فن الوشم والوسم هل هو فكر رمزي ام معنوي ونفسي ….. ما موقف الكتاب المقدس منه؟


العمر النظري لاكتشاف فن الوشم والوسم على الجسد هو ما يقارب الـ8000 سنة تقريباً، والعملي لهذا الفن فقد بدأ فعلياً منذ 4000 عام قبل الميلاد، عند المصريين القدماء هذا ما وصلنا وربما حضارات اخرى، حيث كانوا يقومون بالوشم على مومياءاهم، ويكرسون فكرهم العقائدي والديني من خلال الوفاء لهذه المبادئ عن طريق رسمها على أجسادهم، تجعلنا نؤمن تماماً أن الوشم والوسم كان له هدف منذ البداية يغاير القيمة الفنية التي يضفيها على جسد الإنسان، كما تجعلنا هذه الروايات نؤمن تماماً أن الوشم هو عبارة عن رسم الإنسان لمبدأ ما هو يؤمن به أو عقيدةٍ خاصة به أو ذكرى لأحد أحبائه الغائب عن حياته، بحيث أنه أينما ذهب ومهما حل به ستظل هذه الذكريات والمبادئ مرافقةً له على جسده وأمام ناظريه.


الوشم والوسم يرتبط بتقاليد موروثة لها أبعادها الثقافية والجمالية والنفسية والرمزية ولهما أهدافا وطقوس، منها حماية الإنسان والحيوان من الأخطار ومن الأرواح الخفية الشريرة والعين والمرض والحسد بحسب الاعتقاد، فالوشم اتخذته النساء قديما مقياسا للجمال والزينة يعوّض عن الحلي، بينما مثل الوشم لدى الرجال مظهرا من مظاهر القوة والتفاخر، اما الوسم فهو وضع علامة تمثل نمط خاص من الفكر الرمزي فالقوة مثل وسم الحيّة أو الأفعى ورموز أخرى في القوة والحياة والموت، وهي من المعاني الأساسية لدى بعض المجتمعات والتي شكلت معتقداتهم هذا من جانب والاخر هو المنظور النفسي فيمثل الوشم قديما رقية شفائية يقوم به الناس طلبا للشفاء أو سبيلا لطرد الحسد، فكان القدماء يضعون وشما على جزء من جسم المريض وجهه أو رأسه أو ظهره وفقا لموضع الألم فيشفى، كما تلجأ الأمهات إلى وشم أطفالهنّ حتى يزول عنهم الألم أو وقاية لهم من الأمراض او يكون رمزا لخوفهم من الضياع والفقدان، والوشم في بعض المجتمعات يشير الى رمز يجمعهم ويوحدهم في قبيلة واحدة وفي طقس واحد، فيجمعهم نفس الوشم وتجمعهم الهوية ويكون وشمهم عنوانا خاصا بهم يميزهم عن بقية القبائل الغريبة، فيصبح الوشم درعا للحماية ضدّ الآخر ووسيلة لمحاربة العدم والفناء يرسم حدود معتقدات الشعوب ورغباتها المنسجمة مع بيئتها وثقافتها، الوشم والوسم هما موروث الحضاري انساني، لم يقتصر على شعب معين بل شمل العديد من الشعوب والثقافات الفرعونية والبابلية والرومانية والعربية والهندية و البوذية وغيرها من الحضارات التي اتخذته أداة تعبيرية جسديّة لها تهدف تجميل الجسد، والتّعريف بالهويّة أو الوضع الاجتماعيّ، أو إظهار مقاييس دينيّة، أو اكتساب عضويّة في مجموعة خاصّة أو وطنيّة، وللتخلص من الشّعوذات والسّحر.


ولكننّا نراه يعود بقوّة في أيّامنا هذه، في عصر الحداثة بصورة أخرى قد تختلف في خلفياتها الثقافية والاجتماعية ولكنها تشترك في رمزية التجميل والتعبير عن رغبة في الانخراط بلعبة الوشم ولغة الجسد. وهكذا يعود الوشم في صورة متطورة تتمثل في “التاتو tatto” من خلال نماذج يرسمها الشباب تتماشى مع عصرهم، اوعن الرغبة في التجذر بالانتماء العائلي وفد تطورت هذه الرمزية في المعاني بمراحل مختلفة، فالوشم والوسم يتوسع ويتنشر، ومع حلول الحرب العالمية الثانية خلال أربعينيات القرن العشرين، تحولت الرسومات من الحب وعلامات البحارة إلى الوطنية، وفي الخمسينيات عادت رسومات الوشم المختلفة أما في الستينيات فشهد المجتمع الاحتجاجات على حقوق المرأة وحملات ثقافية وانتشار موسيقى الروك وظهور التليفزيون بصورة كبيرة، ولذلك اختلفت أشكال الوشم وفقًا لثقافة كل شخص وطبقته الاجتماعية، ولكن كانت أغلب الوشوم عبارة عن علامات لموسيقى الروك، وعلامات السلام. وبحلول السبعينيات، لم يختلف الوشم كثيرًا إلا أنه أخذ مساحة أكبر في الجسم وتحول من مجرد رسمة صغيرة إلى وشم كامل الأكمام وهو الذي يغطي الذراع بالكامل، أما في الثمانينيات، كان هناك فرصة لظهور رسم صور المغنيين المفضلين على الجسم ولكن بشكل عام تقبلت المجتمعات وجود الوشم بصورة أكبر عن الفترات السابقة، و فترة التسعينيات، كانت عبارة عن شمس ورسائل صينية ومكعبات نرد، وفي بداية القرن الـ21، ظهرت رسومات الفراشة والزهور بقوة، وكانت النساء تستخدمن ذلك بغرض الإغراء، وظل الوشم يسير على النهج ذاته، إلى أن حل عام 2010، فاختلفت أماكن رسم الوشم إلى خلف الأذن والأصابع والشفاف والرأس والوجه وهكذا الى ما نحن فيه الان من تطور وحداثة .

ماذا يقول الكتاب المقدس عن الوشم او الوسم؟

الوشم في العهد القديم، ” ولا تَجرَحوا أجسادَكُم لِمَيْت. وكِتابَة وَسْم لا تَجعَلوا فيكُم. أنا الرّبّ” (لاوييّن 19: 28)، في اشارة الى جرح الجسد حين تخسر شخصاً حزناً عليه، وقد اعطى الله هذه الوصية لبني اسرائيل ليميزهم عن الشعوب المجاورة الذين وشموا أجسادهم بأسماء آلهتهم ورموزها، ” لأَنَّكَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، وَقَدِ اخْتَارَكَ الرَّبُّ لِكَيْ تَكُونَ لَهُ شَعْبًا خَاصًّا فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.”(‏تثنية ١٤:‏٢‏)‏، الذين يعبدونه لذلك منع الله الشعب من الوشم، حتى الكنعانيين كانوا أيضاً يقطعون أجزاء من أجسادهم ويرسمون الوشوم تعبداً هذا كل ما نجده في الكتاب المقدس حول الموضوع فالعهد الجديد لم يذكر فعليا الوشم بل أشار الى أن ننظر حقيقة الوشم قبل أن نأخذ قرار الحصول عليه ألا وهي:

1- لا ننسى أن أجسادنا هي هيكل لله وليست ملكنا فلا يجب علينا أن نشوهها بوشم ما: “أمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ.” (كورنثوس الأولى 6: 19-20.).

2- هل نحن نسعى للحصول على وشم كي نظهر انتمائنا، أوليس هويتنا المسيحية ثابتة في المسيح وأننا “مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَال صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا”. (أفسس 2: 10).

3- إن وشمنا لجسدنا بوشم معين هل من رسالة من وراء الأمر؟ هل نحن نهدي الناس الى طريق الله من خلال وشم على جسدنا، بل علينا تذكر. “قرِّبوا اجسادكم ذبيحة حية مقدسة مقبولة عند الله،‏ خدمة مقدسة بقوتكم العقلية”.‏ (‏روما ١٢:‏١‏)‏ فشغِّل ‹قوتك العقلية، ” وَكَذلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ، بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى اللهِ بِأَعْمَال صَالِحَةٍ” (‏١ تيموثاوس ٢:‏٩‏،‏)، وهذا المبدأ ينطبق على النساء والرجال كليهما.‏ فيجب ان نحترم مشاعر الآخرين ونتجنب لفت انتباه غير لائق الى انفسنا.‏

4- علينا أن نعلم بأن هذا الوشم قد يحول مثلا دون إيجاد فرصة عمل تليق بنا إذ بعض الناس لا يقبلون بوظائف بسبب وشومهم الظاهرة على أجسادهم في إشارة الى الحكمة في تدبير الحياة، “لاَ تَتْرُكْهَا فَتَحْفَظَكَ. أَحْبِبْهَا فَتَصُونَكَ. الْحِكْمَةُ هِيَ الرَّأْسُ. فَاقْتَنِ الْحِكْمَةَ، وَبِكُلِّ مُقْتَنَاكَ اقْتَنِ الْفَهْمَ. ارْفَعْهَا فَتُعَلِّيَكَ. تُمَجِّدُكَ إِذَا اعْتَنَقْتَهَا. (أمثال 4: 8،7،6 ).

5- أن إزالة الوشم عملية صعبة جدا فهل سنقبل بهذا الوشم على اجسادنا بقية أيام حياتنا كحقيقة، وهنا ابين إنّ الوشم ربما يُظهِر نوعًا من الاختلال النّفسيّ والسّلوكيّ لاحقا، بحيث يعبّر الشّخص عن تميّزه به ليس له ما يبرره في المجتمع. إنّه بحقّ ظاهرة خطيرة انتشرت بين الشّباب، ان للّجوء إلى الوَشْم له أسباب عديدة عند الشّباب، منها الفراغ وعدم الثّقة والأمان، إضافة إلى عدم وجود ثقافة دينيّة، فالإنسان الّذي يتمتّع بصحّة نفسيّة جيّدة واستقرار نفسيّ لا يتأثر، وما المضطرب، فهو الّذي يريد تغيير شكله وتجديده. فتكون النّتيجة إلحاق الضّرر به وإصابته .

6- الى جانب كل ما سبق قد يتسبب الوشم أحياناً بأمراض جلدية خطيرة على صحة الإنسان فلم علينا المخاطرة بهذا الأمر، وهل الوشم أصبح أمراً أساسياً لا نستطيع أن نعيش من دونه، أثبتت الدّراسات أنّ للوَشْم عواقب فهو يُعِّرض دم الإنسان للتّلوّث عند ثَقب الجلد، ويصبح عرضة لفيروسات خطيرة كالإصابات البكتيريّة وفيروس التهاب الكبد الوبائي، كذلك يُسبِّب أمراضًا جلديّة كالسِّفلس أو الزّهريّ، وسرطان الجلد والصّدفيّة والحساسيّة، والنّدبات والتّقرّحات، وقد يُسبّب السّلّ، والتّسمّم والإيدز، والإصابات الجرثوميّة الاخرى.

7- إن الأسوأ في ظاهرة “الوشم” تفشّيها بين المؤمنين الّذين يَشِمون أجسادهم بآيات وصور من الإنجيل، ليُظهِروا إيمانهم ومعتقداتهم متناسين أنّ الرّبّ حذّر من الوَشْم، وهو لا ينظر إلى الجسد بل إلى القلب، ويُفضِّل أن نشهد له في حياتنا بدلاً من أن نضع رسمًا دينيًّا على أجسادنا. إنّ هذه الرّسوم لا تقرّب النّاس الى المسيح، بل تترك تأثيرًا عكسيًّا.

وفي الختام المهمّ أن نسأل أنفسنا: لماذا نريد أن نضع وَشْمًا على الجسد؟ هل لمجِّد الرّبّ؟ أو لألفات النّظر إليَّه؟ هل نتبنّى ذلك دائما أو نعتبر ذلك بدعة ستمرّ؟ هل ستصبح اجسادنا لوحة إعلانيّة لفلسفتنا وعقيدتنا في الحياة؟ وماذا إن تغيّرت معتقداتنا بعد حين؟ هل نسمح للمتغيّرات أن تَحكُم تصرّفاتنا؟ هل سنكون عثرة للضّعفاء في الإيمان؟ فلنفكّر في دوافعنا، لأنّ الله يريدنا أن نَحكُم عليها، ” وَأَمَّا الَّذِي يَرْتَابُ فَإِنْ أَكَلَ يُدَانُ، لأَنَّ ذلِكَ لَيْسَ مِنَ الإِيمَانِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ مِنَ الإِيمَانِ فَهُوَ خَطِيَّةٌ”. (رومية 14: 23)، في كلّ ما نعمل من حيث المظهر والملبس والجسد والتّصرّف. فمَن يُفسِد الجسد فالله لن يعينه على ذلك وهو يعني ذلك، هذا ما يحدثنا به خلال بشارته لنا، ولنتعلّم من الرّسول بولس الّذي قال، “فِي مَا بَعْدُ لاَ يَجْلِبُ أَحَدٌ عَلَيَّ أَتْعَابًا، لأَنِّي حَامِلٌ فِي جَسَدِي سِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ. (غلاطية 6: 17،) … بارك يا رب كنيستك الجامعة المقدسة الرسولية وامنح المسؤولين عنها والمؤمنين القدرة على خدمتها …… الى الرب نطلب

د. طلال كيلانو

عن د. طلال فرج كيلانو

شاهد أيضاً

يوحنا المعمدان السابق ومعموديّته

يوحنا بن زكريا قبل أن يولد من امرأة كانت أمه إلى ذلك الوقت عاقراً تكرّس …