في رواية التَجارب، يُلخِّص متى رَمزياً جميع المشاكل الّتي سيواجِهُها يسوع خلال رسالتِه بِأكمَلِها. على عكسِ الزوجين الأولين، في رغبَتِهم الأولى، حين حاولا بأيِّ ثَمن أنْ يُصبِحا “مثل الله” (تكوين 3: 1-19)؛ على عكسِ عبرانيين الخروج (شعب الله)، الّذين تَمرَّدوا على الله في الصحراء طالبين الخبز (خروج 16)، لم يسمَح يسوع للتَجربة أنْ تَغلِبه. سيواجه رسالته في طاعةٍ كاملة للآب، ويعمل في كُلِّ شيء وفي كُلِّ شيء كإنسان بسيط. لنْ تُستَخدم قوَّته كابن الله، الّتي تَظهر بوضوح في المُعجزات، لإكراه الآخرين ولا للدفاع عن نفسِهِ. ستكون المعجزات إشارات حُبّ لا قوّة ولا أوامر. يأتَمِن يسوع نفسه على كلمةِ الآب، المكتوبة في الكتاب المقدّس والّتي يُلهِمُها الروح في قلبِهِ، ويَقودَه خطوة بخطوة. في تَصرّفِهِ هذا، يُقدّم لنا يسوع نموذجاً، أسلوباً يجب على كُلِّ مسيحي الالتزام به.
تُبرز التجارب الثلاثة سلطان الله الفريد والمطلق في حياةِ المؤمن. الله في حياةِ المسيحي لا يمكن إلا أنْ يكون المركز الأول. ولكن للتَغلُّب على التجربة وإعطاء الله المكانة الّتي تَخُصَّه في حياتِنا، فإنَّ الرحلة الشاقة ضروريَّة، مع إلتزام بَشَري، والّذي يُسمّيه التقليد مَسيرة صعود: إرتقاء.
اليوم يَتِم تَقديم المثل الأعلى للحياة على أنَّه إنجاز سهل لكُلِّ رغبة، وأنَّ الحياة في طريقٍ مُنحَدر سهل، ولكن كَم مِنْ خيبات الأمل والاستيقاظ المرير وراء ذلك، والّتي هي ليست سوى إغراء! لأنَّنا نَعرف أنَّ الأشياء الثَمينة تتَطلّب التضحيّة، وحتّى الإيمان لا يَنمو بدون: الالتزام، والصَمت، والاستماع إلى كلمةِ الله، والصلاة. لكن بالرغم مِنْ كُلِّ هذا، نحن أيضًا، مثل يسوع، يُجربنا الشيطان. يتَسَلَّل الشيطان إلى حياتِنا، في أفكارِنا، ويفعل كُل شيء لإبعادِنا عن الله وعن طريق الخلاص. فالحياة الروحيَّة إذن هي صِراع، مَعركة شاقّة لا يمكنُنا الهروب مِنْها، ويجب علينا أنْ ندخُل فيها بِحذَر وثِقة بالنصر. هذا هو السبب في أنَّ التقليد المسيحي قد خَصَّص فترة طويلة لدراسة الإغراءات، وقَدَّمَ شرحاً لِكُلِّ كلمة تقريبًا. يجدر بنا أنْ نُلخّص بعض الرؤى الآبائيَّة الجميلة المُخصَّصة لهذا المقطع.
كما أغوى آدم الأول بِشهوةِ الأكل، هكذا أغوى آدم الثاني بالجوع. الشرير، الفائز بالأول (الإغواء الأول)، سيُهزَم مِنْ الثاني، ومِثلَما جرَّب الأبوين الأولين بِمَجدٍ باطل، قائلاً بِأنَّهُما سيكونان مثل الله، يجرب المسيح الآن بالكبرياء [القديس غريغوريوس الكبير].
يريد يسوع أنْ ينتَصر بتواضع وبِسُلطة الكتب الإلهيَّة وليس بِعلامات قوّتِه الإلهيَّة. وبهذه الطريقة يُربك العدو أكثر ويمنح الطبيعة البَشريَّة شرفًا أكبر مِنْ خلالِ الإشارة إلى الأسلحة الّتي يُمكِنهُم أيضًا هزيمة الشر بِها. [القديس جيروم].
حتّى الشيطان يقتَبس في كلامِهِ مِنَ الكتاب المقدّس، لكن بعض الاقتباسات لا تُنير: بل تُظِّل [القديس أمبرُسيوس].
قال القدّيس أفرام: “لا بِقوّة لاهوتِه حارَبَ اللعين، بَل كإنسانٍ بسيط، حارَب. وكان خائِفاً، لأنَّه لا يعرف كيف يخرج مِنْ قِتالِه. رآه كإنسان. وعلى هذا تجرَّأ فحاربه، وهو غير مُتَأكد مِنْ النهاية، الّتي تكون للشرير بعد القتال. تَجاسر، ولكِنَّه هُزم وذُلَّ. بالسلاح الّذي بِه هُزم آدم في عدن، إنتَصر ربّنا. بِشَهوة الثَمر هُزم آدم. بالصوم الّذي يُبعد عن المأكل غلَبَ المسيُ الشرير الذي أضلَّ (آدم) بواسطة المأكل” .
بقلم : الأب سامي الريّس