يسوع والفصح : الشماس سمير كاكوز
أنجيل يوحنا 13
الفصح اليهودي كان يقام في مدينة اورشليم الذين يؤمنون بشريعة موسى لذبح
الخروف الفصح واكله ويحيي فيه مناسبة خروج العبرانيين من عبودية المصريين
الفصح المسيحي هو بمثابة الاشتراك المؤمنين مع المسيح في موته وقيامته بتحررنا
من عبودية الخطئية والموت الابدي والمصالحة مع الله الاب وفتح باب الملكوت
السماوي
المسيح له المجد وقبل انتقاله من هذا العالم الى ابيه وقبل عيد الفصح كان يسوع
يعلم ان ساعته قد اتت وان يسوع احب خاصته الذين في هذا العالم احبهم الى اقصى
حدوده
العشاء الاخير وقبل القبض على يسوع اجتمع مع تلاميذه لياكل معهم على مائدة
واحدة وان يحتفلوا بالفصح كما جرت التقليد عند اليهود في ذلك الوقت
يوحنا كاتب الانجيل يسرد لنا ما تحدث به يسوع مع تلاميذه أبتداً من غسل ارجلهم
وتقديس الخبز والخمر مع توصيتهم باحداث سوف تقع عليهم بعد القبض عليه والى ما
بعد صعوده الى السماء يوحنا فضلا الحديث الروحي الذي قاله يسوع لتلاميذه
يوحنا بن زبدي كاتب الانجيل يقسم لنا الفصول من الفصل 13 والى الفصل 17 الى
ثلاث أقسام
القسم الاول يبدأ لنا من الفصل 13 والى الفصل 14 كلاماً عن غسل أرجل التلاميذ
والعشاء الاخير وترك يسوع لتلاميذه
القسم الثاني ينظم من الفصل 15 والى الفصل 16 يحدنا يسوع عن الكرمة والاغصان
وبغض العالم ليسوع وتلاميذه
القسم الثالث الفصل 17 يتكلم عن صلاة يسوع الكهنوتية ومن أجل كنيسته ووحدتها
هذه الاقسام الطويلة شكلت لنا أطول أحاديث وخطب يسوع مع تلاميذه
( قبلَ عيدِ الفِصح كانَ يسوعُ يَعَلمُ بِأَن قد أَتَت ساعَةُ انتِقالِه عن
هذا العالَمِ إِلى أَبيه وكانَ قد أَحَبَّ خاصَّتَه الَّذينَ في العالَم
فَبَلَغَ بِه الحُبُّ لَهم إِلى أَقْصى حُدودِه وفي أَثْناءِ العَشاء وقَد
أَلْقى إِبَليسُ في قَلْبِ يَهوذا بْنِ سِمعانَ الإِسخَريوطيِّ أَن يُسلِمَه
وكانَ يسوعُ يَعلَمُ أَنَّ الآبَ جَعَلَ في يَدَيهِ كُلَّ شَيء وأَنَّهُ
خَرَجَ مِنَ الله، وإِلى اللهِ يَمْضي )
أنجيل يوحنا 13 : 1 – 3
الحديث كان طويلاً بين يسوع وتلاميذه مع الخاتمة معهم من الفصل 13 والى الفصل
17 من أنجيل يوحنا
الاحتفال بعيد الفصح كان اليهود يحتفلون به بخروجهم من ارض مصر الى ارض
الميعاد والكلمة الفصح تعني العبور والخلاص من العبودية الى التحرر منها
والنجاة باسم يسوع
( وأَنا أَجْتازُ في أَرضِ مِصرَ في تِلكَ اللَّيلة وأَضرِبُ كُلَّ بِكْرٍ في
أَرضِ مِصْر مِنَ النَّاسِ إِلى البَهائِم وبِجَميعِ آِلهَةِ المِصرِيِّينَ
أُنَفِّذُ أَحكاماً أَنا الرَّبّ فَيكونُ الدَّمُ لَكم عَلامةً على البُيوتِ
الَّتي أَنْتُم فيها فأَرى الدَّمَ وأَعبُرُ مِن فَوقِكم ولا تَحِلُّ بِكُم
ضَربَةٌ مُهلِكة إِذا ضَرَبتُ أرضَ مِصْر )
سفر الخروج 12 : 12 – 13
خلال العشاء ابليس العدو دخل في قلب يهوذا الاسخريوطي لكي يسلم يسوع الى ايدي
اليهود قدرة الشيطان هنا كانت له دور فعال في هذه الجلسة والحضور مع العلم ان
يسوع يعرف كل المعرفة الجيدة من هو الذي يسلمه وان الله الاب جعل في يديه كل
شيء وانه اتى من الله والى الله يعود
يسوع يعلم ماذا سيحدث لساعته ويتقبل بملء أرادته كل الاحداث بحرية ورحابة صدر
يسوع أنتهى العشاء مع تلاميذه قام ووقف في وسط الغرفة هنا التلاميذ لا يعرفون
ما هو سبب من قيام يسوع من مائدة العشاء ولم يساله لماذا انت نهضت من مائدة
العشاء
يسوع خلع ثيابه هنا ليس بالمعنى ان يسوع اصبح عاري من الملابس حاشا بل احتمال
كان يلبس رداء او شال ملفول حول جسمه اخذ منديلا او قطعة من القماش او منشفة
ولفها يسوع حواليه واترز بها اخذ مطهرة او شيئ يوضع فيه ماء وبدأ يغسل ارجل
التلاميذ
( فقامَ عنِ العَشاءِ فخَلَعَ ثِيابَه وأَخَذَ مِنديلاً فَائتَزَرَ بِه ثُمَّ
صَبَّ ماءً في مَطهَرَةٍ وأَخَذَ يَغسِلُ أَقدامَ التَّلاميذ ويَمسَحُها
بِالمِنديلِ الَّذي ائتَزَرَ بِه )
أنجيل يوحنا 13 : 4 – 5
اذا فكرنا في هذا العمل غسل الارجل نجد ان التلاميذ ما عدا بطرس لم يعارضوا
وجاءوا واحد بعد الاخر فغسل يسوع ارجلهم وهذا ان دل على عظمة محبة يسوع
لتلاميذه مع مسح أرجلها بالمشفة مع العلم أن تقليد غسل ارجل يعد عمل مذلاً لا
يفرض حتى على عبد يهودي لكن عمل يسوع هو من الاعمال الرمزية التي بها بها
الانبياء
جاء دور بطرس ليغسل يسوع رجليه بطرس في البداية رفض ذلك والسبب هو كيف معلمه
واستاذه يغسل رجليه لان بطرس ليس له اي علم لماذا معلمه يفعل هذا العمل
( فجاءَ إِلى سِمعانَ بُطرُس فقالَ له أَأَنتَ ياربُّ تَغسِلُ قَدَمَيَّ؟
أَجابَه يسوع ما أَنا فاعِلٌ، أَنتَ لا تَعرِفُه الآن ولكِنَّكَ ستُدرِكُه
بَعدَ حين قالَ له بُطرُس لن تَغسِلَ قَدَمَيَّ أَبَداً أَجابَه يسوع إِذا لم
أَغسِلْكَ فلا نَصيبَ لَكَ معي )
أنجيل يوحنا 13 : 6 – 8
المسيح من دافع المحبة والتواضع يعمل غسل ارجل ويوجد كثير من الامثلة مثل الام
تغسل ارجل ابنها والزوجة تغسل ارجل زوجها وهذا العمل ليس مفرض على العبد بل
المسيح عمله من جهة حبه لتلاميذه وان يعلمهم التواضع في حياتهم فاجاب يسوع
بطرس ان لم اغسلك لا نصيب لك معي بمعنى كونهم اخذوا سابقا معمودية يوحنا بن
زكريا فعمل يسوع هذا هو ان يغسل ارجلهم ويطهرهم من الخطيئة ولكي يتحدون مع
يسوع ما عدا يهوذا الاسخريوطي الذي اسلمه لليهود بالرغم يسوع غسل رجليه ايضا
وكما راها اباء الكنيسة المعمودية حيث يموت المؤمن ويموت معه وهذا معنى كلمة
يسوع ان لم اغسلك لا نصيب لك معي
( لا أَقولُ هذا فيكم جَميعاً فأَنا أَعرِفُ الَّذينَ اختَرتُهم ولكِن لابُدَّ
أَن يَتِمَّ ما كُتِب أَنَّ الآكِلَ خُبزي رَفَعَ علَيَّ عَقِبَه مَنذُ الآن
أُكَلِّمُكُم بِالأَمر قَبلَ حُدوثِه حتَّى إذا حدَثَ تُؤمِنونَ بِأَنِّي أَنا
هو الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم مَن قَبِلَ الَّذي أُرسِلُه قَبِلَني أَنا
ومَن قَبِلَني قبِلَ الَّذي أَرسَلَني قالَ يسوعُ هذا فاضطَرَبَت نَفْسُه
فأَعلَنَ قال الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَ واحِداً مِنكُم سَيُسلِمُني
فنَظَرَ التَلاميذُ بَعضُهُم إِلى بَعضٍ حائِرينَ لا يَدرونَ على مَن يَتكلَّم
وكانَ أحدُ تَلاميذِه وهو الَّذي أَحبَّه يسوع، مُتَّكِئاً إِلى جانبِ يسوع
فأَومَأَ لَه سِمْعانُ بُطرس وقالَ له سَلْهُ على مَن يَتَكَلَّم فمالَ دونَ
تَكَلُّفٍ على صَدرِ يسوعَ وقالَ له يا ربّ مَنْ هو؟ فأَجابَ يسوع هو الَّذي
أُناوِلُه اللُّقمَةَ الَّتي أَغمِسُها فَغَمَس اللُّقمَةَ ورَفَعَها
وناوَلَها يَهوذا بْنَ سِمْعانَ الإِسخَريوطيّ فما إِن أَخَذَ اللُّقمَةَ
حتَّى دَخَلَ فيه الشَّيطان فقالَ له يسوع إِفعَلْ ما أَنتَ فاعِلٌ وعَجِّل
فلَم يَعلَمْ أَحَدٌ مِنَ الَّذينَ عَلى الطَّعام لِماذا قالَ له ذلك ولمَّا
كانَ صُندوقُ الدَّراهِمِ مع يَهوذا ظَنَّ بَعضُهم أَنَّ يسوعَ قالَ له
اِشتَرِ ما نَحتاجُ إِلَيهِ لِلعيد أَو أَمَرَهُ بِأَن يُعطيَ الفُقَراءَ
شَيئاً فتَناوَلَ اللُّقمَةَ إِذاً وخرَجَ مِن وَقتِه وكانَ قد أَظلَمَ
اللَّيل فلَمَّا خَرَجَ قالَ يسوع الآنَ مُجِّدَ ابنُ الإِنسان ومُجِّدَ اللهُ
فيه وإِذا كانَ اللهُ قد مُجِّدَ فيه فسَيُمَجِّدُه اللهُ في ذاتِه وبَعدَ
قليلٍ يُمَجِّدُه )
انجيل يوحنا 13 : 18 – 32
بطرس عارض للعمل المذل هذا بسبب حبه للمسيح ففكر بمقاييس البشر ( لا تَحكُموا
على الظَّاهِر بلِ احكُموا بِالعَدْل )
انجيل يوحنا 7 : 24
بعد هذا المناقشة بينه وبين بطرس وافقة بطرس على الغسل ولكن ان يغسل يسوع له
يديه و رجليه هنا فهم بطرس الغسل الخارجي الجسدي بمعنى ان بطرس فكر تفكير بشري
وليس روحي فاجابه يسوع من اغتسل كان طاهرا كله ولا يحتاج الا الى غسل رجليه
انتم طاهرون ولكن ليس كلكم قال يسوع لهم ما كللكم طاهرون لانه يعرف من الذي
يسلمه
( فقالَ له سِمْعانُ بُطُرس يا ربّ لا قَدَمَيَّ فَقَط، بل يَدَيَّ وَرأسي
أَيضاً فقالَ لَه يسوع مَن استَحَمَّ لا يَحتاجُ إِلاَّ إِلى غَسلِ قَدَمَيه
فهو كُلُّه طاهِر أَنتُم أَيضاً أَطهار ولكِن لا كُلُّكم فقَد كانَ يَعرِفُ
مَن سَيُسْلِمُه ولِذلِكَ قال لَستُم كُلُّكم أَطهاراً فلَمَّا غَسَلَ
أَقدامَهم لَبِسَ ثِيابَه وعادَ إِلى المائدة فقالَ لَهم أَتَفهَمُونَ ما
صَنَعتُ إِليكم؟ )
أنجيل يوحنا 13 : 9 – 12
اذا يسوع في النهاية وبعد هذا الكلام الطويل مع بطرس غسل رجليه وانتهى من غسل
ارجل التلاميذ كلهم لبس يسوع ثوبه ورجع وجلس مع تلاميذه على المائدة واخذا
يعلمهم ويعطيهم وصايا وتعاليم قبل صعوده الى السماء
قال لهم اتفهمون ماذا صنعت اليكم اكيد سؤال يسوع للتلاميذ لم يفهمون اساسا
لماذا استاذهم ومعلمهم غسل ارجلهم صاروا كلهم في حيرة من هذا السؤال ؟
يسوع اجابهم انتم تدعونني المعلم والرب وحسنا تقولون اني انا المعلم والرب
واذا كنت انا المعلم والرب الذي غسل ارجلكم اريد منكم ايضا انتم ان يغسل ارجل
بعضكم البعض
( أَنتُم تَدعونَني المُعَلِّمَ والرَّب وأَصَبتُم في ما تَقولون فهكذا أَنا
فإِذا كُنتُ أَنا الرَّبَّ والمُعَلِّمَ قد غَسَلتُ أَقدامَكم، فيَجِبُ
علَيكُم أَنتُم أَيضاً أَن يَغسِلَ بَعضُكم أَقدامَ بَعْض فقَد جَعَلتُ لَكُم
مِن نَفْسي قُدوَةً لِتَصنَعوا أَنتُم أَيضاً ما صَنَعتُ إِلَيكم الحَقَّ
الحَقَّ أَقولُ لَكم ما كانَ الخادِمُ أَعظِمَ مِن سَيِّدهِ ولا كانَ
الرَّسولُ أَعظَمَ مِن مُرسِلِه أَمَّا وقد عَلِمتُم هذا فطوبى لَكُم إِذا
عَمِلتُم بِه )
أنجيل يوحنا 13 : 13 – 17
عمل يسوع هذا هو ان يعلمنا المحبة والتواضع وعدم التكبر هذا جوهر حياة يسوع
والامه هي المحبة التي تلزم تلاميذ يسوع على الاقتداء بها في حياتهم بمعنى انه
لا فرق بين الخادم والمعلم ولا الرسول أعظم من مرسله
يسوع ضحى وبذل نفسه في خدمة الاخرين فهنيئا لنا ان عملنا بذلك وكما قال في
نهاية حديثه للتلاميذ الحق الحق اقول لكم ما كان الخادم اعظم من سيده ولا كان
الرسول اعظم من مرسله اما وقد عملتم هذا فطوبى لكم اذا عملتم به
يسوع غسل ارجل التلاميذ كان قصده الى تطهير قلبوهم واستئصال شاقة الكبرياء
منها والكبرياء قد يتعرض الى ضررها افاضل الناس اكثر ممن هم دونهم وهكذا راح
يعدهم الى الحدث العظيم الذي سيتم تحت اعينهم بعد لحظات
( يا بَنِيَّ لَستُ باقِياً مَعَكُم إِلاَّ وَقْتاً قليلاً فستَطلُبوني وما
قُلتُه لِليَهود أَقولُه الآنَ لَكُم أَيضاً حَيثُ أَنا ذاهِب لا تَستَطيعونَ
أَن تَأتوا أُعْطيكم وَصِيَّةً جَديدَة أَحِبُّوا بَعضُكم بَعضاً. كما
أَحبَبتُكم أَحِبُّوا أَنتُم أَيضاً بَعَضُكم بَعْضاً إذا أَحَبَّ بَعضُكُم
بَعضاً عَرَف النَّاسُ جَميعاً أَنَّكُم تَلاميذي فقالَ لَه سِمعانُ بُطرُس يا
ربّ إِلى أَينَ تَذهَب؟ أَجابَ يسوع إِلى حَيثُ أَنا ذاهبٌ لا تَستَطيعُ الآنَ
أن تَتبَعَني ولكِن ستَتبَعُني بَعدَ حين قالَ له بُطرُس لِماذا لا أَستَطيعُ
أَن أَتَبَعَكَ الآن ؟ لأَبذِلَنَّ نَفْسي في سَبيلِكَ أَجابَ يسوع أَتبذِلُ
نَفْسَكَ في سبيلي؟ الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ لا يَصيحُ الدِّيكُ إِلاَّ
وقَد أَنكَرتَني ثَلاثَ مَرَّات )
أنجيل يوحنا 13 : 33 – 38
وصيّة يسوع وصيّة المحبّة بكل متطلّباتها حتّى بذل الذات في سبيل من نحبّ لا
حدود لها على مستوى القرابة والوطن والدين هي شاملة بل هي تحبّ حتّى الأعداء.
ومثالُها محبّة المسيح لنا لا محبّة البشر بعضهم لبعض والتي هي تبادل بشريّ به
أعطيك فتعطيني المحبّة هي العلامة التي تدلّ على التلميذ وبدونها لا يدّعي أحد
أنه تلميذ يسوع
والمجد لله امين
الشماس سمير كاكوز