ظهر الاسلام (1) في زمن البطريرك ايشوعياب الجذالي (628-647)، الجذالي نسبة الى جذال احدى قرى بلدة الموصل. فقد ذكر مؤلف التاريخ السعردي عن البطريرك ايشوعياب أنه أرسل هدايا الى النبي محمد جملتها الف أستار فضة مع جبرائيل أسقف ميشان وكاتبه وسأله الأحسان الى المسيحيين.
كان المسلمون اذا أرادو أن يفتحوا بلداً وجب عليهم أن يدعو أهله الى الدخول في الاسلام فأن اسلموا كانوا وسائر المسلمين سواء. وأن لم يسلموا دعوهم الى أن يسلموا بلادهم للمسلمين ويبقوا على دينهم ويدفعوا الجزية (2) فأن قبلوا ذلك كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم وكانوا في ذمة المسلمين يحمونهم ويدافعون عنهم ولهذا يسمون (أهل الذمة)، وأن لم يقبلوا الاسلام ولا الدخول تحت حكمة ودفع الجزية أعلنت عليهم الحرب وقوتلوا.
عندما دخل العرب المسلمون (3) الفاتحون العراق رحب بهم المسيحيون ترحيباً لا مزيد عليه وانزلوا جنودهم في البيع والاديرة، ولاعجب في ذلك اذ لم تكن للمسيحيين مطامع سياسية. وقد تطوع قسم كثير من عرب العراق المسيحيين وحاربوا مع أخواتهم المسلمون وعاونوهم في معارك فتح العراق، وكان لسكان الحيرة المسيحيين دوراً كبيراً في مؤازرة أخواتهم العرب المسلمين واتخذ الفاتحون مدينة الحيرة (4) لحركتهم. وتركوا فيها عيالات أهل الأيام وارسلوا اليهم دقيقاً وغنماً وبقراً. وجاء أن انس بن هلال النمري قدم مدداً للمثنى في اناس من النمر المسيحيين وجلاب جلبوا خيلاً وهو عبد اللـه بن كليب بن خالد. وقالوا حين رأوا نزول العرب بالعجم نقاتل مع قومنا. وكذلك قالت فتية من بني تغلب في يوم البويب لما جلبوا خيلاً للعرب. والذي قتل مهران غلام من التغلبيين مسيحي، وبقيت المسيحية بين قبائل عرب العراق زمناً بعد الفتح في الحيرة والكوفة الأنبار.
وعندما دخل خالد أبن الوليد (5) الى الحيرة قدم معاهدة الى أهلها وهذا مطلعها: هذا ما عاهد خالد أبن الوليد عدياً وعمراً أبني عدي وعمرو بن عبد المسيح واياس بن قبيصة وحيري بن أكال. ومنها عهد عمر بن الخطاب أمير المؤمنين لمسيحي المدائن والى الجاثليق وقسانها وشمامستها جعله عهداً مرعياً وسجلاً منشوراً وسنة ماضية فيهم وذمة محفوظة لهم . . . وما جاء فيه: “ولا يغير لكم أسقف من أساقفتكم ولا رئيس من رؤسائكم ولا يهدم بيت من بيوت صلواتكم ولا بيعة من بيعكم، لا يدخل شيئ من بنائكم الى بناء المساجد ولا منازل المسلمين ولا يعرض لعابر سبيل منكم في أقطار الأرض، ولا تكلفوا الخروج مع المسلمين الى عدوهم لملاقاة الحرب. ولا يجبر أحد ممن كان على ملة المسيحيين على الاسلام كرهاً”.
دخلت هند الصغرى بنت النعمان (6) على خالد بن الوليد لما أفتتح الحيرة، فقال لها: اسلمي حتى ازوجك رجلاً شريفاً من المسلمين. قالت: اما الدين فلا رغبة لي به عن ديني ولا ابتغي به بديلا. واما التزويج فلو كانت في بقية لما رغبت فيه فكيف وانا عجوز هامة اليوم او غد. فقال لها: سليني حاجة. فقالت: هؤلاء المسيحيين الذين في أيديكم تحفظونهم. فقال: هذا فرض علينا وقد أوصانا به نبينا. فقالت: ما ليحاجة غير هذه. انا ساكنة في دير بنيتةُ ملاصق هذه الأعظم البالية من أهلي حتى ألحق بهم.
دفع مسيحوا العراق الجزية أيام الخلفاء الراشيدين كما دفعوها أيام الخلفاء الأمويين ولا غرابة في ذلك لأن السيد المسيح ورسله يأمرونهم بأن يطيعوا الملوك والولاة وأن يدفعوا الجزية والخراج. فأكرم المسلمون المسيحيين وعاملهم الولاة أحسن معاملة وبقيت مدراسهم مفتوحة ولم يكن الخلفاء والأمراء يتدخلون في شؤونهم.
المصادر: (19 التاريخ السعردي 2:ص162. (2) فجر الاسلام ص86،87. (3) تاريخ الأمم والملوك 4: ص12 وتاريخ الكامل 2: ص 147. (4) تاريخ الأمم والملوك4: ص73. (5) روفائيل بابو اسحق ص58. (6) معجم ما استعجم ص362.
المرفقات خارطة الدول العربية والقبائل الاسلامية قبل الاسلام (1). صفحة 99.
الموسوعة الكلدانية – كتاب تاريخ الكلدان صفحة 97 – 99.
الناشر/ شامل يعقوب المختار