تسليم الذات في الوحدة دون الإنصهار

في سياقِ تسليم الذات في الوحدة كنقطةٍ نموذجيَّة للدعوة إلى الزواج والعائلة تَفتَرض وجود المفهوم اللاهوتي في كُلِّ علاقتها. إنَّها مُشتَقَّة قبل كُل شيء مِنْ سِرِّ العلاقة الثالوثيَّة والكرستولوجيَّة، إنّه تَعبير خاص عن السِّر الّذي هوَ الكنيسة، وقبل كُل شيء إنَّهُ تجسيد تاريخي حَي وحديث للمَحبَّة الّتي أحَبَّ الله بِها الإنسانيَّة، مِنْ المحبَّة الّتي أحبَّ بِها المسيح كنيستِهِ ويُحبَّها. هنا الموضوع يتَمَحوَر حول البُعد الأسرارى للزواج والعائلة، ليس فقط لأنَّ الأزواج في وقتِ الاحتفال هُم الخُدّام الوحيدين للسِرِّ الّذي يعقده الكاهن مِنْ خلالِ النِعمة، ولكن أيضًا لأنَّهم يُصبحون”سِرَّاً دائم”، أي مِنْ خلالِهِم يُظهِر مَعقوليَّة وفعاليَّة النِعمة، بَل وأكثر سِر مَحبَّة المسيح العريس والرّب للكنيسة.  

مِنَ العُمق الأسرارى يتَدَفَّق انعكاس وجودي، وهو ما يُعبِّر عنه بولس مِنْ خلالِ استخدام المُصطلحات المُترابطة: “كيف … هكذا …”. يجدر إعادة قراءتها: “كما أحبَّ المسيح الكنيسة … هكذا على الأزواج واجب مَحبَّة زوجاتِهم … كما يفعَل المسيح مع الكنيسة “. إنَّها علاقة تَناظُريَّة مَليئة بالنتائج: هنا يمكِنُنا أنْ نفهَم العُمق والقيمة العُليا لتلك الروحانيَّة الزوجيَّة، إذا عاش الأزواج تحتَ شعار مَحبَّة يسوع لكنيسَتِهِ، فَسوفَ يَصِلون إلى ذَروة القداسة. على نموذج واساليب هذه الروحانيَّة الّتي تَستَحِق شرحها بِشكلٍ أطول. لهذا سِر الزواج هوَ أكبر مِنْ حصرِهِ بكلماتٍ بسيطة، إنَّه مَسيرة حياة دائمة، بالرغم مِن الإخفاقات، لأنَّ بالتأكيد هناك نجاحات تُذكر في حياة الأزواج.  

تَجدُر الإشارة إلى ثمرةِ هذهِ الوحدة العَميقة والأسرار بين الزَوجين، أي عدم الانحِلال، وهو ما يُميز الزواج بِشكلٍ عام، وخاصَّة عند المسيحي المؤمن. قليل جدّاً هوَ، بَل سيكون ربَّما تافهًا، تَصوّر عدَم انحِلال الزواج على أنَّهُ مُجَرَّد نقطة قانونيَّة، كواجب بسيط يجب الوفاء بِه، باعتبارهِ جانب قانوني كونَهُ فِعلٌ عام (زواج مَدني). بالنسبة لنا نحن المؤمنين، فإنَّ عدم انحلال الزواج ليس مُجرَّد واجب، بل هو طريقة لا غِنى عنها لِعيش دعوة الزواج على أساسِها. نحن نعلم ذلك جيّداً إذا كانت هناك نقاط في الزواج يَتِمُّ التَّنازُع عليها بِشكلٍ صارخ على نطاقٍ واسع اليوم في الثقافةِ المُعاصِرة هيَّ على وجهِ التَحديد تلك الّتي لا تَنحَسِر. ولذلك فإنَّ المؤمنين يأخذون زِمام الأُمور في الدفاع عنه ليس فقط بكُلِّ الأدوات المشروعة المُتاحة لهُم، ولكن قبل كُل شيء مِثال على الحياة الزوجيَّة الّتي تَعيش تحت راية أقصى دَرجات الإخلاص.  

بقلم : الاب سامي الريس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

قراءات الجمعة الثانية بعد الميلاد

خروج 15 : 11 – 21 ، ارميا 31 : 13 – 17 من مثلك …