قد يصاب الكثيرين باليأس في هذه الايام المضطربة والتي يعاني فيها العالم من ازمة وباء كورونا (covid19) القاتل ، فإلى مَن نلجأ ونطلب المساعدة؟ كثيرون حولنا يتناقل الروايات والأخبار عن الذين يدّعون انهم قادرون على حل المشكلة، والاقتراحات الكثيرة توقعنا في حيرة وتقودنا الى اليأس الذي لا يقدم حلولاً ولا يصنع شيئاً سوى مزيد من الآلام والمصاعب، ان الالتفات المُبالغ فيه والمستمر نحو اليأس يسهم في تضخيم الصورة السلبية في النفس والظروف المحيطة بها، وأن كثيراً من الأمراض النفسية كالقلق والاكتئاب وغيرها في مراحلها الأولى هي نتاج تلك النظرة السليبة بالفعل.
هذا من جانب ومن الجانب الأخر هو الفرق الكبير بين (اليأس – والأمل)، فالذي ينظر للحياة بأمل فأنه يُحسن رسم صورة المستقبل ويبدع في إعطاء الروح والحركة لما رسمه وحين يضع هدفاً محدداً فالأمل يجعله يتمسك بالحياة ويمنحه الطاقة التي تدفعه نحو أهدافه، ويشير بولص الرسول “أننا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلكِنَّ الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً، لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟ وَلكِنْ إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا نَنْظُرُهُ فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْر”، رومية 8: 24ـ 25، وَلْيَمْلأْكُمْ إِلهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ، لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ. رومية 15:13. مرقس 23: 9 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ. كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ».
فمن يعيش بروح التفاؤل والأمل هو أكثر ايجابية ممن بات ضحية اليأس، الفارق هنا حين تغيب محركات الصور المشرقة من عقل الفرد فإنه يصبح يائساً ضعيف القدرة على المقاومة، فمن يعيش حياةً بلا أمل، يضعف نظامه المناعي، وينتج عن ذلك خلل في جانب الاداء الوظيفي للجسم، مما يعرضه لمزيد من المرض. كشفت نتائج الدراسات التي تناولت فعالية الأمل في العلاج واعتبرته عاملاً جوهرياً وأساسياً في شفاء المرضى خصوصا الذين يعانون من امراض واضطرابات نفسية وامراض مزمنة كالسرطان والفشل الكلوي والقائمة تطول، وذلك من خلال الحد من التأثير السلبي عليهم.
فالأمل له مزايا وفوائد جمة عند مواجهة المشكلات كافة من خلال تعزيز جوانب القوة النفسية لدى الفرد وتعزيز معنى الحياة، ولتحفيز ورعاية العلاقات مع الآخرين، والحفاظ عليها هو الذي يجعل الكثير من مشاعرنا الإيجابية ترافقنا في حياتنا اليومية لديمومة الوجود الإنساني المرتبط بالمشاعر والوعي المدرك لوجودنا كما جاء في المزامير” الرب يَحْفَظُكَ مِنْ كُلِّ شَرّ الرَّبُّ يَحْفَظ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ مِنَ الآنَ وَإِلَى الأبد يحفظ نفسك” مزمور121: 7 – 8
وتأسيسا على ما تقدم اجد من الأهمية بمكان توضيح العلاقة بين مرادف الامل الذي هو بمعنى الرجاء في الكتاب المقدس وما يقدمه من تعليم: الامل والرجاء في الكتاب المقدس، يعني الانتظار بلهفة وتوقع الخير وان هذا الخير سيحصل ومرتبط ارتباطا وثيقا بالحقائق والبراهين، يعلّمنا بولس الرسول الكثير عن اهميتهما. فقد شبَّه الرجاء بخوذة المقاتل، فماذا قصد بذلك؟ انها كانت تقي معظم الضربات على الرأس وتحميه من ان يلحق ضررا مميتا به. واراد بولس هنا ان يقول، كما ان الخوذة تحمي الرأس، كذلك الرجاء يحمي العقل والافكار. وإذا امتلكنا الامل والرجاء منسجمين مع مقاصد الله، فلن يحطّم الذعر واليأس سلامنا العقلي في حال تعرضنا للمحن. ومَن منا لا يحتاج الى خوذة كهذه. استخدم بولس تشبيها حيا آخر للرجاء المرتبط بمشيئة الله. فقد كتب: “الذي هو لنا كمرساة للنفس مؤتمنة وثابتة، تدخل إلى ما داخل الحجاب”. (عبرانيين 6:19) كان يعرف جيدا اهمية المرساة بالمعنى المجازي لها في الرجاء, اذ انها يمكن ان تخرجنا بسلام من العاصفة بدلا من ان نتحطم على صخور الحياة.
الله هو مصدر الرجاء الحقيقي. في جميع ازمنة الكتاب المقدس ووعوده نافذة الى يومنا هذا، دُعي الله رجاء إسرائيل” (ارميا 14:8)، ويشير البشير يوحنا 14: 6، “أنا هو الطريق والحق والحياة: لا أحد يأتي إلى الآب إلا بي”، بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ” (يوحنا 13: 35) ، “وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ” (1يوحنا 8:4) ” انظروا اية محبة اعطانا الاب حتى ندعى أولاد الله من اجل هذا لا يعرفنا العالم لأنه لا يعرفه ” (1يوحنا 3:1) . “فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضِّيْقِ، مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ” (رومية 12:12) قطع الرب لنا عددا من الوعود التي التزم بها، إذا شكّلت هذه الوعود رجاء اكيدا وثابتا، يمكن لهذا الرجاء ان يساعدنا على الخروج سالمين من الظروف الصعبة التي تعصف بنا في هذه الايام. وسينعم البشر قريبا، كما يعد الله، بالحياة في عالم لا تشوهه الحروب او الجرائم والمرض والأوبئة والحزن والموت.
والتعلق بهذا الرجاء سيقودنا حتما الى الحياة الابدية مع الاب بعد ان منحنا الدافع لنعيش بحسب ارادته بدلا من الإذعان والانغماس في الخطيئة المنتشرة في العالم ، فاذا امتلكنا هذا الرجاء، فلن تشعر ابدا باليأس لأن الله قادر على منحنا القوة التي نحتاج اليها لتحقيق اية اهداف، فتشجَّع ايه القارئ العزيز فالرجاء في متناول يدك، ويمكنك ان تعيشه في كل حين.
أدركنا ايها الاب القدير بكتاب الرجاء المقدس. فعندما نعود اليه نجده سجلا لكل ما قدمته لنا من تعليم يقودنا نحو الرجاء والخلاص، ومكنا جميعنا من الاستجابة له، وزودنا بالأمل كي نعيش بحسب ارادتك امنحنا الطاقة التي تقودنا نحو تحقيق اهدافنا، ربنا القدير والمحب احفظنا في يمينك وابعد عنا الياس، وامنحنا مشاعر ايجابية ترافقنا في حياتنا اليومية واعطينا الصحة وساعدنا للخروج سالمين من الظروف الصعبة التي تعصف بنا في هذه الايام. كما وعدت الذين سبقونا بالحياة الابدية واجعلنا نتعلق بهذا الرجاء، وامنح كنيستك القوة لمساعدة المؤمنين على سماع صوتك في الايمان…….. الى الرب نطلب
د. طلال كيلانو
ما أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلاَ فُسْحَةُ الأَمَلِ