الكلدان المسيحيون .. الحلقة الثالثة والعشرون

أن للكلدان المسيحيين (1) أسماء كثيرة في التواريخ. فسُموا أراميين نسبة الى ارام أبن سام الذي أستوطن هذه البلاد وعمرها بنسله. ومشارقة لأنهم في المشرق ونساطرة لاتباعهم تعليم نسطور بطريرك القسطنطينية. وسرياناً شرقيين تمييزاً لهم من السريان الغربيين (الارثذودكس). ولكن أسمهم الأصلي كلدان اثوريون جنساً ووطناً. لأن منشأ كنيستهم ومركزها كلدو واثور. ولغتهم الجنسية والطقسية هي الكلدانية ويقال لها أيضاً الارامية.

أن أبن العبري (2) في كتابه المسمى معلثا لما تكلم عن الأمة الكلدانية النسطورية قال: الشرقيون العجيبون اولاد الكلدان القدماء. وفي كتابه تاريخ الدول في بحثه عن فروع اللغة الآرامية سمى لغة أهل جبال أثور وسواد العراق الكلدانية النبطية. وجاء في كتاب طبقات الأمم للقاضي أبي القاسم صاعد بن احمد الأندلسي (والامة الثانية هم الكلدانيون). وعبد يشوع الصوباوي في كتاب القوانين السنهادوسية في الميمر التاسع يلقب بطريرك المشرق ببطريرك بابل عاصمة الكلدان. كذلك المؤرخ نيلوس دوكسابتريوس في مقالته عن الكراسي البطريركية التي الفها سنة 1043 يلقب بطريرك النساطرة ببطريرك بابل. ولما رجع نساطرة قبرص الى حضن الكنيسة الرومانية سنة 1444 طلبوا الى أوجين الرابع بابا رومية أن يأمر ألايعود أحد يسميهم نساطرة بل كلداناً.

أن أجدادنا الكلدان المسيحيين (3) أشتهروا هم أيضاً نظير أبائهم الكلدان الوثنيين. فأنه كما أن الصنائع والمعارف بلغت عند الكلدان الاثوريين الى أسمى درجة ومنهم أقتبسها اليونان والفرس وغيرهم من الشعوب القديمة. وامتدت فتوحاتهم حتى جزيرة قبرص ومصر غرباً والى بحر قزوين والبحر والاسود شمالاً وحتى بلاد ماداي عيلام شرقاً والى جزيرة العرب جنوباً. كذلك الكلدان المسيحيون بفتوحاتهم الدينية عظمت شهرتهم وخلدوا لهم ذكراً جميلاً مؤيداً. اذ أنهم كأجدادهم أفتتحوا بلاد فارس وماداي والعرب وارمينة وسوريا وقبرص ومصر والهند حتى بلاد الهند والصين وتركستان وغيرها من البلاد التي لم يقدر أجدادهم الوثنيون أن يفتحوها بقوة أسلحتهم القاطعة.

قال أدولف دافريل بمقالته في كلدو المسيحية مانصهُ: أن الكنيسة النسطورية أبرزت مدة أجيال عديدة قوة أمتداد عجيب خارق العادة. فأن قوة هذه الفتوحات الدينية والميل. اليها هما علامتان فارقتان أتصفت بهما النسطرة دون غيرها. والأمر الغريب هو أن الرسالات النسطورية لم تكن نتيجة فتوحات دنيوية او آلة نفوذ سياسي بل سببها الوحيد هو الميل الشديد الذي كان المسيحيين في الأجيال المتوسطة الى نشر الأيمان وأفتتاح الرسالات النبيلة. ثم يتكلم ادولف عن أنتشار النساطرة في سيلان وسقوطوه والصين وبلاد التتر والهند وأورشليم وقبرص. فبهمة هؤلاء المرسلين الغيورين أرتفع شأن الكلدان المسيحيين وازدادوا وكثروا حتى أن عددهم فاق المائة مليون (4) قال بعض علماء اوروبا: أن الكنيسة النسطورية على عهد الخلفاء كانت منشرة وممتدة من الصين حتى اورشليم وجزيرة قبرص. وأن عددهم كان يفوق اليونان واللاتين. ومما أشتهر به أيضاً الكلدان المسيحيون أنهم حيثما ذهبوا بفتوحاتهم الدينية زرعوا مع تعليم الأنجيل بذور المعارف والتمدن المسيحي. وهذا ما أجمع عليه العلماء. أن موسيو شارل إوديس بونين بمقالته في قدم النساطرة في أسيا الوسطى بعد أن بحث عن أمتداد الكلدان النساطرة في بلاد الصين وتركستان ومغولستان قال ما تعريبه: (أن للنساطرة دوراً مهماً في تاريخ التمدن العمومي. فأن كهننتهم هم أول من أدخلوا التمدن في أسيا الوسطى. ومن المعلوم أن من الحروف السريانية النسطورية تولد في القرون الوسطى على يد غزاة أسيا القلم التركي الايغوري والغولي والمانجوني. والقلمان الاخيران مستعملان الى يومنا هذا.

ومن جهة أخرى أن أشهر ديانات أسيا أعني بها اللاماوية أخذت أشياء كثيرة من طقس النساطرة ولعل من معتقدهم ايضاً). وقال الأب لابور (5): ” أن الكنيسة النسطورية ما برحت مدة أحد عشر جيلاً تنشر التمدن والتربية المسيحية بين أهالي أسيا القديمة والشرق الأقصى”. وقال ايضاً: ” أن المسيحيين ( الكلدان) نالوا أعلى المناصب في الدولة العباسية وعلموا ساداتهم الذين كانوا الى ذلك الحين في حالة الجهل فلسفة اليونان وعلم الفلك وعلم الطبيعيات والطب. ونقلوا الى العربية تأليفات اريسطوطالس واوقليديس وبطلميوس وابقراط وجالينوس وديوسقوريدوس”. وبواسطة الكلدان أيضاً تعلم العرب الأرقام الهندية وآلة الاسطراب وغير ذلك.

وقال هومبولت في كتابه المسمى كوسموس: ” كان من الاحكام العجيبة أن تلتفت الشعية النسطورية التي لها فضل عظيم في نشر العلم الى جهة العرب أيضاً فتفيدهم علماً”. واتى في قاموس (6) اللاهوت الكاثوليكي تأليف علماء المانيا ما تعريبه: ” أن العلوم الشرقية في زمن فتوحات العرب كانت محصورة خاصةً عند الكلدان، فكانوا يعلمون في مدارس اورهاي ونصيبين وساليق او ماحوز ودير قوني اللغات الكلدانية والسريانية واليونانية والنحو والنطق والشعر والهندسة والموسيقى والفلكيات والطب. وكان لهم مكاتب عمومية يحفظون فيها تآليف المعلمين”. لعمري أن المدارس والمستشفيات كُثرت جداً عند الكلدان حتى أن الأب لابور أخذه العجب من ذلك وقال: ” أنه ليس من أمة على الارض بارت أمة الكلدان المسيحيين في تأسيس المدارس:. فأتسعت صناعة التأليف عندهم أتساعاً عجيباً حتى أن عدد المؤلفين منذ الجيل الرابع الى نهاية الجيل الثالث عشر الذي فيه أنطفأت العلوم لديهم فاق الاربعمائة. وتأليفات بعض هؤلاء المؤلفين فأقت الخمسة عشر والثلاثين والأربعين. وتصنيفات مار افرام لاتُعد. وميامير نرساي ما عدا الكتب العديدة التي الّفها تبلغ 360. وميامر يعقوب السروجي 700. وجبرائيل أسقف هرمزد ارداشي له ثلاثمائة مؤلف ويوسف حزايا الف وتسعمائة.

المرفقات: صفحة 83 خارطة كنيسة المشرق أيام مار اسحق الجاثليق.

المصادر: ادي شير المقدمة (1)، (2) ص1. (3) ص3. (4) ص4. (5) (6) ص5.

الموسوعة الكلدانية- كتاب تاريخ الكلدان صفحة 80 – 82.

الناشر/ شامل يعقوب المختار

عن شامل يعقوب المختار

شاهد أيضاً

عام جديد، فرصة جديدة لك للتوبه

دعونا في عام جديد لا نضيّع هذه الفرصة فالرب دائما ينتظرنا متشوقا لسماع صوتنا فلنندم …