في امسية سمر مع بعض الاصدقاء، حصلت لي منذ أيام وبينما نحن نتابع أخبار الوطن العزيز العراق؛ شاهدنا فلمًا قصيرًا عن الهجوم الوحشي لمن يسمونهم قوات الأمن التابعة للسلطة يفتكون بالشباب المحتجين العـزل والمسالمين فيـُقتل منهم من يـُقتل أو يـُجرح آخرون أو يـُختطف البعض الآخر بهمجية وعدوانية لا تـُوصف. تأثرنا جميعًا مما شاهدناه، وعلى الفور سأل أحد الحضور :” أين الدين والإيمان به، أين الأخلاق والعدالة التي يتبجح بها المسؤولون؟” أشتدّ النقاش وكاد ان يـُصبح معركة كلامية. فقلت للجميع أرجو الهدوء والإصغاء لاقتراحي :” لنرجع إلى البدايات ونتأملها”.
نقرأ في الفصل الأول من سفر التكوين الذي هو اول أسفار الكتاب المقدس التعاليم التالي : أنَّ الله كان موجودًا منذ الأزل وأنه خالق كل شيء اي انه أزلي وقادر على كل شيء. معنى كلمة خلق هو أيجاد شيئًا من لا شيء، وهذا ما لا يستطيع فعله ايُّ كائن ما عدا الله. ثمَّ خلق الله ما نعرفه اليوم بالزمن من خلال خلقه الشمس والقمر وتعاقب ظهورهما بمعنى انَّ الله كان موجودًا خارج نطاق الزمن الذي اصبحنا قادرين على تحديده بالأيام والأسابيع والشهـور والسنوات والعقود والقرون والألفيات. لنواصل القراءة التي تُبيـّن لنا انَّ الله كان دائمًا راضيًا عن كل ما كان يخلق، لأنه كان يراه حسنًا. عند الآية 26 من نفس الفصل نسمع الله يقول: “لنصنع الإنسان على صورتنا وكمثالنا وليتسلط على كل الكائنات التي خلقـتـها. لنتوقف هنا عن القراءة لكيما لا نبتعد عن صلب موضوع مناقشتنا.
لو تأملنا هذه الأسطر القليلة بهدوء سندرك ان همتك كائنٌ أزلي اسمه الله، خالق لكل شيء له قدرة التميز بين الخير والشر يتفحص أعماله ويُعيـّرها بموازينه ثمَّ يـُقـرُّ جودتها. بعد ذلك نسمعه يريد صنع الإنسان على صورته وكمثاله ونناقش هذه الرغبة (الإرادة).
كلنا نعلم انْ لا جسم لله لأنه روحٌ. فطالما علمنا انَّ الله صنع الانسان على صورته وكمثاله فيجب ان يكون الإنسان بالضرورة هو الآخر روح وان يكون له بعضُ من صفاته -صفات الله. صفات الله كثيرة ولا يستطيع الإنسان إدراكها بسبب محدوديته – محدودية الإنسان – من صفات الله إضافة إلى كونه روح: القدرة الغير المحدودة ومنها القدرة على الخلق و الأزلية والأبدية والعدل الشديد والرحمة والواسعة والغفران المطلق والعفو والشدة عند المحاسبة والقداسة ومعرفة المستقبل وبواطن القلوب ومحبته للإنسان وللخير وكرهه للخطيئة والشر وما إلى ذلك الكثير الكثير.
محبة الله للإنسان ظهرت جليًا عندما خلقه بارًا أي مؤهلاً ليحيا مع الله القدوس في فردوسٍ سماوي وبعلاقات مباشرة مع الله ذاته. خلقه ايضًا كاملاً ايّ له جسم كامل التكوين لحياة طبيعية بايولوجيًا و ليشارك الله في الخلق بـ “نظام التناسل المستمر بدقة غير متناهية”. إلى جانب كل هذه النعم التي وهبها الله للإنسان وهبه أيضًا العقل للتفكير والنطق للتواصل مع محيطه والضمير للتميز بين الخير والشر وليكون الموجه لحرية الإنسان ولإرادته. لم يطلب الله من الإنسان أيّ شيءٍ مقابل نعمه تلك سوى الابتعاد عن احدى اشجار الفردوس التي يـُرمز لها بـِ “شجرة معرفة الخير والشر”. الإنسان لم يُطع وصية الله. فأكل من ثمرة تلك الشجرة الشهية؛ فارتكب الخطيئة وصار عبدًا لها فخسر حالة البرارة التي كان فيها واصبح غير مؤهلٍ ليبقى قرب الله القدوس وليواصل الحياة في فردوس الله، فطـُرد على الفور بعد مناقشة كانت نتيجتها حكمًا أبديًأ حيث اوصاه ه بأن لا يقترب ثمَّ أنذره قائلاً:” إنْ لم تـُطأِع موتًا تموت”. بعد ذلك بدأ الإنسان يواصل حياته في أحضان الخطيئة والشر. إذًا إنَّ الله لم يخلق الدين ولا الشرّ. طبعًا هناك أحداث كثيرة حصلت بعد خروج الإنسان الأول آدم ورفيقته حواء من الفردوس. لكن ذلك ليس موضوع مناقشتنا هذه. لنعد الآن إلى القسم الباقي من المناقشة بعد ان ثبت لنا انّ الله لم يخلق الدين. فموضوعنا الآن هو الأخلاق. مفهوم الأخلاق في مجتمعاتنا هو تصرفات -أعمال – الفرد الذاتية تجاه مجتمعه. إننا جميعًا متفقون أنَّ اعمال الإنسان ناتجة أساسًا عن تفكيره وحريته التي يمارسه وفق إرادته المطلقة وبتوجيه من ضميره المؤهل للتميز بين الخير والشر، طالما كان الله قد خلق الإنسان على صورته وكمثاله. لذا إنَّ الله سوف لن يحاسب الإنسان على دينه بل على أعماله التي فعلها بمشورة عقله وضميره وبإرادته بحرية مطلقة. ظهرت الأديان نتيجة انحراف الإنسان عن المسيرة التي خططها التدبير الإلهي. فوضعت الضوابط الدينية بشكل عقائد ملزمة من قبل الوحي الإلهي عبر أنبياء أو مصلحين ظهروا عبر التاريخ. ألاديان وجدت لتعديل مسار الضمير الذي ابتعد عن المعاير الأصلية في التميز بين الخير والشر ومعنى الحرية والعدل ومحبة الإنسان لخالقه ولقريبه والابتعاد عن الخطيئة ومقاومة الشر. فالأخلاق هي الأساس والدين وسيلة لإعادة التوازن في فكر الإنسان ولحالته عندما خلقه الله بارًا فيعود ليعيش قرب الله بعلاقات مباشرة متنعمًا بفرح الله الغير مدرك. أملنا كبير انْ خير الله وسلامه سيعمان البشرية بعدالة ومساواة وحقوق وواجبات متكافئة ومتبادلة وليخـز الشر ومسببه الشيطان اللعين، باستحقاقات مخلص مساوٍ لله الخالق من جهة ومساوٍ للإنسان من جهة ثانية لأن عصيان الإنسان لوصية الله تعني الخطيئة التي مفهومها هو توجيه الإنسان إهاناته لله. وهذا ما لم يكن هناك امكانية لتحقيقه إلاّ بالمسيح – الإله الكامل – لكونه الاقنوم الثاني من الثالوث الأقدس من ناحية ويسوع المولود من مريم العذراء البتول -الإنسان الكامل- من ناحية ثانية؛ بعد انْ دفع استحقاقات الخطيئة بـ آلام وعذابات وموت شنيع كلله بقيامته المجيدة. هنا يجب ان نـُذكر أنْ الله الخالق كان دومًا عادلأً ولم يرض انْ يستجيب لطلب المسيح عندما كان في بستان الزيتون لأن يُعفيه من شرب كأس العذاب والموت. لكن الله الخالق بقي مُصرًّا على استرجاع كرامته من الإنسان الخاطئ من خلال الرب يسوع المسيح الذي ارتضى تحمـّل عقاب خطايا البشر قاطبة على مدى الأجيال والأزمنة. وليكن سلام الله الحفيفي معنا جميعًا
نافع توسا