الأحد الرابع من البشارة 2021

نُحيي هذا العام عيد الذكرى 150 لإعلان القدّيس يوسف البتول شفيع الكنيسة الجامعة.

إنَّها ذكرى خاصّة. أراد البابا فرنسيس أنْ تحتفل بها الكنيسة كلّها على مدارِ السنة، كدعوة للتأمُّل في شهادة القدّيس يوسف راعينا، واتِّباع شهادته كنموذج للإيمان في مسيرتنا. في هذه الكرازة سنعتمد بشكل أعمق على نَصِّ البابا فرانسيس “بقلبٍ أبوي”.

أغتنم مُناسبة اليوم للاحتفال بأحد مار يوسف مُعتمداً على فقرة مِنْ هذهِ الرسالة، الّتي ستُساعدنا على فَهمِ المقارنة بين إيماننا الحقيقي والواقع الحالي، حسب شهادة القدّيس الراعي.

إقتبستُ مقطعًا جميلًا للغاية مِنْ النقطة الرابعة “قبول يوسف” يقول البابا فرنسيس: “غالبًا ما تَحدث أُمور في حياتِنا لا نفهم معناها. وغالبًا ما يكون ردّ فعلنا الأوّل هو خيبة الأمل والتمرّد. أمّا يوسف فيضع تفكيره جانبًا حتّى يفسح المجال لما يحدث. ومهما بدا الحدث غامضًا في عينيه يقبله ويتحمّل مسؤوليته ويتصالح مع تاريخه الشخصيّ. إذا لم نتصالح مع تاريخنا، فلن نتمكّن مِنَ القيام حتى بخطوة إضافيَّة، لأنَّنا سنظلّ دائمًا أسرى تطلّعاتنا وخيبات الأمل الناتجة عنها”.

جعلني هذا المقطع أفكر، لأنَّ فيه دعوة كي نكون حريصين على عدم الوقوع في الثقة فقط في أنفُسنا. وذلك عندما نُلغي حضور الله في حياتنا ونضع أنفُسنا في المقام الأوّل. يدعونا القدّيس يوسف على العكس مِنْ ذلك. لقد عاش إيمانًا ليس على الهامش، بل ترك نفسه تَستوعِب كُل الغُموض الّذي يحيط به.

لقد قبلَ كلمة الله، ولم يضع توقعاته أولاً، لكنه ترك الله يقدم له معاني هذا السر، وبالتالي لنا أيضًا، معاني طريق الخلاص. كما هو الحال يكمل البابا فرنسيس ويقول: “إنَّ الحياة الروحيّة التي يقدّمها لنا يوسف ليست طريقًا تعلّمنا شرح الأحداث، بل طريقًا لقبولها. فإنّنا لا نستطيع أنْ نتَحسّس قصّةً أكبر ومعنًى أعمق إلّا انطلاقًا مِنْ هذا القبول. وكأنَّنا نَسمع ترداد صدى كلمات أيّوب القويّة حين دعته زوجته للتمرّد على كلّ الشرّ الذي يحدث له، فأجاب: “أَنَقبَلُ الخَيرَ مِنَ اللهِ ولا نَقبَلُ مِنه الشَّرّ؟” (أيوب 2: 10).

قبول كلمة الله في حياتنا يشركنا في كُل شيء. يقودنا قبول مشيئة الله إلى تجربة كُل شيء بِنظرة جديدة.

لكن كيف نعيش كل هذا؟ كيف نعيش كل شيء في الإيمان بالله، بعلاقة مستمرة مع الجديد، بينما لا يكون الأمر كما أرغب؟ كيف أعيش اليقين بأنَّ الخطوة إلى الأمام آمِنة إذا لم أرى ما هو أبعد مِن لحظتي؟

على هذه الأسئلة، يسأل آخر: “عندما أُصلي، ماذا أسأل حقًا؟”. يعطينا بابا الفاتيكان دائمًا الإجابة: “وحده الرَّب هو الّذي يمنحنا القوّة للترحيب بالحياة كما هي، وإفساح المجال لذلك الجزء المتناقض وغير المتوقع والمخيّب للآمال من الوجود”.

للترحيب بالحياة، لا يكفي أنْ نعطي شيئًا، لكن مِنْ الضروري أنْ نعيش هذا الشيء الّذي لا يأتي مِنّا. المسيح هو حدث وليس “شيء يخصَّنا” وقد فهمه كُل مِنَ العذراء والقدّيس يوسف.

الخوف مِنْ أن يكونوا والدا يسوع، عطيَّة المسيح الّذي يصير جسدًا، تصبح حقيقة في حياتهم الزوجيَّة. نحن نفكِّر في هذا كعائلة، كلما جربنا موهبة أنْ نكون أبوين. هدية ليست لنا.

الدعوة في أن نكون له: هو الإيمان الّذي يشركنا في الكل.

إذا حدَّدتُ نفسي على ما هو موجود في دائرتي فقط، فسيظل كُل شيء كذلك. نشعر كل يوم، ومع الأسف، بإحساس المجتمع ذي الاتجاه الواحد وليس السير معاً.

ما قامَ به القدّيس يوسف هو: أنَّه أدخلَ في حياتِهِ الحلم العظيم بأنْ يكون مربيًا ليسوع، ابن الله، ويحقِّقَه في الواقع اليومي الصغير في مدينة الناصرة. فهو بتواضع كبير يقبل ذلك المشروع العظيم الّذي صمَّمَه الله للبشريَّة. نحن أيضًا يجب أنْ نطلب مِنَ الرّب أنْ نكون قادرين على تحقيق أحلامه في حياتِنا اليوميَّة.

يجب أنْ تُرافق شخصيَّة القدّيس يوسف عوائلنا. وذلك أولاً وقبل كل شيء تجاه أطفالنا، مِنْ خلالِ قبولهم أولاً كعطيَّة مِنَ الله وتُغذيتهم الإيمان والعيش بكرامة كابناء الله. هذا ما هو واجب على الآباء، أي عدم التَخلّي عن هذهِ المهمَّة أبدًا. على الآباء أنْ يستوحوا من القدّيس يوسف الّذي اعتنى بيسوع، بأولادهم حتّى يكبروا كمَسيحيين ناشري الإنجيل في المجتمع. يجب على الآباء أنْ يفهموا أنَّهم محبوبون مِنْ قبل الرّب في أخلاق العطاء، وليس في أخلاق الواجب.

سيكون مِنْ الجميل أنْ نفهم: إذا ما كانت هناك نقطة مِنْ السرّيَّة والغموض في حياة عائلات اليوم. لأنَّه هناك بالضبط ولدت تلك العلاقة الّتي يَتِمّ التَعبير عنها في الحنان والعناية والاهتمام بالآخر. لقد قالت العذراء مريم وكذا الحال القدّيس يوسف نعم لله، نعم لأنفسهما، مُحقِّقين خططهِما وأحلامهِما كزوجين وأبوين والأهم من كل هذا أنهما قبلا الله في حياتهما. هكذا علينا أن نقبل الله في حياتنا.

بقلم: الاب الدكتور سامي الريس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

مواهب الروح القدس

هو روح الله الأقنوم الثالث في الثالوث الاقدس وقد ذكر هذا التعبير ثلاث مرات فقط …