يُعِدُّ يوحنا المعمدان لِمَجيء الرَب، ويُهيِّيئ زيارة الرب. الزيارة هيَّ حَدَث، يجب الإستعداد لَه بشكلٍ جيّد. إذا جاءَك ضيف ولم تكن مُستعِدَّاً للترحيب بِه، فلَن تستَطيع أنْ تُرحِبَ بِه مَرَّة ثانيّة، لأنَّه ربما سوف يرفض دعوتك. لهذا إنَّ عدم الترحيب بالرَبِّ بِشكلٍ لائق هو أمرٌ خطير إلى حَدٍّ ما، لأنَّنا سنَفقد نعمَته وسنَفقد جَماله وسنَفقد خلاصَهُ. إذاً مِنْ المُهم جدَّاً الترحيب بِه جيّداً.
للترحيب بالرَب يسوع يُعطي يوحنا المعمَدان سلسلة مِنْ الدلالات: “توبوا، لأنَّ مَلكوتَ السَّماواتِ اقتربَ!”. إنَّه أمرٌ مُثير للاهتمام، لأنَّنا لدينا اليوم شعورٌ قوي بأنَّنا كاملين، نهتم بأنفُسِنا حتى أصبحنا نرجِسيين. وحتّى موضوع الإهتداء أو التوبة والتَغيير الشخصي، كُلَّها تَهدف الى رفاهيَّتِنا وشعورنا بالراحة. أساساً نحن لا نَعرف ذواتنا بِشكلٍ جيّد. أيضاً كمَسيحيين نحن غير مُستعدّين للآخر أي للرَبِّ. نحن لا نُهيِّيئ أنفُسنا بالتفكير في الملكوت بَل فقط في أنفُسنا وفي راحتِنا. دعوة يوحنا هيَ “أنَّ ملكوت السَّماوات قريب”، أي في مِنظار إنَّ الله أصبح مُلكَنا.
كان الشعب الإسرائيلي، الّذي إنتَظر كثيراً مَجيء المخلّص، بحاجةٍ إلى شخصٍ يصرخ في الصحراء. هذا الشخص هو المُعلَن عنه في سفرِ إشعيا النبي، الّذي يعلن عودة الشعب مِنْ السبي. بالتالي نحن بِحاجةٍ إلى شخص يُهيِّيئ طريق الرَب ويُسهِّل سُبُله. وهذا شيء مُثير للاهتمام، لأنَّ علينا أنْ نقرأ هذهِ العبارة، مع رغبة في الإشارة إلى ما هو الإهتداء، وما هو التَحضير بِشكلٍ جدّي لِقبول المسيح. لذلك دعونا نُفكِّر في أعمالِنا كي نَضعها في المكان المناسب. نتوقَّف عن التَعرُّج قليلاً، ونقوم بتَصويب مَساراتِنا. لكن هذهِ هي طُرُقنا، أي أنَّنا نعمل لصالح أنفُسِنا! في إنجيل اليوم يتَعلّق الأمر بتهيئة طريق الرَب وتقويم سبُلِهِ. هذه مُصطلحات فنيَّة مِنْ العهد القديم للإشارة إلى شريعة الله، فما هيَ طُرق يوحنا المعمدان؟ في الواقع، سيتَحدّث بِشكلٍ ملموس للغاية، في النصوص الآتيَّة عن العودة إلى الطاعة الحقيقيَّة.
ما هي نزعة هذا الرجل؟ تَرويض طُرق الله، تَرويض النفس بصورة مُجسَّدة، قراءة مُريحة لطريق الله، تعديل الدروب نحو الله، أي وضع أنفُسنا أمام الله بعدَ ضَبطِ سلوكِنا، وجَعلَه مُرشدنا. الّذي يأتي إلينا ويمنَحنا البركة على مبادَراتِنا.
هنا يتَعلَّق الأمر بتَقويم مَساراتها. للتحضير. الوقوف في المُقدَّمة، والإستعداد والنظر إلى الأمام، أي إعداده أولاً، والإشارة إليه. فالتَهيئة الّتي يتَحدَّث عنها يوحنا هيَ مسألة مواجهة طُرق الله، لأنَّنا نُحِب أفكارنا وطُرُقنا. لهذا دعوة يوحنا لنا هي: “ارجع وانفَتح على أفكار الله”.
“لا أفكاري أفكارُكُم يقولُ الرّبُّ، ولا طرُقُكُم طُرُقِي. ” (إشعيا 55: 8). لذا فإنَّ الأمر يتَعلَّق بالبدءِ مِنْ جديد في النَظر إلى مشيئة الله لِكُلِّ واحدٍ مِنَّا. سؤال مُقدّس ربما لم يطرحه الكثيرون مِنَّا منذ فترة طويلة. فما هي مشيئة الله بالنسبة لك؟ ما هي خطة الله لك؟ ما هي الدلالة على أنَّ الله يُعطيك؟ الكثير مِنَ الناس، الكثير مِنَ المسيحيين يَبقون سَطحيّين في الحياة المسيحيَّة، لا يزالون مَذهولين قليلاً، وربما يتَساءلون: “هل توجد إرادة الله لي؟” منذ متى وأنتَ لم تَتساءل ما هيَ مَشيئة الله لك؟ الكثير يواجه مثل هذا الشعور وإنْ دلَّ هذا على شيء فهو الجَفاف الروحي في حياة المؤمن.
يَصِف متى الإنجيلي لِباس يوحنا المعمدان، فهو يَلبَس ثوباً مِنْ وبَرِ الجِمال، وعلى وسَطِهِ حِزامٌ مِنْ جِلدٍ، هذا اللباس العَتيق، هو لِباس مُقاوم لمناخ البريَّة. وطعامَهُ الجَرادِ والعَسَلِ البرِّيِّ، هو النظام الغذائي الغريب نوعاً ما. فما هذا؟ قوتَهُ هو الجَراد والعَسَل البري، إنَّه طعام البرَيَّة، حيث يَحيا الشعب بِكُلِّ ما يخرج مِنْ فَم الله (تثنية 8: 3). الجَراد الّذي مُمكِن أكلَهُ والتَغذّي بِه يُسَمَى باللاتينية “Ofiomaco” أي الحيوان الّذي يتَصارع مع الحيَّة، وهذا هو رمز الكلمة (أي يسوع) الّذي ينتَصر على خدع الحيَّة الّتي قتلَت الإنسان. أيضاً العسل رمز للكلمة، الّتي هي أشهى وأطيب مِنَ العسل: “ما أحلى كَلِمَتَكَ في حَلْقي هيَ أحلى مِنَ العسَلِ في فَمي” (مزمور 119: 103؛ راجع أيضاً المزمور 19: 11).
بقلم : الأب سامي الريّس