دعوة الرسل ورسالتهم في العالم (متى 10: 1-15)

يبدأ متى في الفصل 10 مِنْ إنجيلِهِ الخِطاب الكبير الثاني، خِطاب الرسالة. يُنَظِّم متى إنجيله حَسَب مُفسّري الكتاب المقدّس كنُسخة جديدة مِنْ شريعة الله أو كطبعة جديدة “لكُتُب الشريعة الخَمسة”. لهذا، يُقدِّم في إنجيلِهِ خمسة خطابات أو تعاليم عظيمة ليسوع، مَتبوعة بأجزاء روائيَّة، يصف فيها كيف وضع يسوع مَوضع التنفيذ ما علّمه في الخطابات. إنجيل اليوم بداية العِظة حول الرسالة، حيث يَتمُّ التركيز على ثلاثة جوانب: (1) دعوة التلاميذ (متى 10: 1)؛ (2) قائمة أسماء الرُسُل الاثني عشر الّذين سيكونون المُرسَلين (متى 10: 2-4)؛ (3) إرسال الاثني عشر (متى 10: 5-7).

أولاً: دعوة التلاميذ الاثني عشر. لقد سَبقَ لِمتى أنْ تكلَّم عن دعوة التلاميذ (متى 4: 18-22؛ 9: 9). هنا، في بداية العِظة حول الإرساليَّة، يُقدّم مُلَخَّصاً: “ودَعا يسوع تلاميذَهُ الاثني عشَرَ وأعْطاهُم سُلطاناً يَطرُدونَ بِه الأرواحَ النَجِسَةَ. ويَشْفونَ النَّاسَ مِنْ كلِّ داءٍ ومرَضٍ”. واجب أو مُهمَّة التلميذ هيَ تباعة يسوع، المُعلّم، وتشكيل جماعة مَعَهُ وتنفيذ نفس رسالة يسوع: طرد الأرواح النَجسة، وشِفاء جميع أنواع الأمراض والعجز. في إنجيل مرقس، يتلقون نفس الرسالة المُزدَوجة، الّتي تَمَّت صياغتها بكلماتٍ أُخرى: “فأقام مِنْهُم إثنَي عشَرَ سمَّاهُم رُسُلاً يُرافِقونَهُ فيُرْسِلُهُم مُبَشِّرينَ، ولهُم سُلطانٌ بِه يَطرُدونَ الشَّياطينَ “(مرقس 3: 14-15). إذن الفعل الأول: أنْ نَكون مَعَهُ، أي تكوين مُجتَمع يكون يسوع هوَ المركز فيه. والثاني: الكِرازة والقُدرة على إخراج الشياطين، أي إعلان البِشارة، ومحاربة قوَّة الشَّر الّتي تَهدم حياة الناس وتجعَلهم ينفُرون مِنْ بعضِهِم البَعض. يقول لوقا أنَّ يسوع صَلّى طوال الليل، وفي اليوم التالي دعا التلاميذ. طلبَ مِنَ الله كي يعرف مَنْ يختار (لوقا 6: 12-13).

ثانياً: قائمة أسماء الرُسُل الاثني عشر. تأتي مُعظَم هذهِ الأسماء مِنَ العهد القديم. على سبيلِ المثال، سمعان هو اسم أحد أبناء البطريرك يعقوب (تكوين 29: 33). يعقوب مثل يعقوب (تكوين 25: 26). يهوذا هو اسم الابن الآخر ليعقوب (تكوين 35: 23). لدى متى اسم لاوي أيضاً (مرقس 2: 14)، وهو الابن الآخر ليعقوب (تكوين 35: 23). مِنَ الرُسُل الاثني عشر، سبعة لهُم أسماء تأتي مِنْ زَمن الآباء. اثنان يُدعَون سمعان، واثنان يعقوب، واثنان يهوذا وواحد لاوي! واحد فقط له اسم يوناني: فيليب. هذا يكشف عَن رغبة الشعب في بدءِ التاريخ مِنْ جديد مُنذ البداية! ربما يكون مِنَ الجيَّد التَفكير في الأسماء الّتي تُعطى لأطفال اليَوم عند ولادَتِهم. لأنَّ كُل واحد مِنَّا يُسمّى مِنْ قِبَل الله باسمِهِ.

ثالثاً:المُهمَّة الّتي تَمَّ إختيارهم لها. إرسال الرُسُل الاثني عشر إلى خِراف إسرائيل الضّالة. بعد تِعداد أسماء الاثني عشر، أرسلَهُم يسوع وأوصاهُم: “لا تَقصِدوا أرضاً وثَنيَّةً ولا تَدْخُلوا مدينةً سامِرِيَّةً. بَل اذْهَبوا إلى الخِرافِ الضَّالَّةِ مِنْ بَني إِسرائيل، وبَشِّروا في الطَّريقِ بأنَّ مَلكوتَ السَّماواتِ اقتَرَبَ”. في هذه الجملة الواحدة، هَناك إصرار ثُلاثي على إظهار أنَّ تفضيل الإرساليَّة هو لبيت إسرائيل: (1) عدم الذهاب بين الوثنيين، (2) عدم دخول مُدن السامريين، (3) الذهاب بالأحرى إلى الخِرافِ الضَّائِعة مِنْ بني إسرائيل. هنا يأتي الجواب على شَك المسيحيين الأوائل حول الإنفتاح على الوثنيين. يوافق بولس الرسول، الّذي أكَّدَ بِشدَّة على الانفتاح على الوثنيين، على أنَّه يجب إعلان بُشرى يسوع أولاً لليهود ثم للوثنيين (رومية 9: 1؛ 11: 36؛ راجع أعمال الرسل 1: 8؛ 11: 3؛ 13: 46؛ 15: 1، 5، 23-29). ولكن بعد ذلك ، في نفس إنجيل متى، في حديث يسوع مع الكنعانيين، سيَتِمُّ الانفتاح على تبشير الوثنيين (متى 15: 21-29).

يلخص يوحنا كُل شيء في هذهِ الآيات مِنْ إنجيل متى بهذه الجملة: “كما أرسَلَني الآبُ أُرسِلُكُم أنا أيضًا” (يوحنا 20: 21). فهل تَرى نفسك أيضاً تلميذ يسوع مُرسَل إلى الأهل أولاً وللعالم أجمع، أم إنَّك تتَنصَّل مِنْ دعوتِكَ كتلميذٍ مُبشّر بإنجيل ربنا يسوع المسيح؟

بقلم : الأب سامي الريّس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …