الأحد الثالث من الرسل 2022

  يسوع هو السامري الصالح

النَص، الّذي تقترحَه الكنيسة لهذا اليوم، هوَ نَص “السامري الصالح”، وهو مَثَل، غالبًا ما يكون نقطة انطلاق للتأمُّل والمشاركة لنا جميعًا. إنَّه نَص ذو أهميَّة أساسيَّة، لأنه “وصيَّة روحيَّة” ليسوع.  

يوضِّح لنا هذا المثل الطريقة الّتي نعيش بها بِشكلٍ مَلموس وصيَّة المحبَّة: من خلالِ المحبَّة الكاملة، كما يحب المرء نفسه، مُدركًا أنَّ مَحبَّة الله هيَ للجميع. يتمثل الخطر في بعض الأحيان في الخلط بين المعرفة بالقانون وتَطبيقِهِ. يُرينا الرَب اليوم، مرَّة أُخرى، كيف نصبح “قريبين”، لنكون شهودًا حقيقيين للمحبَّة، وخدّام الحُب. الجواب الّذي يُقدِّمه يسوع لِعالم الشَّريعة، الّذي يشعر بأنَّه مُستقيم للغاية، لأنَّهُ يُطبّق النُصوص المقدَّسة، يسوده شعور بالسُخرية، والّذي يكشف عن أهميَّة عدم التوقف عند الكلمات الجميلة، ولكن في إيجاد القوّة لتَصبح الكلمات فاعلة مِنَ المحبَّة، وتَعبيراً ملموساً عن الحب للمُحتاجين.  

لا يوجد لقب، مؤهَّل يُعرّف مَن يجعل نفسه “قريباً”. السامري، الّذي يُعتبر غير مؤمن، مُحتَقر مِن قبل اليهود، هوَ الّذي يختاره يسوع في قصَّتِه. لا يختار شخصيَّة تتوقف لمساعدة الفقراء الجرحى، فريسيَّاً ملتزمًا، كاهنًا أو لاويًا، بل سامريَّاً، حيث حسب الثقافة المشتركة للمدارس الدينيَّة لا يستَحق أنْ يكون القريب.  

إنَّها رسالة مُهمَّة، لأنَّ التقارب ينتمي إلى أولئِك القادرين على القيام بإيماءات حُب مَلموسة؛ لا تنتمي إلى فئات مُعينة. يطلب الرَب مِنَ الكاتب أنْ يُحوّل قلبه ويحوّل نظريته إلى مُمارسة. إنَّه نفس السؤال الّذي يطرحه الرَب على كل واحد منّا اليوم. السامري لم يسأل نفسه مَن الجريح، بل مُساعدته ملموسة لأنَّها نكران الذات والعطاء السخي. لا يمكن تحديد المساعدة التالية، فهو الشخص الّذي تقابله في يومك ويحتاج إلى الدعم. والسؤال الّذي يجب طرحه هوَ هل يوجد في قلوبنا حقّاً مجال للقُرب مِنَ الإخوة المحتاجين، أيَّاً كانوا، ومهما كان أصلهم والحاجة المعلنة!  

الأب تونينو بيلو Tonino Bello، في كُتيب بعنوان “بأحشاءِ الرحمة”، يُقدِّم تفسيرًا رائعًا للأفعال الأحد عشر الّتي تُصاحب السامري الصالح: كان يُسافر، مَرَّ، رآه، تَعاطفَ مَعه، اقتربَ مِنه، قام بتَضميد جروحه، وصَبَّ الزيت والنبيذ، ووضعه على حمارِهِ، ونقله إلى الفندق، وأعتنى به، وفي اليوم التالي أخرج دينارين. قد يتطلب الانعكاس المصاحب للحركة المُعبَّر عنها في كل فعل مسافة أطول بكثير مِنْ تلك المتاحة، لكننا نشارك بعض التعبيرات الصغيرة. السامري المُسافر يقوم برحلة. يَمُر، ليس بعيدًا عن المصاب، وينظر إليه بعيون القلب، والّتي مِن خلالِها يُدرِك ويشارك في مُعاناة الشخص الجريح، ولا يَبقى مَكتوف الأيدي في وجهِ الحاجة، بَل يَتدخَّل. وهنا أذكر نص البابا فرنسيس بمناسبة يوبيل الرحمة حيث يقول: “نحن بحاجة على الدوام للتأمُّل بِسِرِّ الرحمة. إنَّه مصدر فرح وسكينة وسلام. إنَّه شرط لخلاصِنا. الرحمة: هيَ كلمة تظهر سِرّ الثالوث الأقدس. الرحمة: هيَ العمل النهائي والأسمى الّذي مِن خلالهِ يأتي الله إلى لقائِنا. الرحمة: هيَ الشريعة الأساسيَّة الّتي تُقيم في قلبِ كلِّ شخص عندما ينظر بعينين صادقتين إلى الأخ الّذي يلتقيه في مَسيرة الحياة. الرحمة: هيَ الدرب الّذي يوّحِّد الله بالإنسان، لأنَّها تفتح القلب على الرجاء بأنَّنا مَحبوبون إلى الأبد بالرغم مِن محدوديّة خطيئتنا. (Misericordiae vultus، رقم 2).  

الاقتراب ليس سهلاً بأي حالٍ مِنَ الأحوال، لأنَّه يتَطلَّب قلبًا يرغب في تثقيف نفسه حول الفقر، الّذي ينفتح ويقبل مُعاناتِهِ ومعاناة الآخرين. إنَّ تضميد الجروح يصبح أول عمل رحمة يستَجيب للحاجة العاجلة لطلب المساعدة والّذي يستبعد أي سؤال عقلاني: الأخ محتاج وعليَّ أنْ أرد عليه بلفتة صدقة ورحمة. الفعل التالي هوَ أنْ يتولّى الأخ، ليكون أداة مَلموسة حتّى يتمكن مِنَ الوقوف على قدميه مَرَّة أُخرى والمشي بسرعة.  

رجل:بادئ ذي بدء، نتَحدَّث عن رجل: ليس له اسم، لأنَّه نحن جميعًا، كُل واحد منّا. يسير في طريقٍ يعرِفَه الجميع، وهذه حقيقة ربما حدثت كثيرًا. نحن لا نعرف عنه لا الاسم ولا الحالة، ولكن فقط كما يصفه الرب: أنَّه كان مسافرًا على الطريق طريق خطير. في الواقع، وَجَدَ مجروحًا ومضروبًا، تُرك وحيدًا، نصف مَيِّت على حافة الطريق. لذلك يمكن أن يكون الرجل الّذي نراه يَسير في طريق كُل منَّا، مرآة تجربتنا، وحي ما نحمله في قلوبنا.  

اللصوص: يمثلون هنا موقف العنف تجاه الإنسان، أي نوع من أنواع العنف. يستغلون الرجل. يمكننا أنْ نكون قُطَّاع طرق بأشكالٍ متعدِّدة، حتّى مِن خلالِ الكلمات فقط.  

الكهنة واللاويون: هُم يمثِّلون تَعبير عن اللامبالاة تجاه أولئك الّذين واجهوا قطاع الطرق. أنَّهم يمرون أمام الرجل دون أي مُراعاة له. يبتَعدون عنه كي لا تتَسِخ أيديهم. مع هذا فالرَب يسوع  لا يدينهم في المثل ولا يعذرهم.  

السامري: هوَ الّذي يسير في الشارع دونَ أنْ يشعر وكأنه قد وصل. في طريقِهِ، الحياة مُنفتِحة على اللقاء، فهو ليس مَعصوب الأعين، وليس فقط مُنتَبه إلى نفسه. أنَّه يرى ويحمل داخل نفسه، حتّى القلب، الواقع الّذي يواجهه. ويُقرِّر: يقترب، وينحَني إلى مُستوى الآخر، الانحناء إلى الأرض. إنَّه شخص يجلب معه أدوات الحب تلك الّتي يمكن أنْ تكون مُفيدة: الضمادات، والزيت، والنبيذ لمداواة الجروح. لا يهمَّهُ ما يعطيه ولا يَبخَل بشيء بل يذهب ويُخرج كُل ما يحتاجه مِنَ الحقيبة، لإعطاء الحب. ثم يأخذ الجريح مَعه إلى مكان آمن. يدفع مِن جيبِه الخاص، ويضمن نفسه دون أن يخشى فقدان ماء الوجه. يصف المقطع أفعال السامري، مكثفًا كل شيء في “الرحمة”، أنّه تعبيرٌ عن موقف رحيم. قلب المثل هو “الرحمة”.  

الرحمة ليست تقوى، عاطفة، عاطفة قويَّة سرعان ما تتَلاشى. لا تسأل إلى أي مَدى يجب أنْ تَصل مِن خلال واجبات التضامن ولا تطلب المزايا الضروريَّة للحياة الأبديَّة. الرحمة تُحدث شيء آخر: قلب ينكسر؛ وهذا ما يستَخدمه الإنجيل في اللغة العبريَّة أنّه فعل الرحمة الأصيل والمؤسَّس على فعل التفاني كما هوَ الحال عند الأُم. فرؤية الرجل في هذه الظروف يأخذه السامري “في الأحشاء”، في أعماق الروح. قال يسوع هذا المثل لأنَّ الرحمة هيَ قلب رسالته!  

كي تكون دعوة فعّالة ومُستمرة لنا جميعًا لنصبح سامريين لإخوانِنا، قال البابا فرنسيس في مرسوم بمناسبة يوبيل الرحمة: “كم هي كثيرة في عالم اليوم أوضاع الألم وانعدام الثبات! كم مِن الجِراح المطبوعة في أجسادِ أشخاصٍ كثيرين لا صوت لهم، لأنَّ صراخَهُم اضمحلَّ وانطفأ بِسبَبِ لامُبالاة الشعوب الغنيَّة. في هذا اليوبيل ستُدعى الكنيسة أكثر مِن أي وقت مَضى للاعتناء بهذهِ الجراح ومُداواتها بزيت العزاء وتضميدها بالرحمة ومعالجتها بالتَعاضُد والعناية الواجبة. دعونا لا نقع في فخ اللامُبالاة الّتي تُذل وفي الاعتياد الّذي يخدّر النَفس ويحول دون اكتشاف الحداثة مِن خلالِ التهكّم الّذي يدمّر. لنفتح أعيننا كي نرى بؤس العالم، جراح العديد مِنَ الإخوة والأخوات المحرومين مِنَ الكرامة، لنشعر بأنَّنا مُستفَزون للإصغاء لصرخة النجدة الّتي يطلقونها. لنَشد بأيدينا على أيديهم، لنَجذبهم إلينا كي يشعروا بحرارة حضورنا وصداقتنا وأخوّتنا. لتصبح صرختهم صرختنا، ولنهدم مَعا حاجز اللامُبالاة الّتي غالباً ما تسود لتُخفي الخبث والأنانيَّة” (عدد 15).  

بقلم: الاب الدكتور سامي الريس

عن الاب سامي الريس

شاهد أيضاً

مواهب الروح القدس

هو روح الله الأقنوم الثالث في الثالوث الاقدس وقد ذكر هذا التعبير ثلاث مرات فقط …