“كلمة رثاء لأخٍ عزيز من صديق حزين”من السيد نافع توسا

أحبائي،

عندما أعلن الأب المحترم فراس وفاة أخينا ابي رامي ذكر جهوده ونشاطه وغيرته بتفصيل وأوفاها حقـّها كل الوفاء، وكان ذلك محددًا فقط بالسنين الأخيرة من حياة فقيدنا الغالي.

تعرفت على أخي العزيز ابي رامي بعد ستة ايام من وصولي وعائلتي أرض الغربة وبعد يومين فقط من وصوله هو وعائلته. منذ اللحظة الأولى وجدته مسيحيًا وعراقيًا من إعماق قلبه وإلى النخاع. مع مرور الأيام اشتدت روابط الصداقة بيني وبينه وتوثقت مع معترك التغيرات الكثيرة والمتنوعة التي واجهتنا في البداية.

كانت أولى تلك المشاكل استثناء العراقيين عامة والمسيحيين منهم خاصة من حق طلب اللجوء نظرًا لوجود منطقة في العراق وصفت بالمنطقة الآمنة اي اقليم كردستان. عندئذٍ قمنا بالبحث سوية عن السبب، وهذا كلفنا جهدًا كبيرًا واستغرق وقتًا طويلا خاصة لأننا لم نكن نحسن معرفة اللغة الهولندية والتعامل معها. عملنا معًا دون كللٍ أو ملل ولسنوات وحتى أن توفقنا لإقناع السلطات انَّ المنطقة الآمنة ليست بالنسبة لنا نحن المسيحيون بل تعني فقط العراقيين الاكرادً. كان المرحوم ابو رامي في خضمَّ المواجهة مدافعًا شجاعًا ومعالجًا حكيمًا للمواقف. هكذا استطاعت أعداد غفيرة من مسيحيي العراق الحصول على حقوق اللاجئين الفعلية وخاصة جيل الابناء الذين كانوا قـد حـُرموا من فرص التعليم في اعمارٍ مناسبة، أمَّا البالغين فتوفرت لهم فرص العمل والحياة الكريمة وبعرق الجبين.

ثانية المشاكل تلك كانت مشكلة تكوين كيان رسمي ومعترف به لكنيستنا في وطننا الثاني هولندا. بدأنا سوية نحاول ونعمل على التعريف بكنيستنا لدى السلطات الدينية الهولندية. ولكن كل تلك الجهود لم تـُفيد إلى ان زار المطران ابراهيم ابراهيم مطران الكلدان في الولايات المتحدة وبصحبته المرحوم القس سليمان دنحا، موفدًا من السنودس الكلداني للاطلاع على اوضاع الشتات الكلداني في اوربا ومنها هولندا. لم يكن للوفد اي برنامج أو هدف سوى التعرف على المسيحيين العراقيين كلاجئين قاطبة والكلدان خاصة. دامت الزيارة ثلاثة أيام. في اليوم الأول حصلت للوفد مقابلة من الكردينال سيمونيس في حينه. كان الغرض المبدئي زيارة مجاملة ولمدة 40 دقيقة ولكن بنعمة من الله ونتيجة لمرافقتنا لوفد توفقنا لندير الحديثة نحو موضوع جاليتنا المسيحية في الأراضي الهولندية فطالت المقابلة لمدة تزيد على الساعتين. كان المرحوم ابو رامي عضوًا فعـّالاً في جمع المعلومات ووصف الحالة الواقعية لجماعتنا فقـُدمت للكردينال. بعد تأملها بروية وافق على ابلاغ ادارة كنيستنا الكلدانية في العراق أنَّ الكنيسة الكاثوليكية في هولندا وبمعاونة منظمة “كورا مكراتونويم” مستعدة لتغطية نفقات اقامة كاهن كلداني ليكون مسؤولا عن الجالية وهذا ما حصل ونـُفـّذ لسنوات عديدة. هكذا وُضعت اللبنات الأولى وزرعت الجذور الفتية لشتلة خورنة كلدانية عتيدة نراها اليوم دوحة وارفة الأغصان يرعاها كاهن شاب ويعاونه ثلة من الشباب الغيورين. نعم كان المرحوم ابو رامي المحرّك الخفي لمسيرة خورنة مار توما الرسول في هولندا. فإلى البيت الأبوي يا ابا رامي حيث النعم السماوية والسعادة الأبدية بحضرة الأب والابن والروح القدس نودعك عبر باب وفاتك اليوم حيث لا زمان يُقاس ولا فضاء يُحدّد.

إلى جنات الخلود يا ابا رامي، ولكن ارجو انْ لا تنسانا وأنت في احضان العذراء مريم التي كان لك عبادة خاصة لها. ارجو ان لا تنسانا في صلاتك هناك كما نحن نعدك أننا سوف لن ننساك.

الحضور الكرام،

الموت في حياة الإنسان حدث مؤلم بشريًا ولكن بالنسبة للإيمان المسيحي عقابٌ إلهي حوله الرب يسوع بتعاليمه وحياته الأرضية وتألمه وموته وقيامته المجيدة ممرًا للوصول إلى حياة البراري والسعادة التي عليها كان الإنسان مباشرة بعد ان خلقه الله وقبل السقوط المريع في أحضان الخطيئة.

فأليكم جميعًا أخواتي وأخواتي وأبنائي وبناتي نقدم لكم التعازي الحارة ونشارككم الصلاة عن روحه الطاهرة وطالبين لكم الصبر والسلوان وله النعم والغفران وسكنى الجنان واضعين جميعًا أمام انظارنا الحكمة القائلة:

الإنسان في حياته كعابر سبيل             فليترك وراءه كل أثرٍ جميل

فما هو في الدنيا إلا ضيف                 وما على الضيف يومًا إلاّ الرحيل

فطوبى لك يا أخي وصديقي هرمز ابا رامي لسماعك دعوة الرب الإله يسوع المسيح:” تعال يا مبارك ابي ولك الملك المعدّ منذ إنشاء العالم إرثُا أبديًا باستحقاقات اعمال الخير التي فعلتها وامانتك لإيمانك. آمين

الصديق والمحب نافع توسا وعائلته

عن ادارة الموقع

شاهد أيضاً

قراءات عيد مريم العذراء المحبول بها بلا دنس

الحكمة والشريعة سفر يشوع بن سيراخ 24 : 1 – 32 الحكمة تمدح نفسها وتفتخر …