
النقاد على بساط البحث في أوائل القرت التاسع عشر فشددوا على ما هناك من فوارق
بين يوحنا والازائيين وعلى ما يظهر فيه من تطور لاهوتي فإن لم يكن المؤلف على
حد قولهم شاهد عيان فليس لمؤلفه في أغلب الأحيان قيمة تاريخية وكانوا ينظرون
إلى صاحب الانجيل الرابع نظرهم إلى اللاهوتي الذي حقق في أواسط القرن الثاني
نوعاً من التوفيق بين التيارات البطرسية والتيارات البولسية لا شك ان رد الفعل
عند البيئات الكنسية كان شديداً في اول الأمر لأنهم كانوا يربطون إلى حد بعيد
بين مسألة هوية المؤلف ومسألة قدرته على الشهادة وكادوا يجعلون من نسبة النص
إلى يوحنا الرسول نفسه مسألة إيمان أما فقد تعلمنا أن نحس التمييز بين المسائل
ويمكننا اليوم بفضل الخطوات التي خطاها التفكير في التاريخ وفنونه أن نتخلص من
المسائل التي لا غنى عن اختيار احد شقيها لا بد من الأشارة اولاً إلى أن نشر
جزء من الانجيل الرابع ( يوحنا 18 : 31 ، 33 ، 37 ، 38 عثر عليه في مصر ويرقى
تاريخه في رأي أحسن الخبراء إلى السنوات ما بين 110 ، 130 ميلادية قد فرض على
النقاد العودة إلى أمر تقليدي وهو صدور الانجيل الرابع في أواخر القرن الأول
ومن المحتمل جداً ايضاً أن يحدد مكانه في كنيسة من كنائس آسية الهليلستية أفسس
وليس لنا أن نستبعد استعباداً مطلقاً الافتراض القائل بأن يوحنا الرسول هو
الذي أنشاه ولكن معظم النقاد لا يتبعون هذا الأحتمال فبعضهم يتركون تسمية
المؤلف فيصفونه بأنه مسيحي كتب باليونانية في أواخر القرن الأول في كنيسة من
كنائس آسية حيث كانت تتلاطم التيارات الفكرية بين العالم اليهودي والشرق الذي
اعتنق الحصارة اليونانية وبعضهم يذكرون بيوحنا القديم الذي تكلم عليه بابياس
وبعضهم يضيفون أن المؤلف كان على اتصال بتقليد مرتبط بيوحنا الرسول فلا عجب أن
يكون للتلميذ الذي أحبه يسوع تلك المكانة السامية بينه وبين يوحنا بن زبدي ومن
الغريب أن يوحنا هو الرسول الكبير الوحيد الذي لم يرد اسمه قط في الانجيل
الرابع

الفكر اللاهوتي
لا مجال لعرض نظرة إجمالية في فكر يوحنا اللاهوتي فهو أمين للتقليد الكتابي
الوجيه الذي لا يعرض نظرية بل يوحنا أحداث الخلاص ولا يفكر في وضع مبدأ أساسي
تنتظم بموجبه سائر الأمور ويتركز الانتباه كله على المسيح فلا يستطيع المؤمنون
ان يصلوا إلى الحياة الأبدية باكتشاف الآب إلا اذا عرفوا المسيح واتحدوا به
نكتفي ببعض الاتجاهات ذلك الفكر اللاهوتي لا شك أن المنهج وجود سابق تجسد لا
يقتصر على الانجيل الرابع فاننا نجده على سبيل المثال في نشيد رسالة فيلبي 2 :
6 ، 11 ، قولوسي 1 : 15 لكنه يفيد التعارض عموماً بين الآلام والقيامة أما
يوحنا فله نظرة أوسع فأقرب إلى التقليد فهو ينظر إلى مجمل حياة يسوع آيات
وأقوال ويعلق أهمية كبرى على حدوثها في الزمان موضوع الساعة ولا يتم تجلي الله
في داخل العالم المجد إلا من خلال أحداث حياة يسوع وتبلغ ذروتها في الفصح ولكن
هذا التجلي لا يصبح بذلك أمراً من أمور العالم المسلم بها فالتجلي يطرح مسألة
العالم على بساط البحث والذين يؤمنون يولدون لحياة جديدة غير ان العالم في حد
ذاته يرفض ما لا يقاس به والانجيل يوحي بنزاع ينتهي بآلام وقيامته وهكذا
فالعالم يدان ويحكم عليه في الساعة التي كان يظن فيها أنه تغلب على الذي سبق
أنه انكره نكراناً تاماً لم يصف يوحنا سابق وجود المسيح ولم يرو على سبيل
المثال حواراً سماوية يتسلم فيه الابن رسالته فنحن بعيدون عن الاسطورة ففي وجد
يسوع يتجلى الآب للذين يتقدمون في المعرفة بالايمان وبموهبة الروح القدس

اعداد الشماس سمير كاكوز

عن الشماس سمير كاكوز

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …