إنجيل لوقا هو الوحيد الذي له مقدمة مثل كثير من المؤلفات اليونانية في تلك
الأيام هذه المقدمة موجهة إلى رجل اسمه تاوفيلس يبدو أنه ذو شأن ولكتاب أعمال
الرسل أيضاً مقدمة موجهة إلى ذلك الرجل نفسه وتحيل القارئ إلى الكتاب الأول
حيث ذكر المؤلف جميع ما عمل يسوع وعلم رسل 1 : 1 ، 2 فاستنتج منذ أيام الكنيسة
القديمة أن للانجيل ولأعمال الرسل مؤلفاً واحداً وأثبت النقاد في عصرنا هذا
الرأي استناداً إلى تجانس اللغة والتفكير في الكتابين وإلى تناسب ما يرميان
إليه فالانجيل يركز على صعود يسوع إلى اورشليم حيث تم سر الفصح في الآم المسيح
وقيامته أعمال الرسل يروي التبشير بهذا السر من أورشليم إلى أقاصي الأرض رسل 1
: 8 أعلن لوقا في مقدمة الانجيل موضوع مؤلفه وأسلوبه وغايته فقد أراد أن يعرض
الأحداث التي انطلقت منها البشارة في الكنيسة وقد استعلم بدقة عن تقليد الشهود
الأولين وقال إنه سيعرضه مرتباً فيجد فيه تاوفيلس رواية صحيحة لما بلغه من
الأمور وهكذا عرف لوقا نفسه على طريقة المؤرخين كما اتبع عاداتهم في تلك
الأيام لوقا 3 : 1 ، 2 لكن تاريخ الذي أراد أن يرويه تاريخ مقدس فجوهر قصده هو
الدلالة على معنى الأحداث عند المؤمن عند المؤمن المستنير بسر الفصح وحياة
الكنيسة فهذا الكتاب هو الانجيل
( تاريخ الخلاص في تأليف الانجيل )
يشبه تصميم الانجيل الثالث التصميم العام الذي نجده في متى ومرقس أي مقدمة
وبشارة يسوع في الجليل وصعوده إلى أورشليم وبلوغ رسالته غايتها في هذه المدينة
بآلامه وقيامته لكن التأليف عند لوقا محكم بدقة ويرمي إلى ابراز في ذلك
التاريخ من أزمنة وأمكنة لتاريخ الخلاص
( المقدمة )
لوقا 1 : 5 ، 4 : 13 فيها جزءان يختلف الواحد عن الآخر اختلافاً كبيراً رواية
أحداُ طفولة خاصة بلوقا في تلك الرواية مطابقة محكمة بين يوحنا المعمدان ويسوع
علماً أن الأول جعل لخدمة الآخر هي تعرض على الخصوص سر يسوع في سلسلة من
البلاغات العلوية تعلن أنه حبل به من الروح القدس أنه قدوس الله لوقا 1 : 35
المخلص المسيح الرب لوقا 2 : 11 خلاص الله ونور الوثنيين لوقا 2 : 30 – 32 مع
ذلك فهو معرض لرفض عدد كثير من شعبه لوقا 2 : 34 هذه البلاغات السماوية
الواردة في مطلع الانجيل قبل التجلي البطي لذلك السر الذي ترويه بقية الكتاب
تؤلف مقدمة عن المسيح تماثل إنجيل يوحنا لوقا 1 : 1 – 18 التمهيد للرسالة لوقا
3 : 1 ، 4 : 13 يحتوي كما الأمر هو عند متى ومرقس رسالة يوحنا المعمدان
ومعمودية يسوع انتصاره الأول على المجرب لكن لوقا يميز بوضوح بين زمن يوحنا هو
جزء من العهد القديم وزمن يسوع يشدد التنصيب المشيحي الذي يمنحه الآب لابنه
على أثر اعتماده ويعدد نسب يسوع الذي يرجع به إلى آدم لإظهار صلته بالناس كلهم
لوقا 3 : 23 – 38 أخيراً فان الكلمات الختامية لرواية التجربة تنبئ بصراع
الآلام الحاسم
لوقا 4 : 13
( القسم الأول من رسالة يسوع )
لوقا 4 : 14 ، 9 : 50 يجري كله في الجليل لوقا 23 : 5 ، رسل 10 : 37 خلافاً
لما ورد في متى 15 : 21 ، 16 : 13 ، مرقس 7 : 24 – 31 ، 8 : 27 استهل لوقا هذا
القسم بوعظ المعلم في مجمع الناصرة لوقا 4 : 16 – 30 هي صورة سابقة لبقية
الانجيل من إعلان للخلاص مبني على الكتاب المقدس ومستوحى من الروح القدس
وتلميح إلى خلاص الوثنيين ورفض مواطني يسوع ومحاولتهم لقتله ثم ان رواية
الرسالة تنقل أعمال يسوع وأكثرها معجزاته وأقواله وهناك جزء أول لوقا 4 : 31 ،
16 : 11 يتبع عن ترتيب مرقس لوقا 1 : 16 ، 3 : 6 تظهر موقف يسوع من الجمع
والتلاميذ والأولين والخصوم من المعجزات والمناظرات والجزء الثاني لوقا 6 : 12
، 7 : 52 لا وجود له في مرقس وتوازيه في متى أشياء مبعثرة يبدأ بدعوة الاثني
عشر ويحتوي قبل كل شيء تعليم يسوع لتلاميذه في خطبة التطويبات والجزء الثالث
لوقا 8 : 1 ، 9 : 50 تلتقي فيه رواية لوقا بمرقس لوقا 4 : 1 ، 9 : 40 ما عدا
مرقس لوقا 6 : 45 ، 8 : 26 فيه يشترك الاثنا عشر في رسالة يسوع وترد أسماؤهم
منذ لوقا 8 : 1 فيه أيضاً تمييز بين الذين يلقى إليهم الكلام بالأمثال فقط
وبين الذين أعطي لهم أن يعرفوا أسرار ملكوت الله لوقا 8 : 10 ثم هناك معجزات
جديدة مقصورة على التلاميذ تجعلهم يتساءلون فمن هو أذاً؟لوقا 8 : 25 عندئذ
يرسل الاثنا عشر لإعلان ملكوت الله لوقا 9 : 1 – 6 فيشتركون اشتراكاً فعالاً
في تكثير الخبز لوقا 9 : 12 أخيراً يأمرهم يسوع بأن يدلوا برأيهم فيه فيعترف
بطرس بأنه مسيح الله لوقا 9 : 20 هذا التعبير الأول عن سر يسوع تليه تكملة
فالمعلم يعرف نفسه بأنه المشيح الذي كتب له الموت لوقا 9 : 22 الآب نفسه يعلن
في مجد التجلي بنوة يسوع الخفية لوقا 9 : 35
( الصعود إلى أورشليم )
لوقا 9 : 51 ، 19 : 28 هو القسم الأكثر ابتكاراً في تأليف لوقا فان عدداً
كثيراً من موراد هنا وهناك في متى ومرقس ولكن لوقا انفرد بعرضها في اطار رحلة
وتمهد لهذه الرحلة جملة فخمة توجه مسيرة يسوع إلى الحدث الفصحي الذي يتم
قريباً لوقا 9 : 51 المعلم يسلك طريق أورشليم المدينة المقدسة حيث يتم الخلاص
يرد اسم المدينة مرتين أيضاً لوقا 13 : 22 ، 17 : 11 هذا أمر يمكننا من تحديد
ثلاثة أجزاء في هذا القسم ولكن هذا التقطيع شكلي محض لأن هذه الأجزاء الثلاثة
لا تربط بينها أية صلة جغرافية ولا تقدم في التعليم والرحلة لا تخضع لتخطيط
مكان يبدو أن لوقا فصل 10 ، 13 – 15 ، 13 : 31 – 33 تجري في الجليل في حين أن
لوقا 13 : 34 ، 35 تفترض أن يسوع سبق له أن بشر في أورشليم فالرحلة ليست سوى
إطار اصطناعي مكن لوقا من تجميع موادة ووضعها في ضوء ما تم في الفصح وفي هذا
القسم كله يرجح كلام يسوع على المعجزات وترجح العظة على عرض سر المسيح إلا في
لوقا 10 : 21 – 24 ، 12 : 49 ، 50 ، 18 : 12 – 15 المعلم يوجه كلامه إلى
اسرائيل ومجابهته للفريسيين وعلماء الشريعة شديدة لوقا 11 : 37 – 52
يدعو شعبه إلى التوبة لوقا 12 : 51 ، 13 : 9 يواجه رفضه لوقا 13 : 23 – 35 ،
14 : 16 – 24 يتوجه إلى التلاميذ على وجه خاص محدداً رسالتهم لوقا 9 : 52 ، 10
: 20 داعياً إياهم إلى الصلاة لوقا 11 : 1 – 13 الزهد في النفس لوقا 12 : 22 ،
34 ، 51 – 53 ، 14 : 26 – 33 ، 16 : 1 – 13 ينظر في هذه التعاليم التي تلقى
إلى التلاميذ إلى حالة لن يكون فيها يسوع بينهم وذلك ما سناسب فكرة الرحلة
التي يقتضيها رفع يسوع لوقا 9 : 51 فقد أتت الساعة وفيها يجب عليهم أن يلتمسوا
الروح القدس لوقا 11 : 13 يعترفوا بمعلمهم أمام الناس لوقا 12 : 35 – 40 ، 17
: 22 ، 18 : 8 ، 19 : 11 – 27 يهتموا باخوتهم في الجماعات لوقا 12 : 41 – 48 ،
18 : 15 تلتقي رواية متى 19 : 13 ، مرقس 10 : 13 لكنها تضيف في الخاتمة رواية
خلاص زكا ولا سيما الأمناء لوقا 19 : 1 – 10 ، 11 – 27 يعد هذا المثل في تدوين
لوقا المجابهة المفجعة بين أورشليم والملك الذي رفضت الاعتراف به
( القسم الثالث من رسالة يسوع )
لوقا 19 : 29 ، 24 : 53 يروي حصول الخلاص في أورشليم يجعل من المدينة مملثة
لإسرائيل تجاه يسوع في مأساة الصليب ويشددج لوقا على ذلك تشديداً قوياً في
المشهد الأول لدخول يسوع لوقا 19 : 29 – 48 المعلم يتقدم كالملك لوقا 19 : 35
– 38 يبكي على المدي نة التي رفضت مجيئه الملوكي لوقا 19 : 41 – 44 يكشف عن
سلطته في الهيكل بطرده الباعة منه وبتعليمه كل يوم فيه لوقا 19 : 45 – 48 إن
ظهور يسوع في أورشليم يتضمن الأجزاء الثلاثة التي في متى ومرقس ولكن لوقا يدخل
فيها بعض فوارق ينفرد بها وينتهي التعليم في الهيكل لوقا الفصلين 20 ، 21
بالاعلان عن دينونة أورشليم وعن مجيء ابن الانسان وقد وجه لوقا هذه الاعلانات
إلى شعب اسرائيل كله وسياق رواية الآلام لوقا فصلين 22 ، 23 هو كسياقها في
سائر الأناجيل ولكن رواية العشاء السري تليها تعاليم للاثني عشر في عملهم
كخدام وفي عظمتهم في الملكوت الآتي وفي حالتهم الجديدة بعد ذهاب المعلم لوقا
22 : 24 – 38 ان العذابات التي يعانيها تبرز بره وقيمة شهادته المثالية ففي
مذلة المشيح يثبت ملكه الحاضر منذ الآن تقع الروايات عن الفصح كلها في أورشليم
لوقا فصل 24 هي لا تذكر التقليد القديم للترائيات في الجليل متى 26 : 32 ، 28
: 7 ، 10 ، 16 – 20 ، مرقس 14 : 28 ، 16 : 7 ، يوحنا فصل 21 ولا شك أن السبب
في ذلك يعود إلى مراعاة التوافق بين الانجيل وأعمال الرسل وتلك الروايات تفسر
الآلام على انها السر الذي شاءه الله للمضي بالمسيح إلى المجد لوقا 24 : 26
تدل على أن يسوع كشف عن هذه المشيئة الالهية لوقا 24 : 7 ) وانها وردت في
الكتب لوقا 24 : 25 – 27 ، 46 يتراءى يسوع آخر الأمر للاثني عشر ليتغلب على
شكوكهم لوقا 24 : 36 – 43 ليوليهم رسالتهم ليكونوا شهوداً لوقا 24 : 47 – 49
ينتهي الكتاب برواية أولى للصعود لوقا 24 : 51 تظهر سيادة الذي قام من بين
الأموات رسل 2 : 36 الانجيل كله يدل على كشف تدرجي لسر الرب يسوع واطلاع بطيء
عليه من قبل الذين سيبشرون بهذا السر والمجد لله دائما.
اعداد الشماس سمير كاكوز