جهود ماروثا أسقف ميافرقين لرفع الأضطهاد عن المسيحيين .. الحلقة السادسة عشر

أن ماروثا كان عالماً وطبيباً حاذقاً وسافر الى انطاكية وبيزنطية، مما أشتهر به ماروثا أنه أرسل مراراً من قبل قياصرة الروم الى المدائن لعقد الصلح بين المملكتين الرومية والفارسية. وأول سفرته كانت عند جلوسه يزدجرد على سرير الملك سنة 399 فأنه أطلق الى القسطنطينة عند الملك اركاديوس 395 – 408 يسأله أن يكتب الى يزدجرد حتى يرفق بمسيحي مملكته ويكف عن أذيتهم وقيل أن سبب ذهاب ماروثا الى ساليق المرة الأولى هة أنه عرض ليزدجرد مرض أعيا أطباء فارس. فأرسل ملك الملوك اركاديوس يطلب منه طبيباً حاذقاً فأرسل اليه ماروثا وكتب اليه كتاباً يطلب فيه أن يحسن الى المسيحين ويزيل الأذى عنهم وأن ماروثا عالج يزدجرد وأبراه عن علته فأكرمه يزدجرد وأزال الأذى عن المسيحيين وفي تلك السنة عيينها أنتخب مار اسحق جاثليقاً مكانه قيوما.
ورجع ماروثا (2) ثانية الى ساليق نحو السنة 408 التي فيها مات اركاديوس الملك وذلك أما لكي يبلغ يزدجرد خبر جلوس تئودوسيوس الثاني مكان أبيه اركاديوس أو حتى يلقي الصلح بين أساقفة الكلدان الذين نشأ بينهم النزاع من جهة الرئاسة. وبمعونة يزدجرد الملك نجح نجاحاً تاماً في أصلاح أمور الكنيسة الكلدانية وعقد مجمعاً في ساليق سنة 410 وبقى ماروثا هذه المرة في بلاد الكلدان نحو ثلاثة سنين فجمع قصص الشهداء الذين أستشهدوا في اضطهاد شابور الملك وجمع أيضاً شيئاً كثيراً من ذخائرهم وحملها على عربات فاخرة واتى بها الى ميافرقين التي سميت مدينة الشهداء، واكرم يزدجرد ماروثا كثيراً وروى عنه سقراط. أن المجوس حسدوه حسداً عظيماً فأسمعوا الملك عند دخوله معبد النار صوتاً يقول: ليخرج الملك من معبد النار فأنه نجس لآنه يكرم أسقفاً مسيحياً، لكن ماروثا كشف عن مكرهم وطلب الى الملك أن يأمر بحفر المكان الذي خرج منه الصوت ففعل يزدجرد واذا برجل مخفي هناك في سرداب فغضب ملك الملوك على المجوس وقتل منهم خلقاً كثيراً.
ورجع ماروثا (3) ثالثة الى المدائن سنة 418 ليرافق يهبالاها الجاثليق الذي أرسله يزدجرد بالسفارة الى القسطنطينة، وعلى ما يظهر أن توفى قبل السنة 420 التي فيها عقد مجمع يهبالاها الجاثليق، فأننا في هذا المجمع عوضاً عن ماروثا نرى من قبل الأباء الغربيين مار اقاق أسقف آمد. أن كل الكنائس الشرقية والغربية أكرمت مار ماروثا فجعله الكلدان كأحد الرسل واتى ذكره عندهم في 2 تشرين الأول وعند السريان والموارنة والملكيين في 16 كانون الثاني وعند اليونان واللاتين في 4 كانون الأول وعند الأرمن في 29 كانون الثاني وعند القبط في 22 مشير.

في أضطهاد يزدجرد الأول للمسيحيين سنة 420

1 – في الدواعي للأضطهاد (4)
أن يزدجرد الملك حامى المسيحيين ومال اليهم، لكنه في نهاية حياته تغير فكرة فيهم وبدأ يضطهدهم، ومما حمله على ذلك هو محبته للمسيحيين جلبت عليه بغض المجوس. وقد اتى في التاريخ السعردي ” أن المجوس بغضوه لما عاملهم به من وضع رؤوسائهم وميله الى المسيحيين وسماحة لهم ببناء الكنائس ولا يزالوا يلعنونه في بيوت النيران” ثانياً أن الكلدان المسيحيين نجحوا نجاحاً عظيماً وانتشروا أنتشاراً عجيباً في كل قطر ومصر منذ زال عنهم الأضطهاد حتى أنهم فتحوا أبرشيات كثيرة جديدة في اران وارمنية وكورزان وشابور خوست وارداشير فريهاد والصميرة واذربيجان وهرات وسجستان ومرو ومزون وغيرها ومما اقلق أكثر ما يكون المجوس والملك نفسه هو أن كثيرين من أشراف المملكة ورجال الدولة أعتنقوا الديانة المسيحية، جاء في أعمال نرساي الشهيد أن آذربوزي الموهباط مثل بين يدي يزدجرد وقال له: أن جميع عظماء مملكتك وأشرافها قد نبذوا ديانتنا وصاروا مسيحيين فأعطني أمراً بترجيعه الى المجوسية” فقال الملك: قد أعطيتك أمراً أن ترجعهم ولكن ليس بالقتل بل بالتهديد والضرب القليل فقط. وهكذا أرجع اذربوزي بالتهديد بعضاً من الأشراف الذين آمنوا بالمسيح ولولا حماقة بعض المسيحيين لاكتفى يزدجرد بهده الأوامر.

2 – مار عبدا أسقف هرمزد ارداشير ورفاقه الشهداء (5)
في السنة الأخيرة من حياة يزدجرد أي سنة 420 هدم هشو أو هوشاع كاهن مدينة هرمزد ارداشير في الأهواز معبداً للنار كان متصلاً بالكنيسة لأن المسيحيين كانوا يتأذون من قيمته، وكان الأسقف على تلك المدينة مار عبدا، فأليه نسب المجوس حريق بيت النار وسعوا به لدى الملك، فعقد يزدجرد مجلسه وقرر أن ينكل بالمسيحيين، فدخل معنا الجاثليق على الملك مصحوباً ببعض أساقفته ليدافع عن مار عبدا ويدفع الشر عن رعيته، وهاك ما جاء في هذا الصدد في التاريخ السعردي: دخل معنا في بعض الأيام يزدجرد ومعه جماعة من الأباء فنظر اليهم بغضب فعلموا أن طلب علة بسبب ما فعله هوشع القس ثم قال: كما أن قيصر مسلط على مملكته يعمل فيها ما يريد هكذا أنا مسلط على مملكتي أعمل فيها ما أريد. واعاد هذه العبارة دفعتين، فأجاب قس المدائن أسمه نرساي وقال له: ايها الملك أنما قيصر مسلط في مملكته على اخذ الخراج والجزية وقتل الأعداء، اما أن يطالب رعيته بالانتقال عن دينهم فلا لان مملكته مملؤة باليهود والحنفاء والمخالفين، وليس هناك ما يمنعهم عن أعتقادهم. فاغتاظ الملك من كلامه واوجب الحاضرين عليه بالقتل، لنه وقف بوجه الملك فقال الجاثليق: أنما أجاب عما تكلم به الملك ولم يقل ما يستحق به القتل، فأمر يزدجرد بضرب عنق القس أن أقام على الميسحية وتمزيق ثياب الجاثليق ونفيه الى فارس وأن لا يدعى جاثليقاً لا ظاهراً ولا باطناً واراد هوشع مطران نصيبين وباطا لاشوم أن يتكلما ويحتجا فمنعا واخرجا وأجتهد المجوس بنرساي القس أن ينتقل الى المجوسية فلم يفعل وضرب عنقه ودفنه المؤمنون في البيعة الكبرى بالمدائن. ثم أن الملك يزدجرد أمر بالقاء القبض على مار عبدا الأسقف وهشو واسحق الكاهنين وافرام الكاتب وبابا الشماس ودادوق العلمانين وبابا شقيق مار عبدا، وسيقوا الى باب الملك، واراد مار عبدا أن يحتج وقال: أن المجوس أفتراء يفترون علينا فأننا لم نعمل شيئاً فقال الملك: لست أظلمكم ولا افتري عليكم فأن الأمناء اخبروني بذلك. فقال هشو الكاهن بجيسارة: أنا هدمت معبد النار لأنه ليس بيت اللـه وأنا أطفات النار لأنها ليست بنت اللـه كما تزعمون بل جارية تخدم الملوك والأغنياء والصعاليك والفقراء وهي مخلوقة عديمة الحياة تتولد من الحطب. ومع هذا كله لم يرد الملك بقتل المعترفين بل اكتفى بجبرهم على تشيدد معبد النار الذي هدموه لكنهم ابوا ذلك لأنهم راوا فيه الاشتراك مع المجوس بديانتهم فقتلوا قاطبة وتذكارهم عند اليونان في 21 آذار وعند الكلدان 7 كانون الأول وعند اللاتين في 16 أيار. ولابد من أنه في ذاك الزمان عينه أي في سنة 420 أستشهد أيضاً نرساي الراهب وطاطاق الخادم والشهداء العشرة من بيت كرماي كما ترى قصتهم في أعمال القديسين طبعة بيجان وأشهر شهداء المشرق نسردهم بالاختصار.

3 – نرساي الراهب الشهيد (3)
أن نرساي كان من بيت رازيقان وترهب في أحد الأديرة بالقرب من المدائن وكان حينئذ شابور الكاهن قد تلمذ أحد اشراف الفرس يقال له آذربروا فأعطاه أرضاً ليبني فيها كنيسة وكتب له صكاً بذلك فتشكى آذربوزي الموهباط عند الملك من أن المجوس يعتنقون الديانة المسيحية فرخصه يزدجرد بترجيعهم بالتهديد فضيق الموهباط على آذربروا حتى حمله على نبذ المسيحية واكره شابور القسيس على رد الصك والخروج من البيعة فضبطت الكنيسة وجعلت معبداً للنار فأتى نرساي وأطفأ النار وطرحها خارجاً كما وجد هناك من الامتعة المتعلقة بديانة المجوس فقبض عليه وسيق الى ساليق فجبرة آذربوزي أن يشيد كانون النار الذي هدمه ولما ابى اوسعه ضرباً والقي بالسجن حيث بقي تسعة أشهر. فلما دنا الصيف خرج يزدجرد من المدائن وذهب الى الاهواز لكي يصيف كجاري عادته حينئذ أعطى المسيحيين اربعمائة درهم وكفل أحدهم مار نرساي واخرجه من الحبس لكنه بعد مرور أثني عشر يوماً اتت رسالة من الملك الى مزربان بيت ارمايي فيها يأمر أن يتخلى سبيل نرساي أن أنكر أنه أطفأ النار والا فليجبروه أن يجمع النار 366 بيتاً ويضعها في المعبد الذي أطفأ ناره وهدم كانونه فآثر القديس الموت على ذلك الفعل فصفد بالقيود وأرسل الى موضع يسمى ساليق حاروبتا فخرج للقائه جم غفير من المسيحيين رجالا ونساء والقديس يتلو بفرح المزمور 117 الذي بدأه: أعترفوا للرب فأنه صالح والى الأبد رجوته وتناول شرطي مرتد سيفاً وضرب عنق مار نرساي لكن قبضة السيف أنكسرت واخذ الجلاد يكرر الضربات حتى بلغت الثماني عشرة ضربة واخيراً ذبحه كما يذبح الحمل الوديع ودفن الشهيد في بيت ساهدي حيث وضع 118 شهيداً على عهد شابور الملك وكان ماروثا أسقف صوب (ميافرقين) قد بنى هناك هيكلاً فاخراً.

4 – طاطاق الشهيد (7)
كان طاطاق من أشراف حدياب وكان على باب الملك واصاب عنده منزله ومكانه ثم دخل ديراً وترهب فلما وصل خبره الى يزدجرد أمر بالقبض عليه وطرحه بالسجن نحو أربعة أشهر وأذيق مراراً أقسى العذابات ثم أوعز الملك الى رئيس المجوس أن يسأله: لماذا ترك خدمته وأنطلق لدي المسيحيين فجاوبه القديس أنه وجد المسيح أعظم الملوك، فأمر الملك بقطع رأسه فدق الجلاد عنقه.

5 – الشهداء العشرة من بيت كرماي (8)
أن هولاء الشهداء كانوا علمانين وطاعنين في السن ومنهم من كان مجوسياً فتنصر ومنهم من تزوج بأمراة مجوسية فتلمذها الى الأيمان المسيحي وأسمائهم: هرمزد وايتي وماري وآني وآتي ويعقوب وحورا وبابا ونمرود وآذربروا فسيقوا قاطبة الى المدائن ومثلوا بين يدي مهر شابور فأمرهم أن يسجدوا للشمس ولما ابوا أصدر يزدجرد الملك أمره بذبحهم فذبحوهم عن اخرهم.

المصادر: (1) ادي شير ص99 (2) ادي شير ص100 (3) ادي شير ص100 (4) ادي شير ص106(5) ادي شير ص107 (6) ادي شير ص108 (7) ادي شير ص109 (8) ادي شير ص110.

الموسوعة الكلدانية – كتاب تاريخ الكلدان صفحة 55 – 59.

الناشر/ شامل يعقوب المختار

عن شامل يعقوب المختار

شاهد أيضاً

أهم المزارات الدينية المسيحية في هولندا

  + مقدمة: مملكة هولندا فيها كنائس مزارات وأديرى كثيرة وعديدة، تم بناءهُا منذ أنتشار …