تتَحدَّث الآيات الخَمس مِنْ إنجيل اليوم عن موضوعين مُختَلفين للغاية: (أ) الإعلان الثاني عن آلام يسوع وموته وقيامته (متى 17: 22-23) ؛ (ب) يتَحدَّثون عن مُحادثة يسوع مع بطرس حول دفع الضرائب والرسوم في الهيكل (متى 17: 24-27).
في الإعلان عن موتِ وقيامة يسوع، حيث كان قد أدى الإعلان الأول (متى 16: 21) إلى رَدِّ فعلٍ قوي مِنْ بطرس الّذي لم يرغب في قبولِ الآلام أو الصليب. أجاب يسوع بنفسِ القوَّة: “ورائي أيُّها الشيطان!” (متى 16: 23). وهنا، في الاعلان الثاني، رَد فعل التلاميذ يكون اكثر اعتدالاً وأقل عدوانيَّة. الإعلان يوَّلِد حُزناً. يبدو أنَّهم بدأوا يفهمون أنَّ الصليب جُزء مِنْ الطريق. القُرب مِنَ الموت والآلام يُثقِل كاهِلهِم بِشدَّة، ويولِد إحباطاً قويَّاً. حتّى عندما حاول يسوع مساعدَتهم، لقد عاش التلاميذ معه، ورأوا معجزاته، وسمعوا أقواله، ومع ذلك وجدوا صعوبة في الفهم. وهكذا استمرَّت المقاومة ضد فكرة المسيح المصلوب لقرون.
سؤال يسوع لبطرس عن الجزية أو العُشر. عندما وصلوا كفرناحوم، سأل جُباة الهيكل بطرس: “ألا يدفع مُعلِّمُك ضريبة الهيكل؟” يَرِدُّ بطرس: “نعم!” منذُ زمن نحميا (القرن الخامس قبل الميلاد)، شارك اليهود الّذين عادوا مِنَ المنفى في بابل رسمياً في جَمعِ أموال لِدفعِ الضرائب والرسوم المُختلفة لضمانِ استمرار الهيكل في الخدمة والعناية بِه مِنْ خلالِ الصيَّانة. كُل مِنْ الخدمة الكهنوتيَّة وبناء الهيكل (إقرأ نحميا 10: 33-40). مِما ظهر في إجابة بطرس ، دفع يسوع هذه الضريبة كما فعل جميع اليهود.
سؤال يسوع لبطرس عن الضريبة، يبدو حديث غريب بين يسوع وبطرس. عند وصولهِم إلى البيت، سأله يسوع: “ما رأيُكَ، يا سِمْعان؟ مِمَّنْ يأخُذُ مُلوكُ الأرضِ الضرائب أو الرسوم؟ أمِنْ أَبناءِ البلادِ أم مِنَ الغُرباءِ؟” فأجابَ بُطرُس: “مِنَ الغُرَباء”. فقالَ لَه يَسوع: “إذنْ، فالأبناءُ أحرارٌ في أمرِ إيفائِها!”. على الأرجح، ينعكس هُنا نقاش بين اليهود المسيحيين قبل تدمير الهيكل، في عام 70. مُتَساءلين عَمَّا إذا كان ينبغي عليهم الاستمرار في دفعِ ضريبة الهيكل، كما فعلوا مِنْ قبل. في إجابة يسوع، اكتشفوا أنَّهم غير مُلزمين بدفع هذهِ الضريبة للهيكل، لأنَّ الهيكل الجديد سيكون جسد المسيح الّذي هو الكنيسة.
ختام الحديث عن دفع الضريبة. أغرب مِنَ النِقاش الّذي دار بين يسوع ومار بطرس. فالحَل الّذي قَدَّمه يسوع للسؤال هو ما قاله لبطرس: “لكِنَّنا لا نُريدُ أنْ نُحرِجَ أحداً، فاذهبْ إلى البحرِ وألقِ الصَّنَّارَةَ، وأمسِكْ أوَّلَ سَمكَةٍ تَخرُجُ وافتَحْ فمَها تَجِدْ فيهِ قِطعةً بأربعةِ دَراهمَ، فخُذْها وأدفَعْها إلَيهِم عنَّي وعَنكَ”. مُعجِزة غريبة! مُعجزة غريبة مثل ألفين خنزيراً الّذين اندفعوا في البحر فَغَرِقَ فيه (إقرأ مرقس 5: 13). مهما كان تفسير حقيقة هذه المعجزة، فإنَّها طريقة حَلٍّ! هذهِ المشكلة تُشير إلى أنَّها موضوع ليس لَه أهميَّة كبيرة بالنسبة ليسوع، فالرَب يسوع كان يرى دائماً، أنَّ الإنسان لا يستطيع أنْ يعبُد ربّين (إقرأ متى 6: 24-34). كما يؤكِّد القديس بولس في رسالته لتيموثاوس “أصل الشرور مَحبّة المال” (1 تيموثاوس 6: 10).
بقلم : الأب سامي الريّس