“لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُوا، لأَنَّكُمْ بِالدَّيْنُونَةِ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ تُدَانُونَ، وَبِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ”(مت 7: 2،1)، هذا التعليم الإلهي و احدى وصايا يسوع المسيح للبشر والتي تمثل ارشاد روحي بامتياز لتعديل السلوك الانساني في الحياة…. إن إدانة الآخرين تدخل في التفتيش والفحص والبحث عن عيوبهم ونقائصهم وأخرى، وربما تصل الى اصدار الاحكام الشخصية او الاجتماعية، وفي ذات الوقت فإن الإدانة تولد شعور بانفعال والألم وقد يصل الى الحقد، هذا في الجانب السلبي والأخر هو إن كانت لدينا ملاحظة تجاه شخص ما، نطلب من الله أن يمنحِه الحكمة ليكون في ظروف مناسبة لحياة بها ثمارا إيجابية كما التعليم التالي: “وَأَمَّا أَنْتَ، فَلِمَاذَا تَدِينُ أَخَاكَ؟ أَوْ أَنْتَ أَيْضًا، لِمَاذَا تَزْدَرِي بِأَخِيكَ، لأَنَّنَا جَمِيعًا سَوْفَ نَقِفُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ”(روم 14: 10)، “وَمَنْ هُوَ ضَعِيفٌ فِي الإِيمَانِ فَاقْبَلُوهُ، لاَ لِمُحَاكَمَةِ الأَفْكَار، لأَنَّ اللهَ قَبِلَهُ، مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ. وَلكِنَّهُ سَيُثَبَّتُ، لأَنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُثَبِّتَهُ”(روم 14: 1، 3 ،4).
قد يتعرض البعض للإدانة ظلماً ذلك سيكون لديهمِ مشاعر مقاومة للانتقاد والمواجهة الشخصية لمن يدين، لذلك علينا أحيانا ان نلتمس الأعذار للأخرين حولنا ونجد لهم المبررات فالإدانة تُشعل أعمال الحسد والخصام والافتراءُ والظنون الرديّة والمنازعات والقلق وسوء النية والقصد بعض البشر يتبادلون الرياء والنفاق ومسوح القداسة مع وجود الكثير منها في داخل كل منهم. ومن نتائج النفاق والكبرياء أن يدين الإنسان غيره قبل أن يحكم على نفسه. أن ينتقد غيره على أخطائه، بينما هو يرتكب ما هو أشد شرا منها، أذا فالإدانة لا يمكننا التصريح بها إلا إذا كانت الوقائع غدت تمثّل خروج عن المألوف من الأعراف والتقاليد والمتطلبات ….الخ، أو وفقا للقانون في وقت هذا يصار فيه الى الإدانة التحذيرية. والمنصوص عليها في الأعراف الإنسانية والمجتمعية او يصار الى الذهاب الى استخدام قوة القانون وفقا لمعايير المتفق عليها.
الإدانة في القانون الوضعي: 1- هي الحكم الذي يصدر بحق افراد عندما تجد القوى التي تمثل القانون ان المدعى عليهم مذنبين بارتكاب جريمة ما.
2- التبرئة (أي “غير مذنب”) هي نقيض الإدانة. ويمكن أن يكون هناك حكم “لم يثبت” الذي يعتبر بمثابة التبرئة وهذا النوع من الحكم موجود في بعض المجتمعات.
3- القضايا التي تحكم فيها القوى التي تمثل القانون بأن لا يوجد سبب للإدانة، فنظام العدالة الجنائي في بعض المجتمعات ليس مثالي لكثير من الأسباب.
4- أحيانا يتم تبرئة المدعى عليهم المذنبون دون الإدانة وتخفيف آليات الاستئناف لمشكلة ما إلى وحد ما.
5- قد يكون هناك خطأ في الادانة نتيجة لتضليل العدالة الذي يتم فيه إدانة شخص بريء ويدعى ذلك بإجهاض للعدالة.
وتأسيسا على ما تقدم وعلاوة عليه، فقد تؤدي الإدانة إلى نتائج تفوق الحكم نفسه. وتعرف هذه التداعيات بالعواقب العرضية للتهم.، وتعتبر الإدانة البسيطة، في المدى، إدانة إنذارية كما بينا وهي لا تؤثر، ولكنها تخدم كتحذير، يسمى ذلك في تاريخ الإدانات بالسوابق والمعروف بالعامية باسم “السابق previous” البسيط يمكن أن يتم تطبيقه كأي عقاب للأفراد.
لذلك وضع الرب يسوع عنوانا لقاعدة ذهبية “بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم” (مت7: 2).. فمن أراد أن يصلح من شأن غيره، عليه أن يصلح شأن نفسه أولًا، في العموم هناك من يدينوا غيرهم ولا يحكموا على أنفسهم، أنهم، “أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ” (مت 23: 24)، أي يدققون في الأمور البسيطة والشكلية ويخطئون في أمور جوهرية كما في، “أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى! نَقِّ أَوَّلًا دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا.” (مت 23: 26)، لأن الفريسيين اهتموا بأن يظهروا للناس مثل الصديقين وهم من داخل مملؤون اختطافًا وخبثًا. وقال إنهم يشبهون، “وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ.” (مت 23: 27).
أعتاد البشر على أن يلجؤوا للإدانة والتبرير بأنفسهم منذ القديم فآدم ألقى اللوم على حواء وعلى الله، “فَقَالَ آدَمُ: الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ”(تك 3: 12)، فالخاطئ لا يريد أن يكون خاطئاً وحده، لذلك ينظر لمن حوله يبحث فيهم عن الخطأ ويدينهم، والفريسيين كانوا يتدخلون في شئون الناس ويدينوا ويحكموا عليهم، الذي هو عمل الله وحده.
لا ندين لأجل انتقام أو ندين ظلماً، نحن لن يمكننا معرفة حقيقتهم، فنحن إنما نحكم بالمظاهر التي نراها، لكن الله هو الديان العادل، ودينونة الناس تفقدنا طبيعة المحبة تجاههم، وهذا عكس ما يريده الله، فداود القائل “خطيتي أمامي كل حين” (مز 50) هل معنى هذا أن نتذكر خطايانا باستمرار وأننا خطاة وتكون خطايانا أمامنا كل حين، لكي تجلب لنا الاتضاع ونشعر بضعفنا فنزداد حرصاً ونطلب معونة الله بالصلاة.. أما إن كان التذكار يعيد إلينا الخطية، فلنمتنع عنه..
وبولس الرسول يقول “صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا” (1 تي 1: 15)، إذا أخطأ اليك اخاك، يقول الرب يسوع اذهب وعاتبه كما في، “وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ”(مت 15:18-17)، وفى هذا النص نفهم أنه يمكننا أن نحكم على المخطئ وأن نشهر به لكن هذا غير مقبول، بل أن نذهب إليه سراً ونعاتبه.
الرب يسوع لم يمنع الإنسان من إصلاح غيره، “أَمَّا الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ فَاللهُ يَدِينُهُمْ، فَاعْزِلُوا الْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ” (1 كو 5: 13)، وقال بولس لتلميذه تيموثاوس: “اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ.” (2 تي 4: 2)، وقال له أيضًا: “اَلَّذِينَ يُخْطِئُونَ وَبِّخْهُمْ أَمَامَ الْجَمِيعِ، لِكَيْ يَكُونَ عِنْدَ الْبَاقِينَ خَوْفٌ”(1 تي 5: 20).
ولا ينبغي أن نحكم على الاخرين في ما يستوجب من حكم انفسنا بسببها أو بفعل مماثل لها كما في: “وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا، أَمْ كَيْفَ تَقُولُ لأَخِيكَ: دَعْني أُخْرِجِ الْقَذَى مِنْ عَيْنِكَ، وَهَا الْخَشَبَةُ فِي عَيْنِكَ، يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ”(مت 7: 5،4،3)، وبهذا سمح الرب للإنسان أن نساعد الاخرين بإخراج القذى من عينهم ما يعني اننا نساعد الاخرين على اجتياز الأخطاء والعودة الى الصواب، بشرط ألاّ تكون هناك خشبة في عينه أكبر من القذى وتمنعه من الرؤية الصحيحة والتي هي بمعنى الاخطاء.
من محاسن كل منا إننا مَيالون للعدل، والذهاب للقضاء، وللدينونة وفق القانون، يُحبّ القاضي الصادق الذي يَحكم بالعدل، ويُظهر الخير من الشرّ والحقّ من الباطل، وبتعاطينا مع بعضنا، نُحبّ الحقّ، نُحبّ أن يُعاقَب الخاطئ، في كلّ تفاصيل حياتنا اليومية. ونحن نعتزّ بأنفسنا عندنا نلتزم بالقوانين ونفرح لفكرة أنّ الله عادل، يَحكم بالحقّ ويَحصَل حقّ البار ويُعاقب الخاطئ.
المكيال في حياة البشر: أننا عادة ما ننظر نحو المكيال، الميزان كأداة لقياس الكمية… أي يستخدم للبيع والشراء كسلوك متداول بين البائع و المشتري مقابل المال منذ ان عرف البشر لهذه الاداة، ويتم تداوله في السوق عموما والى يومنا هذا، فعندما نسعى الى الشراء نطالب أن يكون بالفائض هذا في الجانب المادي، اما عندما نقارن بمعنى الكلمة كما تستعمل في الحياة الاجتماعية فأنها ستوضح لنا معنى اخر هو …… عندما نكيل نحن اي مما نقدمه في الحياة بمعنى السعي مع الاخرين فيها بمختلف أنماط السلوك الفكري واللغوي و الوجداني فضلا عن العمل ماهي النتائج المتحصلة، ايكون المكيال واحد لنرضيهم وأنفسنا ونريح الضمير أم… الخ، فهل نحرص على فعل ذلك عندما نحكم على الآخرين أو نتحدث عنهم هذه دلالات المعنى الاجتماعي للمكيال كمرادف لكلمة الدينونة. الدينونة والمكيال في اللغة والادب: واعْلَمْ بأَنَّ كما تَدِينُ تُدان أَي تُجْزَى بما تفعل . و دانَه دَيْناً أَي جازاه، أَي مَجْزِيُّون مُحاسَبون ومنه الدَّيَّانُ في صفة الله، والدِّين : الحسابُ يوم الدِّين وقيل : معناه مالك يوم الجزاء، وقد دِنْته ودِنْتُ له أَطعته تطلق هذه الكلمات على حكم الله على الناس بحسب أعمالهم، وقد أعطيت الدينونة للرب يسوع المسيح فهو الديان الذي يقف أمامه جميع البشر لكي يعطوا حسابًا عن أعمالهم في الجسد خيرًا كانت أم شرًا وهذه الدينونة عامة وشاملة وحكم هذه الدينونة نهائي ولا يقبل النقض ولا الاستئناف. وبموجب هذا الحكم يدخل الأبرار إلى أمجاد ملكوت المسيح وأفراحه، ويذهب الأشرار إلى الظلمة الخارجية واليأس الأبدي بمعنى أن لا ننتقد الآخرين ونصدر عليهم أحكاما مرتجلة، مغتصبين لذلك مكان الله “الديان العادل، أعْطَاهُ إِيَّاهُ بِالكَيْلِ كيلَ: (فعل) قُدِّر بالكَيل من يكتال وتولَّى الكَيْل بنفسه فساد السِّلعة والنقص في الكيْل كال بمكيالين: عامل شخصين متساويين معاملة مختلفة، لم يعدل.
الدينونة والمكيال كما وردت في الكتاب المقدس:
يوم الرب هو يوم الدينونة الأخير العام. وسيكون ذعرًا على الأشرار، وسلامًا على الأبرار، ويشار به ايضا إلى الأزمنة الأخيرة. وهو اليوم الذي يعلن فيه الله ذاته ويدين الشر ويكمل عمل الفداء. واليوم الذي سينتصر فيه على جميع أعدائه ويخلص شعبه من كل ضيق، ويبدوا لنا ان هذه المصطلحات هي المتداولة بين الكثيرين في علم مثقل بالمدينون والخطئة والمتلاعبين بالمكيال الخلقي والسلوكي، والكثير يبدوا حائرا في كيفية الخلود الى الحل علما انه في متناول الجميع وكما يلي: “اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ، فَلْتَبْتَهِجِ الأَرْضُ، وَلْتَفْرَحِ الْجَزَائِرُ الْكَثِيرَةُ، السَّحَابُ وَالضَّبَابُ حَوْلَهُ. الْعَدْلُ وَالْحَقُّ قَاعِدَةُ كُرْسِيِّهِ”(مز 97: 2،1)، “أَمَامَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ جَاءَ لِيَدِينَ الأَرْضَ. يَدِينُ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ وَالشُّعُوبَ بِالاسْتِقَامَةِ” (مز9 8: 9).
فَإِنَّ لِرَبِّ الْجُنُودِ يَوْمًا عَلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَعَال، وَعَلَى كُلِّ مُرْتَفِعٍ فَيُوضَعُ، فَيُخْفَضُ تَشَامُخُ الإِنْسَانِ، وَتُوضَعُ رِفْعَةُ النَّاسِ، وَيَسْمُو الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لِيَدْخُلَ فِي نُقَرِ الصُّخُورِ وَفِي شُقُوقِ الْمَعَاقِلِ، مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ لِيَرْعَبَ الأَرْضَ”(اش 2 : 17،12، 21 )، يطبقها على الكبرياء والقوة.
والعهد الجديد يشير الى يوم المسيح:
يوم مجيئه بمجد الآب. هو يوم الغضب، واليوم الرب عند المجيء للدينونة، “وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ فِي السَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ” (مت 24: 30)، وسيكون ذلك بصورة فجائية مباغتة، وبغير انتظار، ولا يعرف الوقت إلا الآب في السماء “«وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ، إِلاَّ أَبِي وَحْدَهُ.” (مت 24: 36). “«فَاحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ الْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ بَغْتَةً.” (لو 21: 34)، “فَقَالَ لَهُمْ: «لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالأَوْقَاتَ الَّتِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ،” (أع 1: 7)، وعلى الكنيسة أن تقبل الكل برأفة. لاَ لِمُحَاكَمَةِ الأَفْكَار أي دون إدانة أفكاره، فالدينونة هي عمل الله، إذًا لنتركها له، “فَاذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَاعْمَلِ الأَعْمَالَ الأُولَى، وَإِّلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا، إِنْ لَمْ تَتُبْ.” (رؤ 2: 5)، يوم الدين أو الدينونة “اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالًا مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ.” (مت 10: 15).
اليوم العظيم ويدعى أيضًا ذلك اليوم، “كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً” (مت 7: 22)، إن أول دينونة كانت قيامة يسوع. قيامته كانت دينونة للذين صلبوه، لتلاميذه، لكلّ مَن لم يفهم، لكلّ من فضّل بارابّاس، لكلّ مَن رفضه وحاكمه …. على ضوء هذه القيامة تصير دينونة العالم. إن الذي سوف يَدين العالم في نهاية الأزمنة هوَ الذي أتى إلى هذا العالم ليُخلّصه، ولنعود إلى الكتاب المقدس: ماذا يقول الربّ يسوع في الإنجيل وننطلق من الله الكلمة.
سيعرف كل العالم، ان للمجد الذي قدمه لنا الرب يسوع المسيح وعمله في حياتنا لن يُخفى وهو الذي قال، “فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ”(مت 5: 16)، كل ذلك سيعرفه الجميع وسيعلن ذلك للعالم عن طريق تلاميذه الذين ن اوصلوه لنا، وعن طريقنا نحن عندما نطبقه فهو الذي سيظهر فينا نورًا وفي أعمالنا وسلوكنا، “أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل”(مت 5: 14). إن كان الرب يسوع المسيح قد جاء إلى العالم ليخدمنا بحبه العملي دون أن يطلب مجدًا لذاته، لكن لا يمكن لمجده أن يخفى، لقد وضع لنا خطة العمل، ألا وهي العمل من أجل النفس والجسد، بعيدًا عن حب الظهور أو طلب الكرامات الزمنية، لكننا فيما نحن نعمل هكذا بروحه يتمجد فينا علانية، “ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: هَلْ يُؤْتَى بِسِرَاجٍ لِيُوضَعَ تَحْتَ الْمِكْيَالِ أَوْ تَحْتَ السَّرِيرِ، أَلَيْسَ لِيُوضَعَ عَلَى الْمَنَارَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ خَفِيٌّ لاَ يُظْهَرُ، وَلاَ صَارَ مَكْتُومًا إِلاَّ لِيُعْلَنَ. إِنْ كَانَ لأَحَدٍ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ” (مر21:4-25).
فمن يعلِّم تعليمًا مناقضًا لإيماننا، يجب أن تقاومه الكنيسة، ولنراجع ثورة بولس الرسول عندما دخل بينهم فكر خاطئ. “أَيُّهَا الْغَلاَطِيُّونَ الأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَاكُمْ حَتَّى لاَ تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟ أَنْتُمُ الَّذِينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوبًا” (غل1:3)، “لأَنَّكُمْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ بِالتَّحْقِيقِ أَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ هكَذَا يَجِيءُ، لأَنَّهُ حِينَمَا يَقُولُونَ: سَلاَمٌ وَأَمَانٌ، حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً، كَالْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلاَ يَنْجُونَ، وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلَسْتُمْ فِي ظُلْمَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ كَلِصٍّ”(اتس 5: 4)، أو اليوم، “فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا لأَنَّ الْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ، وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ.” (1 كو 3: 13).
و”يوم ربنا يسوع المسيح” “وَاثِقًا بِهذَا عَيْنِهِ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيكُمْ عَمَلًا صَالِحًا يُكَمِّلُ إِلَى يَوْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ” (في 1: 6)، “حَتَّى تُمَيِّزُوا الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ، لِكَيْ تَكُونُوا مُخْلِصِينَ وَبِلاَ عَثْرَةٍ إِلَى يَوْمِ الْمَسِيحِ” (في 1: 10). في موعظته على الجبل يؤسس الرب يسوع لعنوان جديد في الحياة ولقاعدة جوهرية هي بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزاد، وبهذا يقدم لنا فكرة الحكم والقياس في الحياة وكما يلي*:
1- عند قبولنا لفكرة الرحمة فعلينا أن نكون رحماء مع أنفسنا، عندها نطالب بالرحمة والسلام لبعضنا ونسعى الى ذلك معهم.
2- عند البحث لمعرفة الحقيقة علينا ان ندافع عنها اولا ومن ثم مع الاخرين، وعند قبولنا العدالة فعلينا أن نمارسها بأنفسنا وعند دفاعنا عن الكرامة علينا ان نصونها مع الاخرين.
3- عند ما ندعو للعدل الاجتماعي يجب أن نحترم الجميع ونتحدث عن المساواة لا ان نمارس التمييز، وان نرفض الظلم ولا نقع نحن في شرعنته، وفي التسامح والغفران يجب ان نكون نحن أولا في ممارسته كسلوك.
4- عند رفضنا للكراهية علينا ان نقدم المحبة كبديل دائم، وننتقد الرياء ونجعل الصدق هدفنا، ونبتعد عن الكبرياء ونقدم سلوك التواضع بديلا عنه…… فلنجرب اليوم كل ما تقدم من ارشاد ونضعه كمحاور لحياتنا ونكيل للآخرين بما نكيل لأنفسنا ونصفح عنهم بمقدار ما نود المسامحة المتبادلة.
وفي الختام يمكن ان يكون المأثور القصصي تعليما وتعديل للسلوك كما في: تفقد أحدهم صديق له يبيع ويشتري في منتوجات الالبان وفي هذه الاثناء حضر فلاح كالمعتاد ليبيعه الزبدة.. فاستقبله الصديق بصوت عال وقال لهٍ: أنا لن أتعامل معك مرة أخرى.. فأنت رجل غشاش.. فكل قطع الزبدة التي بعتها لي تزن 900 غراما فقط.. وأنت حاسبتني على كيلو غراما كاملا، أجاب الفلاح بأسى وقال: لا تسئ الظن بي.. فنحن أناس فقراء.. ولا نمتلك وزن الكيلو غراما.. فأنا عندما أخذ منك كيلو السكر أضعه على كفة.. وأزن الزبد في الكفة الأخرى. وهنا عزيزي القارئ نكون قد توصلنا الى معرفة الدينونة والمكيال وتحقق لدينا ما أراد الرب يسوع ايصاله لنا من تعليم اجتماعي وتربوي سلوكي يمكن تطبيقه في جميع انشغالاتنا في الحياة…. لا للغرق في الخطيئة، لا للتوهّم وتُضليلّ الاخرين بأن الخلاص سَهل وللجميع دون جهد،… تعليم الرب يسوع والكنيسة واضحة، لأنّه يُحبنا أعطانا الحرية، ومات لأجلنا لنختار، اجتهدوا للدخول من الباب الضيق، هذا طبعًا ليس سهلاً، لكن مُمكن مع يسوع، فلنتأمله بالقيامة … ونختار حياة الايمان بالصلاة وممارسة الأسرار. ونلتزم بها ونعيشها، بارك يا رب جميع المؤمنين أبناء الكنسية ومكنهم من المحبة ……. الى الرب نطلب
د. طلال كيلانو
—————————————————————————————————
“وَقَالَ لَهُمُ انْظُرُوا مَا تَسْمَعُونَ بِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ”(مر 4: 24). “ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينيك وها الخشبة في عينك. يا مرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذٍ تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك”(متى 7: 3-5).