يُشكِّل نَص إنجيل اليوم جُزءً كبيراً في إنجيل متى، حيث يتَضمَّن سؤال الكهنة والشيوخ ليسوع عن السلطة الّتي يمتلكها في أعمالِهِ (21: 23). لقد اعتبروا أنفَسهم سادَة كُل شيء، ولا يقبلوا، أنْ يقوم أي شخص بعملٍ أي شيء دون إذنٍ مِنْهم. لهذا تنقَسم إجابة يسوع إلى ثلاثة أجزاء: أولاً يسأل هوَ أيضاً لأنّه يَريد هوَ الآخر أنْ يعرف مِنْهم أهميَّة رسالة يوحنا (متى 24-27). ثانياً: يروي مثل الأبنين (28-32) وثالثاً: يروي مثل الكرامين الّذي هو إنجيل اليوم (33-46).
يبدأ يسوع في كلامه “مثل الكرم” على هذا النحو: “إسمَعوا مَثَلاً آخر: غرَسَ رجُلٌ كرمًا، فسَيَّجَهُ وحفَرَ فيهِ مَعْصَرَةً، وبَنى بُرجًا”. هذا المثل هوَ تلخيص جميل لتاريخ إسرائيل، مأخوذ مِنْ النبي إشعيا: “دعوني أُنْشِدُ لحَبِيبِي نَشِيدَ حُبِّي لِكَرْمِهِ: كَانَ لِحَبِيبِي كَرْمٌ في رابيةٍ خَصِبَةٍ، نَقَبَهُ وَنَقَّى حِجَارَتَهُ وَغَرَسَ فيه أفضَلَ كَرْمةٍ. بَنَى داراً فِي وَسَطِهِ، وَحَفَرَ فِيهِ مَعْصَرَةً، فَانْتَظَرَ أَنْ يُثمِرَ عِنَبًا فَأثمَرَ حِصرماً بَرِّيَّاً. وَالآنَ يقولُ حبيبي: “يَا سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ، وَيا رِجَالَ يَهُوذَا، احْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي. أيُّ شيءٍ يُعمَلُ للِكَرْمِ وما عملتُهُ لكرمي؟ فلِمَاذَا أثمَرَ حِصرماً بَرِّيَّاً حينَ انتَظَرتُ أن يُثمِرَ عِنَباً؟ فَالآنَ أُعَرِّفُكُمْ مَا أَفعَلُ بِكَرْمِي: أُزيلُ سِيَاجَهُ فَيَصِيرُ مرعى، وأَهْدِمُ جُدْرَانَهُ فَتَدُوسُه الأقدامُ أَجْعَلُهُ بُوراً لاَ يُفلَحُ وَلاَ يُزرَعُ، فَيَطْلَعُ فيه الشَوْكُ وَالعوسَجِ. وَأُوصِي الْغُيْومَ أَنْ لاَ تُمْطِرَ عَلَيْهِ”. كَرْمُ الرَبِّ الْقديرِ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ، وَغَرْسُ بهجته شعبُ يَهُوذَا. إنْتَظَرَ الحَقَّ فَإِذَا سَفْكُ الدِماءِ، وَالعدلُ فإذا صُرَاخُ الظُّلمِ” (إشعيا 5: 1-7).
يُخاطب يسوع رؤساء الكهنة والشيوخ (متى 21: 23) والفريسيين (متى 21: 45) ويعطي إجابة عن السؤال الّذي طرحوه عليه عن أصلِ سلطَتِه (متى 21: 23). مِنْ خلالِ هذا المثل يوّضِّح يسوع أُموراً مُختلفة: (أ) يكشف عن أصل سلطته: إنَّه الابن، الوريث. (ب) يَشجب الكرّامين لاستِخدامهم السلطة بشكلٍ سَيّء، أي الكهنة والشيوخ الّذين لم يهتَموا بشعبِ الله. (ج) يدافع عن سلطة الأنبياء، الّذين أرسلهم الله، ولكِنَّ الكهنة والشيوخ ذبَحوهُم. (د) يكشف النِقاب عن السُلطات الّتي تَتلاعب بالدين وتقتل ابنه، لأنَّهم لا يريدون أنْ يفقدوا مَصدر الدَخل الّذي تمكنوا مِنَ الاستحواذ عليه على مَر القرون.
الحكم الّذي يوقعونَه على أنفُسهِم، يأتي في نهاية المثَل، حين يسألهُم يسوع: “عندما يأتي صاحب الكرم، ماذا سيفعل بهؤلاء الكرّامينَ؟” إنَّهم لا يدركون أنَّ المثل كان يتَحدَّث عنهم. لهذا، بالإجابة الّتي قدَّموها، أصدروا قرارًا بإدانةِ أنفُسِهم: “أجاب رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب: “يَقتُلُ هؤلاء الأشرارَ قَتلاً ويُسلِّم الكرم إلى كرَّامين آخرين يُعطونَهُ الثَّمرَ في حينِهِ” استخدم يسوع هذه الطريقة عدة مرّات. يقود الشخص لقولِ الحقيقة عن نفسِهِ، دون أن يدرك أنه يدين نفسه. على سبيل المثال، في حالة الفريسي الذي يدين المرأة مِنْ خلالِ اعتبارها خاطِئة (لوقا7: 36-50)، وفي حالة مثل الابنين (متى 21: 28-32).
الحُكم الصادر مِنهُم ضِدَّ أنفسِهِم، يؤكِدَه سلوكهم. فمِنْ إيضاح يسوع، يفهَم الكهنة والشيوخ والفريسيون أنَّ المثل يتَحدَّث عنهم، لكِنَّهم لا يهتدون. على العكس تماما! لقد حافظوا على خطتهم لقتل يسوع واقفين وسيرفضون “حجر الزاوية”. لكنهم لا يملكون الشجاعة للقيام بذلك علانيَّة لأنَّهم يخشون رد فعل الناس.
المجموعات المختلفة الّتي كانت في السلطة في زمن يسوع: في إنجيل اليوم، هناك مَجموعتان كانتا تحكمان في ذلك الوقت: الكهنة والشيوخ والفريسيون. فيما يلي معلومات موجزة عن القوّة الّتي تتَمتَّع بها كُل مَجموعة مِنْ هذه المجموعات وغيرها:
أ) الكهنة: هُم القائِمين على العبادة في الهيكل. يَجلب الناس العُشور وغيرها مِنَ الضرائب والقرابين إلى الهيكل لدَفع ثمن وعودهم. احتلَّ رئيس الكهنة دورًا مُهمًا في حياة الأُمة، خاصَّة بعد النَفي. تَمَّ اختياره أو تسميَّته مِنْ بين ثلاث أو أربع عائلات أرستقراطيَّة، أظهرت أكبر قدر مِنَ القوّة والثروة.
ب) الشيوخ أو رؤساء الشعب: وهُم القادة المحليون في مُختلف القُرى والبلدات. أصلهم جاء مِنْ زعماء القبائل القديمة.
ج) الصدوقيون: كانوا النُخبة العلمانيَّة الأرستقراطيَّة في المجتمع. كان الكثير مِنْهم من التجار الأثرياء أو مُلاك الأراضي. دينيّاً كانوا مُحافظين. لم يقبلوا التَغييرات الّتي اقترحها الفريسيون، على سبيل المثال، الإيمان بالقيامة ووجود الملائكة.
د) الفريسيون: يُقصَد بالفريسي: مُنفَصلين. لقد حاربوا حتّى يصبح الناس طاهرين ومُنفَصلين ومُقدَّسين مِنْ خلالِ التقَيُّد الكامل بقانون النقاء كما طالب القانون والتقليد! بسبب الشهادة النموذجيَّة لحياتِهم وفقًا لقواعد ذلك الوقت، كانت سلطتهم الأخلاقيَّة محسوسة بِعُمق في قرى الجليل.
هـ) الكتبة أو علماء الشريعة: وهُم المسؤولون عن التدريس. لقد كرسوا حياتهم لدراسة قانون الله وعلموا الناس كيف يلتزمون بشريعة الله في كُلِّ شيء، ولم يكن كُل الكتبة من نفس الخط. كان البعض على صِلة بالفريسيين، والبعض الآخر بالصدوقيين.
اليوم نحن من أي فئة في كنيسة المسيح؟ كل واحد يجيب على السؤال في نفسه!
بقلم: الاب الدكتور سامي الريس