المُصغي الحقيقي للكلمة يُخرج جديد وقديم (متى 13: 51-52)

يسوع هو ذلك الكاتب – التلميذ الّذي يُخرج في خطابهِ مِنْ كنزِهِ، أي مِنْ ذكائِهِ ومِنْ قلبِهِ، الأشياء القديمة، الّتي يأخذها مِنَ الكتاب المقدّس، ويقتَرحها على الرجال والنساء الّذين يَتبَعونه، في شكلٍ وطُرقٍ جديدة، يقوم بتَحديثها. 

القديم والجديد في يسوع يتَداخلان استجابة للاحتياجات الجديدة لمَنْ يُقابلهم، في الكنيسة اليوم. هذا هو الموقف الحكيم: صُنع القديم الجديد. يسوع هو رجل حكيم، له قلب يعرف كيف يستَمع، ويلاحظ ويتَعلَّم مِنْ الحياة اليوميَّة، ومِنْ الطبيعة، ومِنْها يَرسم الصور حتّى يُفْهَم مِنْ قِبَلِ مُستَمِعيه. إنَّ حِكمَة يسوع ليست عقلانيَّة خالِصة، ومَعرِفة بسيطة، إنَّها القُدرة على التَعَمُّق، وحَفر وإضاءَة القلب والعَقل، والتَمَييُز، إنَّها ذكاء في العلاقات. لدى يسوع قلب يَشعر بالرغبة، والمخاوف، والشكوك الّتي تَسكن الناس الّذين يُقابِلَهم، ومِنْ خلالِ كلِمَته يُقَدِّم لهُم أُفقاً جديدةً، وطُريقاً للمُضي قُدُماً، ويكشف لهُم عن حداثة الحياة اليوميَّة والّتي تَبدو دائماً مُتكرِّرة، وقديمة. 

“هل فَهِمتُم ما قلته لكُم؟” ماذا يُريد يسوع أنْ نَفهم؟ ماذا نَحتاج أنْ نَفهم مِنَ الأمثال الّتي رواها؟ لا يَروي يسوع بِبساطة، فهو لا يتَكلّم فقط، بل هو الكلِمة، وهو هنا بينَنا، لهذا السبب: إنَّه “الشيء الجديد” بين البَشر ليكشف عن أسرار ملكوت السَّماوات. وهو لا يفعل ذلك بالكلمات فَحسب، بل إنَّه يكشف ما هو عليه قبل كُل شيء: يسوع الإنسان، وهو المرسل الّذي يكشف إرادة الآب، والّذي لا يفرض نفسه بَل يدعو، ويُظهر طريقة لِكُلِّ شخصٍ، لكي يستَطيع أنْ يعثَر على كنزهِ. مِنْ خلالِ هذه الطريقة نَرسم حداثة الحياة. 

يعرف يسوع أنَّ التَعرُّف على “الأشياء الجديدة” ليس بالأمر السَهل. إنَّها مَخفيَّة عَنْ أعيُن الناس، وليست برّاقة، وتافِهة: إنَّها بذور الخَردل، إنَّها خميرة صغيرة مُخبَّأة في الدَقيق، إنَّها لؤلؤة موجودة في المَحَّار، إنَّها كنز مَخفي في حقل. ومع ذلك، يُخبرنا يسوع أنَّه، حتّى لو كان صغيراً ومَخفيَّاً، فإنَّه يتَمتَع بقوّة لا تُصدَّق، فهو يَمتَلك القوّة لِتَخمير العجين كُلَّه، هذا الكنز يمكِنَه “الاستيلاء” على قلبِ الإنسان وتَحريكه، وجعله يقوم بأعمالٍ رائعة. حيث يوجد كنز الإنسان يوجد قلبه. الكنز هو ما لا يُقدَّر بِثَمن، وهو ما يَفوق كُل خير آخر. الكنز هو اكتشاف ما يُعطي مَعنى لحياتِنا، وما يُنظِّمها ويوَّجِهها. إنَّ امتلاك هذه اللؤلؤة الثَمينة يعني العيش والعيش بِملء، إنَّها عيش الدعوة الّتي نحن مدعوون إليها. 

ثم يدعونا يسوع لمعرفة قلوبِنا، لِفهم ما هو ثَمين جداً بالنسبة لنا حتّى نَترك كُل شيء وراءنا. في الأمثال الّتي رواها يسوع، يوجد كنز، هناك لؤلؤة، لكن ما يَضعه يسوع في المركز هو العمل الّذي تُثيره هذه  الأشياء في المُزارع أو التاجر. هُم يَختارون، وما يَهم هو ردَّنا، أو رَد الفعل الّذي أُثير فينا. يُترك للتلميذ مَساحة مِنَ الحرّيَّة لاختيار ما هو أكثر قيمة وبالتالي يَترك ما هو أقل قيمة. بعد أنْ التقى التلاميذ الأوائل بيسوع، واعترفوا بِه كجديد وكنز لحياتِهم، حَرَّروا أنْفُسهم مِنْ كُلِّ شيء ليَتبعوه، وهو أمر لا يستطيع الشاب الغني الّذي يسأل يسوع في الإنجيل أنْ يفعله. فالمُزارع، تاجر الأمثال، يَبيع كُل ما يَملِكَه للسماح بثروة أكبر، أنْ تَملَئَه ويَملِكها. المكسب الحقيقي هو التَخلَّص مِنْ ما هو زائد عن الحاجة لإفساح المجال لما يمنَحنا فرحاً عميقاً، امتلاء الحياة. 

يكشف لنا اللقاء بيسوع وبإنجيله البُشرى السارَّة. وهذه البُشرى لديها القُدرة على توجيه حياتِنا بطريقةٍ جديدة، لِتغيير وجودنا تماماً، وإعطاء معنى جديد لما يبدو قديماً ومعروفاً. الشيء الثمين يكشف لنا الفرح الّذي يُثار فينا: يَتِمُّ توفير الفرح لنا عندما لا تَفشل دعوتنا، لأنَّه – كما كتبت الفيلسوفة الفرنسيَّة سيمون ويل – “ما يهم هو عدم تفويت الحياة الشخصيَّة”. لنا حرّيَّة الاختيار، الّتي تتَجدد في الحياة اليوميَّة، تصبح مُثابِرة في اتِّباع الأمانة الشاقة الّتي تُلبي ترحيب الله الّذي ينتَظر بِصبرٍ ولا يَدين، ويفتح الشبكة للجميع. إنَّه يعرف أسرار القلب ويدعو كُل شخص للسير في طريق الخروج مِنْ مَرَضِهِ، مع وعد بأنْ تكون ثَمرة هذا الاختيار السعادة الدائمة والمُتجدِّدة دائماً. إنَّه “الشيء الجديد” لاكتشاف الحُب كُل يوم والإيمان بهذا الحُب. وهكذا يمكِنُنا أنْ نُغنّي مع صاحب المزمور: “في وعدِكَ أجِدُ فَرحَتي كَمَنْ يكتَشف كنزاً عظيماً” (مزمور 119: 162).

بقلم: الاب سامي الريس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …