“فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُ: نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ”…………. الدعوة الكهنوتية للبابا فرنسيس ٧٠ سنة مضت وهناك المزيد من البركة لهذه الدعوة
https://www.vaticannews.va/ar/pope/news/2023-09/70-anni-vocazione-sacerdozio-papa-francesco.html الدعوة الكهنوتية للبابا فرنسيس
هناك دعوة، إذن العمل ليس للكل:
قال لهم الرب يسوع المسيح: “كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ”( مت 18: 18).
ينتظر الرب يسوع المسيح من كنيسته الرسولية ان تنقل بشارة الانجيل* الى العالم، وينتظر منها اعداد كاهن ينتسب لها ليدبر شؤونها في المجتمع، وينتظر منه ان تكون هذه البشارة، لكل من يتعرف عليه من البشر المحيطين به هذا يعني، الحقل الذي يعمل به يقوم بزراعة كلمة الله فيه، أذا رسالة الكهنوت متصلة بالمجتمع ولكي يأخذ دوره ككاهن يمثل المسيح في السلوك والواجبات، لابد ان يكون هذا الكاهن فاهم لطبيعة العمل ومواجه المصاعب في أداء رسالته الدينية والانسانية، ,وينتظر منه القدرة على تحمل جهد الرسالة التي اوصاه معلمه بها: “فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدهر آمين”(مت 28: 19-20).
واستنادا الى ما تقدم تتضح لنا اهمية تنشئة كهنة المستقبل، الأبرشيين منهم والرهبان، على انها مهمة فيها الكثير من الدقة في الاختيار، لان من سيتم تنشئته ليكون كاهن سيستمر مدى الحياة، وسيقدم له الدعم لقداسته الشخصية في الخدمة الكنسيّة، وتجدّدها الدائم وفي التزامه الرعوي، “لأَنَّ كُلَّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ مَأْخُوذٍ مِنَ النَّاسِ يُقَامُ لأَجْلِ النَّاسِ فِي مَاِ للهِ، لِكَيْ يُقَدِّمَ قَرَابِينَ وَذَبَائِحَ عَنِ الْخَطَايَا”(عب 5: 1).
الكنيسة تشعر اليوم أنها مدعوة أكثر من اية وقت:
إلى تُجسيد ما فعله الرب يسوع المسيح المعلم مع تلاميذه، واعداد كهنة عبر أسلوب حديث وجديد في الالتزام، يتناسب مع المجتمع المعاصرة، والتحوّلات العميقة والسريعة، وضرورة السعي لتطوير الدعوات الكهنوتية عبر أبرشيات العالم، وإعادة النظر في مقوّمات التنشئة الكهنوتية وأساليبها، وهنا يتضح لنا أهمية اعداد الكهنة لحمل هذه الرسالة الرعوية عبر معاهد واليات اعدادهم لهذه الدعوة وانجاحها، علما ان حجم الدعوة الى الكهنوت تختلف من شخص الى اخر، والذي نحن بصدد البحث عنه هو نجاح الدعوة الكهنوتية في المجتمع وازدهارها بين صفوف الشباب، إزاء ما نشهد من استمرار تناقص اعداد الاكليروس، “حِينَئِذٍ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: “الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ”(مت 9: 37-38)، ….. أذاً هي دعوة، “لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ بِاسْمِي، أَنْتُمْ أَحِبَّائِي إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ”(يو 15: 14، 16).
شباب اليوم مدعون الى تلبية الدعوة الكهنوت اكثر من اية وقت مضى كما تلقاها خليفة بطرس في الكرسي الرسولي قبل ما يقارب سبعين عاماً مضت عندما شعر بصوت الرب يدوي في اعماقه وهو المفتاح والحل للنداء الالهي وجوهر الدعوة الكهنوتية كانت له حينها منحناً جديداً في حياته، واليوم نحن مدعوين كشباب الى تلبية هذه الدعوة كما لباها خورخي ماريو بيرغوليو كان يوما حاسما في حياته، لشاب ذو السبعة عشر عاماً في التوجه الى خدمة الكنيسة في يوم عيد القديس متى” حين شعر وكأن هناك صوت، دعوة له، وكان على يقين بأن عليه أن يصبح كاهنا، وحينها سنذهب الى الله ليكون هو في انتظارنا، فهو يسبقنا وينتظرنا ويغفر لنا.
هكذا الكاهن يدعى ويُرسل الى العالم لا من قبل ذاته بل من قبل الله الذي يختار من يريد، ليسمع ويفهم ويطبق في حياته وصية معلمه الإلهي، “لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلًا مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ”(مت 6: 33)، “فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلًا الصَّلِيبَ”(مر 10: 21)، “تعال اتبعني”، هي دعوة خاصة لا تشمل الجميع بل عدداً قليلاً يدعوهم الله الى الكهنوت المقدس، فما معنى هذه الدعوة في حياتك أيها الشاب، هل ستعقد العزم على الدخول الى الكهنوت لتكون تلميذا بارا لحمل بشارة الانجيل المقدس الى العالم.
اخوتي الاعزاء الكهنوت هو أحد الاسرار السبعة في الكنيسة:
هذه الاسرار هي علامات تدلّ على النعمة الالهية سلمها الرب يسوع المسيح الى الكنيسة لكي توزع على المؤمنين ولكل سرّ من الاسرار له نعمته الخاصة حملها له الروح القدس ليقدسنا، ولنشارك في عمله ويؤهلنا للخلاص والنمو في المسيح والكنيسة وكما ورد في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1131و2003). يشمل “سر ّالكهنوت الدرجة المقدسة ثلاث رتب: الاسقفية، الكهنوت، الشماسية، هؤلاء هم نصيب الرب هم الاكليروس هذه التسمية مأخوذة من سفر المراثي لأرميا النبي: “هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ. كَثِيرَةٌ أَمَانَتُكَ. نَصِيبِي هُوَ الرَّبُّ، قَالَتْ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَرْجُوهُ”(مرا 3: 23-24).
في الختام قال بولس الرسول لتيموثاؤس تلميذه.. “لاَ يَسْتَهِنْ أَحَدٌ بِحَدَاثَتِكَ، بَلْ كُنْ قُدْوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْكَلاَمِ، فِي التَّصَرُّفِ، فِي الْمَحَبَّةِ، فِي الرُّوحِ، فِي الإِيمَانِ، فِي الطَّهَارَةِ، إِلَى أَنْ أَجِيءَ اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ، لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ، الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ، اهْتَمَّ بِهذَا. كُنْ فِيهِ، لِكَيْ يَكُونَ تَقَدُّمُكَ ظَاهِرًا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هذَا، تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضًا”(1 تي 4: 16،12)، هذا التعليم الرسولي هو ارشاد روحي وتربوي ونفسي يعتمد على ما يجب ان يتمتع به الكاهن من سمات شخصية تؤهله للإدارة الكنسية والروحية مع المؤمنين ويشير ايضاً الى كمية السلوك الرعوي والروحي والمعرفي الذي يجب ان يتمتع به في العمل ويعني كذلك، قوله ستكون كاهن وقدوة عندما تحيا وتعيش بوصايا الله وان تكون خادم نرى فيك المسيح قبل ان تتكلم عنه.. في سلوكه يليق بالمسيح. عزائي القراء اشكر حضوركم البهي لقراءة الموضوع …واقول اللقاء متجدد بعون الرب لكم كل التقدير لمروركم الكريم في القراءة، ونقدم التهنئة والتبريك لخليفة بطرس الرسول البابا فرنسيس الأول ونتمنى له دوام الصحة …. ونقول له الرب يبارك حياتك في الكهنوت ويمنحك المزيد من القدرة على خدمة كنيسة المسيح …. الى الرب نطلب.
د. طلال كيلانو
————————————————————————————————————————–
-لإنجيل كلمة (اليونانية: εὐαγγέλιον، ايوانجليون) وتعني البشارة السارة أو البشرى السارة أو بشرى الخلاص. وتعني بالمفهوم الروحي البشارة بمجيء يسوع وقدم نفسه ذبيحة فداء على الصليب، وقيامته في اليوم الثالث كما في كتب …. وفي موضع اخر وردة، اوانگليون (ايوانغليون) Euanghilion كلمة مركبة من لفظتين يونانيتين Eu ايو بمعنى مرحى ، جيد ، حقيقي) و (انغليون) وهي عبارة عن (بشارة أو التبشير بالفعل) فالمعنى الصحيح للكلمة (التبشير بالسعادة الحقيقية)
استعمل العبرانيّون اللفظة العبريّة “بسورة” הבשורה أي (بشارة) أو بشرى خلاص الشعب على يدّ الله لشعبه وكلّ شعوب الأرض في شخص المسيح، الملك الآتي ليعلن الخلاص، وبدء الأزمنة الجديدة. قيل أيضا إنه لفظ عربي مشتق من الإظهار, أو الاستخراج، قيل: مُشتَقٌّ من النَّجْلِ، وَهُوَ الأَصْل، أَو من نَجَلْتُ الشيءَ: أَي أَظْهَرتُه، أَو من نَجَلَه: إِذا استخرجَه.
**في الذكرى السبعين لليوم الذي لمس فيه البابا فرنسيس دعوته الكهنوتية نسترجع بعض ما قال قداسته عن هذا اليوم.
21أيلول سبتمبر 1953، أي سبعين سنة مضت، كان هذا يوما خاصا في حياة الشاب الأرجنتيني خورخي ماريو بيرغوليو، بل يوما حاسما. كان الشاب ذو السبعة عشر ربيعا ينوي التوجه إلى احتفال بمناسبة عيد الطالب الذي يُحتفل به في الأرجنتين في هذا اليوم، هذا إلى جانب كونه يوم عيد القديس متى بالنسبة للكنيسة. وقبل ذهابه إلى الاحتفال، وحسبما ما ذكر البابا فرنسيس، ذهب إلى الرعية التي كان يتوجه إليها عادةً فوجد هناك كاهنا لم يكن يعرفه من قبل وشعر بالحاجة إلى الاعتراف. ووصف الأب الأقدس هذه بخبرة لقاء وأضاف أنه لا يعرف ماذا حدث بالضبط ولماذا كان هناك هذا الكاهن غير المعروف بالنسبة له ولماذا شعر بتلك الرغبة، بل ضرورة الاعتراف، ولكن كان هناك مَن ينتظرني، قال قداسته، ينتظرني منذ فترة. وتابع أنه شعر بأن شيئا ما قد تغير وشعر وكأن هناك صوت، دعوة، وكان على يقين بأن عليه أن يصبح كاهنا. وشدد البابا فرنسيس في حديثه عن هذا اليوم على أهمية خبرة الإيمان هذه، وقال إننا نقول أن علينا البحث عن الله والتوجه إليه وطلب المغفرة، وحين نذهب يكون هو في انتظارنا، فهو يسبقنا وينتظرنا ويغفر لنا.
وهكذا فإن الدعوة الكهنوتية للبابا فرنسيس قد انطلقت من خبرة رحمة الله، وقد اختار البابا شعاره Miserando atque eligendo وهي عبارة مأخوذة من عظة للقديس بيدا المكرَّم وتعني: نظر إليه بمحبة، أو بالأحرى برحمة، فاختاره، وذلك في إشارة إلى اختيار يسوع متى العشار ليكون من تلاميذه. هذا وتجدر الإشارة إلى حديث البابا فرنسيس كثيرا عن لوحة للرسام الشهير كارافاجو تصوِّر دعوة القديس متى. كما وتوقف البابا في عظاته عند هذه الدعوة مذكرا بما جاء في الإنجيل الذي يروي لنا كيف أبصر يسوع بعد شفائه مُقعَدا في كفرناحوم “رَجُلاً جالِساً في بَيتِ الجِبايَةِ يُقالُ لَه مَتَّى، فقالَ لَه: ((اِتبَعْني! )) فقامَ فَتَبِعَه”. وتحدث الأب الأقدس في هذا السياق عما وصفها بقوة نظرة يسوع وأكد أن يسوع قد نظر إلى متى بمحبة كبيرة بدون شك وبرحمة كبيرة. وتساءل البابا عن كيفية دخول محبة يسوع قلب هذا الرجل، العشار، وأجاب أن هذا الرجل كان يدرك أنه خاطئ، وتابع قداسته أن الشرط الأول كي نَخلص هو أن نكون في خطر، والشرط الأول كي نُشفى هو أن نكون مرضى، والشعور بكوننا خطأة هو الشرط الأول لتَلَقي هذه النظرة المليئة بالرحمة.
هذا وقد تحدث البابا فرنسيس عن هذا على سبيل المثال في مقابلة أجراها معه الأب أنطونيو سبادارو خلال إدارته للمجلة اليسوعية Civiltà cattolica (الحضارة الكاثوليكية”، وقال قداسته إنه يشعر بنفسه مثل متى، أي خاطئا نظر إليه الرب بعينيه، وأضاف أن هذا ما قال أيضا حين سُئل إن كان يقبل انتخابه حبرا أعظم. 22 سبتمبر 2023.