الأحد الرابع من الصيف 2022

في نَصِّ يوم الأحد هذا، يُطهِّر يسوع ويُعمِّق طريقة عَيش العلاقة مع الله، في حديثِهِ الّذي يَمس العلاقة بين التقاليد والشريعة. وضعَ الفريسيون العديد مِنَ القواعد للحفاظِ على “الطهارة” أمام الله: غسل اليدين حتّى المرفق، والغسيل عند العودة مِنَ السوق، وغسل الأطباق والصحون والأكواب … هذا التقليد الشفهي، ضروري للاستجابة لاحتياجات تَطبيق وصيَّة الله، الّتي ولِدَت مِنْ رغبة مُقدَّسة.  

كيف يُقدِّس المرء نَفسه في الحياة اليوميَّة؟ كيف يُمكِنُنا أنْ نكون دائمًا في شركة مع الله؟  

كان الجواب في ذلك الوقت هوَ التدوين الدقيق للقوانين. على سبيل المثال: كيف أتأكّد مِنْ أنَّني “طاهر” أمام الله؟ لا تلمس هذا، لا تأكل ذلك، اغتَسل حتّى المرفق، قُل هذهِ الصلاة وأنتَ تغسل … الخطر كان أنْ تعيش سلسلة مِنَ الطقوس الخارجيَّة والسطحيَّة، تَغفل عن الداخل والأساسي! عندما رأى الفريسيون والكتبة تلاميذ يسوع الّذين لم يلتزموا بالتقاليد، ينتَقِدونهم بشدّة.  

يسوع، الّذي وضع نفسه على خَطِّ الأنبياء، يكشف عن موقف مُنافق مِنْ جانب مُحاوريه ويقتَبس نصّاً مِنْ النبي إشعيا. كأنَّه يقول: أنتَ مُنتَبِه جدّاً لمعاييرك الخارجيَّة وفي الوقت نفسه، داخليّاً، أنتَ مَليء مِنَ الشَّر؛  

كيف تَشعر النَقاء أو الطهارة؟ سادت التقاليد، الّتي كانت تهدف إلى المساعدة في احترام شريعة الله، على الوصايا. يشعر المرء أنَّه على حَق إذا كان قد لاحظ التقاليد عن طريق إغفال القلب وقلب إرادة الله وقلبه! لذلك نأى يسوع بنفسِهِ عن “تقليدَهم”.  

لقد اختُزلت العِبادة إلى شيء فارغ، شكلي وخارجي، لا تقوم على كلمة الله بل على العقائد البشريَّة الّتي أعاقت حتّى الالتزام بإرادة الله، واليوم لدينا أيضًا العديد مِنَ التقاليد الدينيَّة، والعديد مِنَ العادات المجتمعيَّة والشخصيَّة. النقطة المهمَّة هي: هل يساعد التقليد، وهو طريقة لفعل التدين والعيش فيه، على عيش المزيد مِنَ المحبَّة لله والقريب أم لا؟  

عندما يختفي الكتبة والفريسيون مِنَ المشهد، يدعو يسوع الحشد ويرشدهم، موضِّحًا مسألة الطاهر / النَجس. لم يكن مِنَ السهل استيعاب تعاليم يسوع الّتي هدَمَت بكلماتٍ قليلة إحدى النقاط الأساسيَّة في التقليد اليهودي، والّتي لا تزال ساريَة حتّى اليوم بين اليهود الملتزمين.  

يوضح يسوع أنَّه ليس ما يَلمِسَه المرء أو ما يأكله يجعل المرء نجسًا، أي غير صالح للعبادة، بل ما ينمو في القلب. في الواقع، تخرج “الأفكار / النوايا الشريرة” مِنَ القلب: النَجاسة (= الاستخدام غير المنضَبط للجنس)، السرقات، القتل، الزنا (= الخيانة)، الجشع (الجشع للمال والمادة، مصحوبًا بالطمع)، الشر (= الشر، القيل والقال، الإنتقادات، الإساءات)، الخداع، الفجور، الحسد، الكبرياء، الحماقة (مُبادلة الخير بالشَر، حتّى بدون الله). لكي لا يتم اختزالها في قائمة باردة، سيكون مِنَ الجيّد أنْ نتَوقف للحظة ونترك أنفُسنا تتأمّل، ونصنع “ماسِحة ضوئيَّة” صغيرة للقلب في نورِ كل كلمة يستخدمها يسوع …  

النجاسة الحقيقيَّة الّتي تبعدنا عن الله هيَ الخطيئة ولا يتم التَعاقد معها إلّا عندما نقرِّر الشَر ونزرع الشَر في القلب. هذهِ هيَ النجاسة الّتي يريد يسوع إزالَتِها وقد حان الوقت لإزالتِها: بالترحيب بروحِهِ وكلمته، والصلاة ومُراقبة الأفكار والمشاعر، والاعتراف بشكلٍ مُنتَظم، خطوة بخطوة، “تطهير” أكثر وأكثر، وتَحرُّر مِنَ النزعة الشريرة. والعَيش حسب كلمة الله كي نصبح قادرين على فعل الخير.  

يُطهِّر الروح القُدس القلب ويجعله أكثر فأكثر هيكلاً ومكانًا لحضورِهِ. وكلَّما ازدادَ حضور الله وكلامَه في القلب، كلَّما قال وفعل الخير أكثر. لذلك يطلب يسوع ويريد أنْ نلتَصق بِعُمق بهِ بشخصِنا كُلّيِّاً، مِمّا يجعلنا على أهِبَة الاستعداد عندما يكون هناك خطر اختزال الإيمان إلى قاعدة ما، ليَتم تَطبيقها مِنْ أجلِ الشعور بالرضا. دعونا نَطلب مِنَ الرَّب أنْ يُطهِّر قلوبنا أكثر فأكثر، حتّى نكون “مُمتَلئين منه”، وأحرار قادرين على أنْ نُحِبَّ مثله.  

الآن مع كُل الاحترام لقواعد وطقوس جميع الأديان، لكنني أعتقد أنَّ يسوع المسيح قد قفز قفزة كبيرة في وضع الإنسان، الشخص فوق القانون. لكن لنَكُن حذرين لأنَّنا حتّى في سياقِنا المسيحي لم نتَمكَّن بعد مِنْ التَمتُّع بالحرّيَّة الّتي دعانا المسيح إليها كما أعلنها القدّيس بولس حين يقول: “فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ.” (غلاطية 5: 1).  

ما زلنا أبناء الناموس وربما يجب أنْ يهزّنا هذا الإنجيل قليلاً. قال يسوع للفريسيين، ليس مِنْ خلالِ أداء الطقوس يمكِنُنا أنْ نُطهّر قلوبنا. بل مِنْ خلالِ عيش كلمة الله في القلب فقط عندما نستَسلم لمشيئته.  

قال البابا فرنسيس: “يُمكِنُنا نحن أيضًا أنْ نسأل أنفسنا: ولكن لماذا أهمل يسوع وتلاميذه هذهِ التقاليد؟ إنَّها في الأساس ليست أشياء سيئة، لكِنَّها عادات طقسيَّة جيَّدة، مثل الغسل البسيط قبل تناول الطعام. لكن لماذا لا يهتم بها يسوع؟ لأنَّه مِنْ المهم بالنسبة له إعادة الإيمان إلى مركزه (…) وتجنب المخاطرة، الّتي تنطبق على هؤلاء الكتبة وكذلك علينا: مراقبة الشكليَّات الخارجيَّة مِنْ خلالِ وضع قلب الإيمان في الخلفيَّة”.  

بقلم : الاب سامي الريس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …