بخصوص الأربعين يوماً التي صامها يسوع في البرية فلم يكن الغرض منها إعداد
يسوع لتقبّل روح الله وهو المملوء منه الملء الكامل ( لوقا 4 : 1 – 4 ) بل
ليفتتح يسوع رسالته المسيانية بفعل تسليم لأبيه بثقة كاملة ( متى 4 : 1 – 4 )
كان ممارسة الصوم كانت الليتورجيا اليهودية تقيم صوماً كبيراً في يوم الكفارة
( رسل 27 : 9 ) وكانت ممارسته شرطاً للانتهاء إلى شعب الله ( لاويين 23 : 29 )
وكانت ثمة أصوام جماعية أخرى في الذكرى السنوية للنكبات الوطنية وكان اليهود
الأتقياء يصومون بدافع من تقواهم الخاصة ( لوقا 2 : 37 ) مثل تلاميذ يوحنا
المعمدان والفريسيين ( مرقس 2 : 18 ) الذين كان يصوم بعضهم يومين في الأسبوع (
لوقا 18 : 12 ) هؤلاء اليهود والكتبة كانوا يحاولون بذلك إتمام عنصر البر كما
حدّدته الشريعة والأنبياء على أن يسوع وإن لم يفرض على تلاميذه شيئاً من هذا
النوع من البر بل أنه أتى ليكمله من أجل ذلك فإنه يمنع الإعلان عنه ويدعو إلى
تجاوزه في بعض النقاط ( متى 5 : 17 ، 20 : 20 ، 6 : 1 ) ويلح يسوع أكثر ما يلح
على التجرّد من حبّ المال ( متى 19 : 2 )وعلى ممارسة العفة الاختيارية ( متى
19 : 12 ) ولاسيما على إنكار الذات لحمل الصليب ( متى 10 : 38 – 39 ) إلاّ أن
ممارسة الصوم لا تخلو من بعض الأخطار كخطر التمسك بالشكليات ندد الأنبياء بهذه
الشكليات ( عاموس 5 : 21 ، إرميا 14 : 12 ) وخطر الكبرياء والتظاهر إذا صام
الصائم ليظهر للناس ( متى 6 : 6 ) لكي يرضي الله يجب أن يكون الصوم مقروناً
بحب القريب وأن يتضمن سعياً وراء البر الحقيقي ( إشعيا 58 : 2 – 11 ) كما لا
يجوز فصله بعد عن الصدقة والصلاة يجب أن يكون حبنا لله الدافع الأول لصومنا
كذلك يدعو يسوع إلى القيام به في تكتم تام فمثل هذا الصوم المعروف من الله
وحده هذا هو الصوم المتواضع الذي يفتح القلب للبر الباطني الذي هو عمل الآب
وهو الذي يرى ويعمل في الخفاء ( متى 6 : 17 – 18 ) حافظت كنيسة المسيح في
العهد الرسولي فما يتعلق بالصوم على العادات اليهودية ويذكر أعمال الرسل بعض
احتفالات العبادة التي تتطلب الصوم والصلاة ( رسل 13 : 2 – 4 ، 14 ، 23 ) ولا
يكتفي بولس خلال عمله الرسولي المضني باحتمال الجوع والعطش اللذين تفرضهما
عليه الظروف بل يضيف إلى ذلك أصوامأ عديدة ( 2 كورنتوس 6 : 5 ، 11 : 27 ) ظلت
الكنيسة أمينة على حفظ هذا التقليد هي تحاول بفرض ممارسة الصوم أن تضع
المؤمنين في حالة تفتح كامل لنعمة الرب إلى أن يجئ. فان كان مجيء المسيح الأول
قد وضع حداً لانتظار إسرائيل إلا أن الزمن الذي يتبع قيامته ليس هر بعد زمن
الفرح الكامل الذي يستغنى فيه عن أعال التوبة إن يسوع نفسه يدافع عن تلاميذه
لعدم قيامهم بفريضة الصوم بقوله هل يستطيع أهل العرس أن يصوموا والعريس
بينهم؟فما دام العريس بينهم لا يستطيعون أن يصوموا ولكن سيأتي زمن فيه يرفع
العريس من بينهم ففي ذلك اليوم يصومون ( مرقس 2 : 19 – 20 ) الصوم الحقيقي هو
صوم الإيمان أي الحرمان من مشاهدة الحبيب والبحث الدائم عنه فإلى أن يأتي
العريس إلينا يحتفظ صوم التوبة بمكانته بين ممارسات الكنيسة والصوم هو الإمساك
عن الطعام أو مدته صام موسى أربعين نهاراً وأربعين ليلة على جبل سيناء كان
خلالها يفاوض الله ويستعد لاقتبال الكلمات العشر ( خروج 34 : 28 ، تثنية 9 : 9
) وبأمر الملك سار إيليا إلى جبل حوريب لا يأكل ولا يشرب أربعين نهاراً
وأربعين ليلة حتى تراءى الله له ( 1 ملوك 19 : 8 ) ولما أصعد ربنا إلى البرية
من الروح ليجرب من إبليس واجه تجربته بعد صوم أربعين نهاراً وأربعين ليلة
وبعده بدء إعلان بشارة الإنجيل ( متى 4 : 2 ، مرقس 1 : 13 ، لوقا 4 : 2 ) لكن
بعض الكنائس من حياة السيد ورفيقيه في التجلي هذه الفترة الأربعينية وجعلت
الصوم الأربعيني السابق لعيد الفصح قانوناً وذلك في المجمع الخامس ثم في
السادس المنعقد في سنة 682 لم يرد الصوم لفظاً في أسفار موسى الخمسة ولكن كان
يوم واحد معين للصوم وهو يوم الكفارة ( لاويين 16 : 29 ، 23 : 27 ، عدد 29 : 7
) صام داود راجياً أن يعيش الولد الذي ولدته له امرأة اوريا ( 2 صموئيل 12 :
22 ) وردت أمثلة كثيرة أخرى في العهد القديم عن الصوم التطوعي ( عزرا 8 : 21 ،
نحميا 9 : 1 ، استير 4 : 3 ، مزمور 35 : 13 ، 69 : 10 ، 109 : 14 ، دانيال 6 :
18 ، 9 : 3 ) وكان ينادى بالصوم أحياناً في أيام الشدة ( إرميا 36 : 9 ، يوئيل
1 : 12 ) ىالصوم كان الغرض منه إذلال النفس والابتهال إلى الله ( إشعيا 58 : 3
4 ) وأما صوم الجماعة فكان يعني أن وزر الخطيئة ملقى على كاهل الشعب كله
وأنه يجب أن يذلل نفسه أمام الله ( 1 صموئيل 7 : 6 ) الصوم الحقيقي فلم يكن
صوماً خارجياً فحسب بل الإعراض عن الإثم واللذات المحرمة والإقبال على عمل
الرحمة في أيام زكريا النبي كانت اصوام مفروضة في الشهر الرابع والخامس
والسابع والعاشر ( زكريا 8 : 19 ) تذكاراً لحصار أورشليم في الشهر العاشر ( 2
ملوك 25 : 1 ) كان اليهود يحفظون اصوامهم بتقشف فكانوا ينقطعون عن الطعام
غالباً من غروب الشمس إلى الغروب التالي وكانوا يلبسون المسح على أجسادهم
وينثرون الرماد على رؤوسهم ويتركون أيديهم غير مغسولة ورؤوسهم غير مدهونة
وكانوا يصرخون ويتضرعون ويبكون ( إشعيا 22 : 12 ، يوئيل 2 : 15 – 17 ) كانت
حنة النبية تخدم الله في الصوم ( لوقا 2 : 37 ) كان الصوم في أيام ربنا مجاهدة
روحية معتبرة وكان الفريسيون يصومون يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع ( لوقا
18 : 12 ) وكان في صومهم كبرياء ورياء فوبخهم يسوع على ذلك ( متى 16 – 18 )
وما كان اليهود يصومون السبت ولا الاهلة ولا الأعياد الرئيسية الرب يسوع حفظ
الصوم بحسب الشريعة ( لاويين 16 : 29 ) لكن تلاميذه لم يصوموا ما دام العريس
معهم لكنهم أخذوا يصومون فيما بعد في مناسبات خاصة ( رسل 13 : 1 ، 14 : 23 )
نرى البارزين في كنيسة إنطاكية من أنبياء ومعلمين يقررون لأنفسهم صوماً
مشتركاً ويضعون بذلك أساس الصوم الجماعي امين
اعداد الشماس سمير كاكوز